ابن دهيش: جبل الصفا دخل ذمة التاريخ بإزالة الظاهر منه عام 1401 للهجرة

ابن دهيش: جبل الصفا دخل ذمة التاريخ بإزالة الظاهر منه عام 1401 للهجرة

كشفت دراسة حديثة جاءت تحت عنوان "حدود الصفا الشرعية – التوسعة الحديثة - دراسة تاريخية فقهية" عن أن التوسعة الحديثة للمسعى في المسجد الحرام التي يجرى العمل عليها في الوقت الحاضر لم تخرج عن حدود جبلي الصفا والمروة، أنه على الرغم من أنها لاقت بعض الاعتراضات من بعض المشايخ وبعض أعضاء هيئة كبار العلماء في السعودية، إلا أن الدراسة ترى جوازها.
واستندت الدراسة التي أعدها الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش الرئيس العام لتعليم البنات في السعودية سابقاً, في إجازتها لتوسعة المسعى, إلى إجماع العلماء على ضرورة السعي في المسعى جميعه، بحيث ألا يترك أي جزء من المسافة بين الصفا والمروة بغير سعي، والتي إن ترك الساعي جزءا منها ولو صغيراً بطل سعيه، كما أن العلماء والفقهاء لم يعترضوا أيضا على عرض المسعى، فكلام أكثر فقهاء الحنابلة والشافعية كان على طول المسعى وليس عرضه، إذ إن من الواجب استيعاب المسافة من جبل الصفا إلى جبل المروة.
كما أكدت الدراسة أن قرار ولي الأمر بإجراء التوسعة يعد حكيماً ـ حيث كان مستنده هو دفع الضرر والخطر عن المسلمين، وجلب الأمان والمنفعة لهم، إذ إن القاعدة الفقهية تنص على أن حكم الحاكم يرفع الخلاف في قضية من قضايا مسائل الخلاف، إذا حكم فيها بأحد أقوال أهل العلم، بما لا يخالف نصاً صريحاً من كتاب الله أو سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، أو بما انعقد عليه إجماع الأمة، وشددت الدراسة على أن مما لا شك فيه أن التوسعة تعد محققة للمصلحة في خدمة الحجيج والمعتمرين وزوار البيت، وفي الأخذ بها, أي الدراسة, دفع للأضرار المحتمل وقوعها عليهم. وأشار الكاتب إلى أنه له شرف اقتراح توسعة المسعى وزيادته بما يعادل قدر مساحته التي كانت عليه من جهته الشرقية، خاصة أنه توجد ساحة كبيرة خصصت لاستيعاب المصلين وهي ممتدة حتى حدود مكتبة مكة المكرمة من جهة الشرق.
وأوضحت الدراسة التي صدرت أخيراً في كتاب جاء في 145 صفحة، أن التوسعة الحديثة للمسعى لم تخرج عن حدود جبلي الصفا والمروة، وأن المتابع والمطلع على حركة المد السكاني والتطور الحضاري العمراني لمنطقة الصفا والمروة سيلاحظ أن المسعى الذي يقع شرق الكعبة المشرفة قد تطاولت عليه أيدي الناس على طول الزمان ببناء دورهم ومنازلهم على جانبيه الشرقي والغربي، وطرفيه الجنوبي والشمالي، وأحالوا سعته وانفساحه ضيقاً وحرجاً، فاختلط الساعي بين الصفا والمروة بالمتسوّق، وبالقاطنين على جوانب المسعى من كل جهاته، كما إن أحداب ومرتفعات جبل الصفا الغربية مما يلي أجياد كانت ظاهرة للعيان قبل أن تبدأ الهدميات لتوسعة المسعى والمسجد الحرام من ناحيته الجنوبية وغيرها في شهر صفر من عام 1375 في عهد الملك سعود ـ رحمه الله.
ولفتت الدراسة إلى أن جبل الصفا كان على أحد أكتافه الممتدة جنوباً المتصلة بجبل أجياد الصغير ثنية يصعد إليها من أجياد الصغير، ثم ينحدر منها طريق يمر وسط سقيفة مظللة، ومنها ينزل الطريق من فوق الجبل متعرجا بين البيوت المنتشرة على تلك المنطقة من جبل الصفا حتى يصل إلى الصفا الذي يبدأ الساعون منه سعيهم.
وأفصحت الدراسة أن جبل الصفا أزيل الظاهر منه على مرحلتين كان أولاها عام 1375 حين قطعت أكتاف جبل الصفا وفتح عليها شارع لمرور السيارات يصل بين أجياد والقشاشية التي أزيلت هي الأخرى مع مرور الزمن. وأما المرحلة الثانية فكانت عام 1401 عندما أزيل الشارع الذي فتح سابقاً، وقطع الجبل من أصله، وفصل موضع الصفا عن الجبل، وفتح بينه وبين الجبل الأصل طريق متسع للمشاة بين ما بقي من أصل الجبل وبين جدار الصفا من خارجه الشرقي، ذلك تسهيلاً للحركة والمشي حول المسجد الحرام، وتيسيراً للناس عناء صعود الجبال والهبوط منها في ذلك الموضع، مؤكداً أن هذا المشروع الأخير أزال ظاهر الجبل من الوجود وأدخله في ذمة التاريخ.
وناقشت الدراسة بين طياتها عمارة المسجد الحرام عبر العصور منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب مروراً بكل من قام بإجراء أي إصلاحات أو ترميمات أو توسعة في المسجد الحرم، وانتهاء بتوسعة المسعى الحديثة التي تأتي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حيث بلغ من اهتمامه بعمارة الحرم أن أمر بتخصيص عشرة مليارات ريال لإصلاحات وتوسعات للحرم المكي الشريف والمشاعر المقدسة في أول ميزانية أقرت في عهده، الأمر الذي يدل دلالة قوية على اهتمامه بالحرمين الشريفين كسلفه من حكام آل سعود من عهد المغفور له الملك عبد العزيز.

الأكثر قراءة