أزمة الائتمان تحلق بتكاليف التمويل عاليا.. ما مصير المشاريع العملاقة في الخليج؟

أزمة الائتمان تحلق بتكاليف التمويل عاليا.. ما مصير المشاريع العملاقة في الخليج؟

سواء كان الأمر يتعلق بالمشاريع البتروكيماوية، أو المنتجعات البحرية، أو المدن الكاملة، فإن معظم الحديث في الخليج، خلال السنوات الأخيرة، كان يدور حول نفحة من الفخامة، أي المشاريع الممولة بالدولارات النفطية التي يخطط لها في هذه المنطقة.
أدت مشاريع معينة إلى رفع الحواجب، بينما تساءل المراقبون حول جدواها وملاءمتها، في حين تم النظر إلى المشاريع الأخرى كرهان سليم في الوقت الذي سعت فيه الحكومات إلى تنويع اقتصاداتها، وتحديث بناها التحتية، وتطوير صناعاتها. وفي ظل وجود ما قيمته 2.5 مليار دولار من المشاريع، سواء كانت مخططة، أو قيد التنفيذ، فإن هذه التطورات اعتبرت مصدراً مهماً للنشاط العملي للبنوك الدولية، والمؤسسات المحلية المتنعمة بالانتعاش النفطي.
غير أنه في ظل تعمق الأزمة الائتمانية هذه الأيام، فإن تكاليف التمويل تحلّق عالياً، كما يتزايد ابتعاد البنوك الدولية عن تحمل المخاطر. ويحذر رجال المصارف من أن كثيراً من المشاريع المقترحة سيكون ضحية لأحداث اضطراب عالمي، بينما يتوقع العديد من حالات تأخير هذه المشاريع. ويعمل شح السيولة المحلية على تفاقم هذا الوضع.
يقول موثوسوامي شاندراسيكران مدير تمويل المشاريع في بنك الخليج الدولي بصراحة بالغة "إنني لا أرى حتى احتمال إتمام نصف تلك المشاريع، حيث من الممكن أن يكون التباطؤ في سوق المشاريع كبيراً للغاية بعد أحداث الأسبوع الماضي".
وهو يقدر أن البنوك الدولية كانت تقدم ما يراوح بين 60 و70 في المائة من تمويل المشاريع في هذه المنطقة. وفي ظل الوضع المهتز للأسواق العالمية، ازداد قلق البنوك الدولية منذ صيف عام 2007، ولكن رغبة دول الخليج في دفع أتعاب أعلى، إضافة إلى السيولة المحلية، عملت على ضمان بقاء الخطط الطموحة على خط مسارها.
غير أن حالة التشويه التي شهدها "وول ستريت" الأسبوع الماضي التي أطلق زنادها انهيار "ليمان براذرز"، كانت "مغيّر لعبة" وفقاً لما قاله أحد خبراء هذه الصناعة. ويرى رجال المصارف أنه ما زالت هنالك كميات وافرة من رأس المال في الخليج، غير أن معظمها في أيدي الحكومات، بدلاً من القطاع الخاص. وإن التدافع لضمان الحصول على ما يتبقى يسبب ارتفاعاً شديداً في الأسعار. ويقول أحد المسؤولين التنفيذيين في واحد من البنوك الدولية الرائدة "وصل التسعير في الفترة الراهنة مستويات قريبة من الأزمة، وكانت أسعار النفط مرتفعة، غير أن معظم الأموال ذهبت إلى البنوك المركزية في المنطقة التي أعادت تدويرها إلى صناديق الثروة السيادية، بدلاً من البنوك المحلية.
ويقول شاندراسيكاران إن المشروع الذي كان يتوقع أن يدفع 75 نقطة أساس أعلى من معدل التعامل بين البنوك في لندن، قبل أشهر قليلة، سيضطر الآن إلى دفع مالا يقل عن 200 نقطة أساس فوق نقطة القياس تلك.
ويرى رجال المصارف أن قرار البنك المركزي في دولة الإمارات بضخ 50 مليار درهم إماراتي لـ 13.6 مليار دولار أمريكي)، في النظام المالي لهذا البلد، لن يكون كافياً لتخفيف مشكلات السيولة المحلية.
إن إحدى النتائج الواضحة للقيود الموجودة في الأسواق، كما يقول رجال المصارف، هي أنه سيكون هنالك أسلوب أكثر انتقائية في تلقي المشاريع للتمويل.
ويقول مختار حسين الرئيس التنفيذي للمصرفية العالمية والأسواق في بنك HSBC في الشرق الأوسط "من الواضح أن المؤسسات الدولية ستلجأ إلى الأسلوب الانتقائي في التمويل في زمن القيود، وسيترتب عليها أن تكون أشد انضباطاً فيما يتعلق بنوع الفرص التي تستهدفها، وكذلك من حيث العوائد على رأس المال". ويضيف "إن ما سيحدث هو اختيار أولويات بين المشاريع. وينظر إلى معظم المشاريع ذات الأولوية في قطاع البتروكيماويات، وفي البنية التحتية بصورة متفائلة بسبب مزاياها في الأجل الطويل".
قد لا يكون الأسلوب الأشد انتقائية أمراً سيئاً، بينما يفرز رجال المصارف القمح عن القش. ومن المتوقع أن تجد المشاريع السليمة المدعومة من جانب الحكومات، الدعم المطلوب، بينما تجد مشاريع أخرى مثيرة للتساؤل، ولا سيما تلك الخاصة بالقطاع العقاري، نفسها في الجزء الخلفي من فرن الحرق.
من الممكن كذلك أن يؤدي الأسلوب الانتقائي إلى تخفيف الضغط عن الموارد، حيث أدى الارتفاع طويل المدى للأسعار في الشرق الأوسط إلى عجز حاد في القوى العاملة الماهرة ومواد البناء، مثل الأسمنت والصلب.
يقول جيري باديش، الرئيس التنفيذي لبنك ستاندرد تشارترد في أبوظبي "إذا تمت مباعدة زمنية أوسع للمشاريع العملاقة المعلن عنها نتيجة للأوضاع السائدة، فإن ذلك يمكن أن يكون أمراً جيداً للغاية بالنسبة للخليج".
ويضيف "يفترض من ناحية أنه سيخفف الضغوط عن البنوك فيما يتعلق بتمويل كل شيء معاً، ومن ناحية أخرى يمكن أن يساعد على تخفيض التضخم بصورته الشاملة بسبب انخفاض أسعار الأسمنت والصلب". ومن المتوقع كذلك أن يختلف أثر أزمة السيولة من بلد إلى آخر. وقد يتبين أن المملكة العربية السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في الوطن العربي، وثاني أكبر أسواق التمويل بعد الإمارات، محمية أكثر من غيرها من عواقب الاضطراب المالي، حيث إن لدى البنوك السعودية رأس مال أكثر من أجل الاستثمار، مما لدى أغلب نظيراتها في هذه المنطقة، كما يقول رجال المصارف.
تقول مونيكا مالك، اقتصادية شؤون الخليج في EFG-Hermes، إن قيود الطاقة الإنتاجية يمكن أن تؤدي إلى تباطؤ معتدل في النمو خارج القطاع النفطي، إلا أنها تضيف أن ذلك يمكن أن يكون إيجابياً في الأجل الأطول. وتضيف "إن الانتعاش الحالي في هذه المنطقة مدفوع بالبرنامج الاستثماري، وأنه إذا حدث بعض التأخير في تنفيذه، فإنه يمكن أن يكون أقرب إلى قصة نمو في الأجل المتوسط، الأمر الذي يمكن أن يكون إيجابياً في إطالة مدى هذه الدورة".

"فايننشيال تايمز" خاص بـ "الاقتصادية"

الأكثر قراءة