فوائد السندات الحكومية العالية تجذب الاستثمارات رغم أزمة الأسواق العالمية
أثبتت الأسواق المالية اللبنانية ولا سيما الأوراق والأسهم المتداولة في بورصة بيروت والقطاع المصرفي قدرتها على الصمود في وجه أكبر هزة مالية عالمية ما زالت تداعياتها تضغط على النظام المالي العالمي وتنذر بالانهيار.
وبعد مرور أسبوع على الأزمة المالية وفي الوقت الذي طمأنت فيه السلطات المالية إلى متانة السوق اللبنانية، فإن "الاقتصادية" علمت من مصادر مطلعة أن ارتدادات محدودة قد تسجل على الساحة المحلية ومن المحتمل أن تبرز في الفترة المقبلة من خلال ضغوط محتملة على السيولة مما يؤدي إلى تراجع فرص الاستثمار التي حققت تقدماً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة وتحديداً منذ أواخر أيار (مايو) الماضي. وأوضحت هذه المصادر أن القيود التي وضعها مصرف لبنان المركزي على حركة الودائع المصرفية والتصاميم الصادرة منذ ظهور بوادر أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، قد أسهمت في الحد من انعكاسات الأزمة العالمية محلياً وكرست مناعة ومتانة وحصانة النظام المالي والمصرفي اللبناني.
وخلصت إلى أن الواقع والنتائج والمصرفية المحققة على صعيد الودائع والموجودات وتوزع النشاط المصرفي والتسليفات والتشدد في عمليات الإقراض، جعلت من القطاع المصرفي اللبناني محصناً بالتنظيم من قبل السلطات المالية والرقابية المصرفية وبالواقع من خلال الأرقام المحققة خلال الايام القليلة الماضية.
وتفوق نسبة السيولة في القطاع المصرفي اللبناني بمقدار 11 في المائة ما حددته اتفاقية بازل 2، كما أن نسبة نمو الودائع السنوية وصلت إلى 12 في المائة ولا تزال تتطور. كما أن ميزان المدفوعات سجل خلال تموز (يوليو) الماضي فائضا بلغ ملياراً ونصف المليار دولار بعدما كانت معدلات نموه المتراكمة حتى حزيران (يونيو) 2008 لا تزيد على 81 مليون دولار.
ومرد هذا النمو إلى تعزيز موجودات مصرف لبنان التي بلغت حتى أواخر تموز (يوليو) الماضي بنسبة 10.33 في المائة مقارنة بالعام الماضي. كما بلغت المبالغ الاحتياطية الجاهزة لدى القطاع المصرفي نحو 23.08 مليار دولار وهي ما تشكل مصدر قوة لهذا القطاع وأدت إلى صموده بوجه كرة الثلج للأزمة العالمية.
رئيس جمعية المصارف في لبنان الدكتور فرانسوا باسيل تحدث لـ "الاقتصادية" عن الإجراءات التي تلتزم بها المصارف وتطبيق اتفاقيتي بازل 1 و2 والتي أسهمت في إبقاء القطاع بمنأى عن الأزمة، فلفت إلى أن الإجراءات الاحترازية ليست جديدة بل إنها تعود إلى أواخر الثمانينيات عندما اتخذ مصرف لبنان المركزي إجراءات وأصدر تعاميم وراقب تنفيذها مباشرة من قبل كل المصارف وهدفها عدم السماح بحصول أي مخاطر أو بتأثر القطاع اللبناني بالأزمات الخارجية.
وأشار في هذا السياق إلى التصنيفات الدولية للمالية اللبنانية ولصمود الاقتصاد كما القطاع المصرفي وهو ما برز في تقرير وكالة "فيتش" الدولية منذ أيام قليلة حيث كان تنويها بقدرة الدولة اللبنانية على إدارة الدين العام والمالية العامة.
وأضاف أن النشاط الذي عرفته بورصة بيروت بالمقارنة ببورصات المنطقة عشية الأزمة وخلالها، شكل عاملاً جاذباً للاستثمارات فيها وبدا بوضوح من خلال الطلب على سندات الخزانة بالليرة اللبنانية. وعزا الدكتور باسيل هذا الطلب إلى استقرار درجة لبنان لناحية القدرة اللبنانية على دفع السندات في مواعيدها، كما للفوائد العالية على هذه السندات التي تصل إلى 9.6 في المائة لسندات استحقاقات السنوات الثلاث و8.4 في المائة لسندات السنتين و7.73 في المائة لسندات السنة الواحدة والأشهر الستة و5.22 في المائة لسندات الأشهر الثلاثة.
وتوقع الدكتور باسيل تحول المستثمرين العالميين من الأسواق المالية إلى سندات الخزانة وغيرها من الأوراق وقلل من توجههم نحو المصارف وذلك بعد خسائر صناديق الاستثمار الأكبر في العالم. وإذ اعتبر أنه من المبكر الحكم على نتائج الأزمة التي لم تكتمل بعد، لاحظ أن الوقائع المسجلة منذ أكثر من عام في الأسواق الأمريكية كانت تشير إلى بوادر الكارثة، وأكد أن الارتداد الأسوأ الذي سيتعدى حدود الدول المتأثرة بالأزمة هو تراجع النمو العالمي الذي سيدوم لفترة طويلة، لان التطورات الحالية تترافق مع ارتفاع في الطلب العالمي، الأمر الذي يشير إلى وجود عوامل خارج الأسواق العالمية مما يزيد المشكلة تفاقماً. وليست أرقام الخسائر والديون العقارية الأمريكية التي قدرت بـ 166 في المائة من الاقتصاد الأمريكي و40 في المائة من الناتج العالمي، سوى جرس الإنذار لدورة الركود المرتقبة عالمياً.