علماء القراءات: السمنودي حافظة قوية ومؤلفات غزيرة وحياة حافلة مع القرآن

علماء القراءات: السمنودي حافظة قوية ومؤلفات غزيرة وحياة حافلة مع القرآن

فقدت الأمة الإسلامية في السابع من شهر رمضان الشيخ إبراهيم السمنودي عالم القراءات المتبحر الذي يعد فقده خسارة عظيمة، وبموته نزل الإسناد في القراءات درجة، وقد عرف رحمه الله بين طلابه ومحبيه بالصبر على العلم وقوة الحافظة حتى بعد كبر سنه رحمه الله ونسأ في أثره.
وهو الشيخ العلامة أبو محمد إبراهيم بن علي بن علي بن محمد بن القشيري بن العيسوي بن شحاتة التميمي السَّمَنُّودِيّ المصري ولد في مدينة سمنود - محافظة الغربية في مصر، في يوم الأحد 22 شعبان عام 1333هـ، الموافق 5 تموز (يوليو) عام 1915م ودرس القرآن منذ صغره حيث حفظه وهو ابن عشر سنين برواية حفص عن عاصم، قرأ على الشيخ علي قانون، ثم قرأ عند الشيخ محمد أبو حلاوة وختم عليه القرآن خمس مرات برواية حفص عن عاصم وأخذ عليه التجويد في الختمة السادسة، ثم أشار عليه الشيخ محمد أبو حلاوة بحفظ الشاطبية، فحفظها في سنة ثم قرأ بمؤداها القراءات السبع في سنة أخرى على الشيخ نفسه - رحمهما الله.
ثم قرأ على الشيخ السيد عبد العزيز بن عبد الجواد: الدرة المضية في القراءات الثلاث للإمام ابن الجزري، ومنحة مولى البر للإبيارى، وتحريرات الشيخ الطباخ على طيبة النشر المسماة هبة المنان في تحرير أوجه القرآن، ثم قرأ عليه ختمة بالقراءات العشر.
بعدها، بدأ الشيخ في تحصيل بعض العلوم الشرعية والعربية عند الشيخ محمد أبو رزق: ودرس عليه الفقه الشافعي والعلوم الشرعية ثم درس النحو على الشيخين السيد متولي القط ومحمد الحسني ودرس علم العروض على الشيخ عبد الرحيم الحيدرى: درس عليه الكافي في علم العروض والقوافي وكان مدرسا في كلية اللغة العربية آنذاك.
وفي سنة 1944م رحل إلى القاهرة، وكان عمره آنذاك ثمانية وعشرين عاماً، فامتحن والتزم بمقرأة من مقارئ القاهرة شيخاً لها، وكان الشيخ العلامة محمد على الضباع – رحمه الله: كان رئيس لجنة الاختبار التي امتحن أمامها شيخنا حينما قدم إلى القاهرة وكان كلما سأله في القراءات وأوجهها أجاب جوابا شافيا مما تعلم وحفظ من قبل من المتون، فأشار عليه الشيخ الضباع بحفظ "فتح الكريم في تحرير أوجه القرآن العظيم" للعلامة المتولي – رحمه الله – من طريق الأزميري، فعكف السمنودي عليها حفظاً ودراسة على الشيخ حنفي السقا ، وبينه وبين المتولي في السند رجل واحد : وهو الشيخ : خليل الجنايني ، ومكث عنده أربع سنوات : أخذ عنه فيها القراءات العشر من طريق طيبة النشر ، ثم القراءات الأربع الزائدة على العشر المتواترة.
وقد كان من أبرز صفات الشيخ إبراهيم السمنودي التواضع الجم والأدب الرفيع، فهو كثير الاتهام لنفسه بالعجز والتقصير وعدم التعالي، وهذا نجده مبثوثًا في معظم كتبه ومؤلفاته.
د. الجار الله وصفات الشيخ
وأوضح الشيخ عبد الله الجار الله الباحث في الدكتوراة في علم القراءات في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة أن الفقيد كان رحمه الله- مع تقدم سنه وضعفه ومرضه يتمتع بقوة حافظة وسعة اطلاع، وقدرة متفوقة على الإقراء والتأليف نثرًا ونظمًا, وهذا ظاهر في إنتاجه الغزير من الطلاب والتأليف، ولاسيما في التحريرات وعزو الطرق.
ومن صفاته الزهد والورع, فقد عرفه الناس زاهدًا في الدنيا وزخرفها, راغبًا في الآخرة ونعيمها, وهذا ظاهر في ملبسه ومسكنه وسائر شؤون حياته, فقد كان لا يملك من الدنيا إلا منْزلاً بسيط البنيان, يتكون أثاثه من غرفة بسيطة التأثيث، فيها دولاب قسمه إلى قسمين قسم لثيابه وملابسه, وقسم لنفائس مؤلفاته وكتبه وأشيائه الخاصة, كما أنه كان ينام على سرير في أبسط أشكاله, وإذا ما جاءته هدية من أحد تلاميذه أو محبيه شكره عليها ثم لم تكن بعد أكبر همه.
ومن شمائله صبره واحتسابه فقد مر بمحن وابتلاءات مع الأمراض الكثيرة: كأمراض ضغط الدم، وتصلّب الشرايين، والجلطة والذبحات الصدرية، وتضخم البروستاتا، وانحباس البول، وغيرها، حتى بلغ عددها أكثر من اثنين وثلاثين مرضًا، ويأخذ يوميًا أكثر من عشرين حبة من حبوب العلاج والدواء، وهو مع ذلك كله كان صابرا محتسبا لا يشتكي لأحد حتى لأقرب الناس إليه, فمن جالسه وجلس معه يعلم منه ذلك الصبر والجلد العجيب، ومع هذه الأمراض الكثيرة والأدوية والعلاجات ونصائح الأطباء إلا أنه يصر على صيام رمضان كاملاً كل عام, وكان يحنّ إلى لقاء الله، ويسعى إليه، وقد توفي صبيحة يوم الأحد السابع من رمضان عن عمر ناهز السابعة والتسعين عاما رحمه الله وأحسن مثواه.
ومن صفاته وشمائله قوة الحافظة وسعة الاطلاع, يعرف هذا من جالسه وخالطه وتتلمذ على يديه.
وقد كان له -رحمه الله- مع ضعف بصره وكبر سنه ومرضه الشديد عناية في السؤال عن كتب القراءات ويفرح بها ويطلبها, فإذا ما ذُكِرَ له كتاب أعجبه فإنه يطلب نسخة منه ويلحّ في ذلك، ثم يطلب أن يجلّد الكتاب تجليدًا فاخرًا, فهو يعظّم كتب العلم، ويحترمها ويسأل عن النفيس منها.
ومن شمائله الكريمة رجوعه إلى الحق متى ما تبين له, فربما ألقى الدرس على طلابه وشرحه لهم ثم يتبين له بعد الدرس رأي، فيأتي من الغد ويطلب من الطلاب تصحيح ما أملاه عليهم بالأمس. وكان كثيرا ما يردد لطلابه: العلم أمانة ومسؤولية, وكان يقول: إذا وقع منك خطأ يتعلق بالقرآن فتراجع عنه علنًا ولا يهمك أحد، وضع بين عينيك رضى الله.
وكان رحمه الله كثير الذكر والدعاء لمشايخه، والاعتراف بجميلهم وإحسانهم.
هذه بعض صفاته وشيء من شمائله التي تحلّى بها، وسعى إليها، ولقد أهلته - بتوفيق الله - لمكانة علمية عالية فاق بها أقرانه, وأكسبته ثناء ورفعة في الدنيا, وله إن شاء الله عند ربه الكريم الجزاء الأوفى, رحمه الله رحمة واسعة ورفع الله قدره وأنزله الفردوس الأعلى من جنات النعيم.
علماء القراءات يتحدثون عن الفقيد
من جهته قال الشيخ إبراهيم الأخضر شيخ القراء في المسجد النبوي إن الشيخ السمنودي - رحمه الله - تميز بحافظة قوية جداً, لم يصبها وهن الشيخوخة, وكان قد تميز في ريعان شبابه بقدرة خارقة على النظم, وكلما ذكر عنده شيء من شؤون القرآن والقراءات قيّده في منظومة ضمنية أو مستقلة، ووُفّقَ أيما توفيق في منظوماته, فلم يترك شيئًا إلا وألف فيه، من تحريرات، وإفراد قراءات، وتنبيهات، وشواهد لمعترك القراءات، وبيان لمستعص على غيره, فكان - تبارك الله - متتبعًا دقيقًا للشارد والوارد من فن القراءات.
ويقول الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي إمام وخطيب المسجد الحرام إن الشيخ إبراهيم السمنودي رحمه الله من المسندين والمحققين في علم القراءات, ومن المؤلفين التأليف النافع, أخذ عنه كثير من علماء القراءات, جزاه عن خدمته للقرآن خير الجزاء.
ويشير الشيخ محمد كريم راجح شيخ القراء في الديار الشامية: المشتغلون تتابعوا بتحرير طرق الطيبة حتى لا يختلط طريق بطريق، فكان منهم الإمام الأزميري التركي, وكان منهم الشيخ المتولي, وكان منهم الإمام الزيات, وكان منهم الشيخ إبراهيم بن علي السمنوديّ رحمه الله الذي فاق من جاء قبله., والكتابة عن رجال كالسمنوديّ تعطي أريحية للطلاب كي يعرفوا أنّ علماءنا كانوا مخلصين, وأنهم يشتغلون بالعلم للعلم لا لغرض دنيوي.
أما الشيخ المحقق عبد الرافع رضوان عضو اللجنة العلمية في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف فيقول: أستاذي المحقق, وشيخي المدقق: إبراهيم بن علي شحاثة السمنوديّ رحمه الله, صاحب مؤلفات عديدة, ومنظومات فريدة في علم القراءات, التي تؤكد تفوقه في هذا الميدان.

الأكثر قراءة