1.2 تريليون دولار خسائر الأسواق الأمريكية يوم "الإثنين الأسود"
أحجم الكونجرس الأمريكي البارحة الأولى عن المصادقة على برنامج الرئيس بوش لرصد 700 مليار دولار من أجل إنقاذ القطاع المالي في تطور تسبب في صدمة الأسواق، حيث أشارت كل التوقعات إلى إجازته بواسطة الكونجرس. وتمثلت ردة الفعل الأولى في هبوط مؤشر داو جونز بنحو 7 في المائة، كما سجل أكبر تراجع في عدد النقاط في يوم واحد في تاريخه خاسراً 778 نقطة.
وأوضح تقرير أعده براد بورلاند رئيس الدائرة الاقتصادية في "جدوى للاستثمار"، أن الأسواق الأمريكية خسرت 1.2 تريليون دولار من قيمتها يوم الإثنين. أما الأسواق الأوروبية التي أصابها الوهن سلفاً نتيجة انهيار مؤسستين ماليتين كبيرتين فقد سجلت هبوطاً حاداً هي الأخرى عقب انتشار أخبار السوق الأمريكية، حيث تراجعت بورصتا لندن وفرانكفورت بواقع 5.3 في المائة و4.2 في المائة على التوالي، بينما افتتحت الأسواق الآسيوية تداولات يوم الثلاثاء بهبوط بلغ 5 في المائة أو أكثر. وقد شهد الأسبوع الماضي انهيار اثنين من كبار المصارف الأمريكية هما واكوفيا وواشنطن ميوتشوال.
وقد صوت ضد برنامج الإنقاذ نحو ثلثي أعضاء الكونجرس الجمهوريين - أي حزب الرئيس بوش نفسه – في مجلس النواب ونحو ثلث أعضاء الكونجرس الديمقراطيين بحيث فشل البرنامج في الحصول على عدد الأصوات اللازم لإجازته بواقع 18 صوتاً. وقد أنصب اعتراض الجمهوريين على البرنامج في أنه يشكل تدخلا حكومياً سافراً في عمل الأسواق بينما تمثلت حجة الديمقراطيين الذين اعترضوا عليه في أنه لا يوفر إلا القدر النذير لمساعدة ملاك المنازل الذين تعذر عليهم دفع أقساط الرهن العقاري. وتتمثل العناصر الرئيسية للبرنامج الذي تم وأده في التالي:
1- رصد 700 مليار دولار لوزارة الخزانة على مراحل من أجل شراء الأصول الرديئة من المصارف، أي الديون العقارية بصورة أساسية. فإذا شكلت محصلة عمليات الشراء هذه خسارة لوزارة الخزانة عقب انقضاء خمس سنوات يجوز للرئيس اقتراح تشريع يسمح بتعويض تلك الخسائر من القطاع المالي.
2 - يجوز لوزارة الخزانة تملك حصص رأسمالية في الشركات التي تندرج تحت البرنامج.
3 - يجوز للحكومة تعديل شروط قروض الرهن العقاري التي تتملكها كي تحول دون مصادرة منازل المواطنين.
4 - وضع قيود على تعويضات المديرين التنفيذيين في الشركات المستفيدة التي تبيع أصولها لوزارة الخزانة.
5 - عوضاً عن الشراء المباشر للأصول المالية، يتعين على وزارة الخزانة إنشاء برنامج تأمين لضمان القروض العقارية المتعثرة في حوزة البنوك التي تم شراؤها قبل 14 آذار (مارس) 2008.
أما في يتعلق بالتطورات على مستوى الشركات، فقد أكمل الجهاز الحكومي الأمريكي المكلف بضمان إيداعات العملاء في المصارف، أي المؤسسة الفيدرالية لضمان الإيداعات FDIC، أكمل يوم الإثنين الترتيبات اللازمة لبيع معظم أصول البنك المعسر واكوفيا، رابع أكبر مصرف أمريكي إلى مجموعة سيتي جروب مقابل 2.2 مليار دولار.
كما تنامت مخاوف الأسواق من أن الأزمة المصرفية ستؤدي إلى زيادة تباطؤ الأداء الاقتصادي الضعيف أصلاً. وفقدت أسعار النفط عشرة دولارات من قيمتها أمس لتبلغ 96 دولارا للبرميل في أعقاب القلق من ضعف الطلب بعد المستجدات الأخيرة. وسيتم نشر بيانات البطالة الأمريكية لشهر أيلول (سبتمبر) في أواخر الأسبوع الجاري في الوقت الذي عكست فيه الأسواق توقعاتها بأنها ستأتي أسوأ من مستواها الأخير البالغ 6.1 في المائة.
التداعيات:
أسواق دول مجلس التعاون مغلقة حالياً بمناسبة عطلة عيد الفطر، لكن من المؤكد أن أداءها سيعكس فشل خطة الإنقاذ الأمريكية عند عودتها للتداول. وكانت السوق السعودية قد ارتفعت 7 في المائة في آخر يوم للتداول قبل عطلة العيد كرد فعل للتفاؤل بأن المصادقة على خطة الإنقاذ باتت وشيكةً، ورغم اقتفاء السوق السعودي خطى الأسواق العالمية خلال الأسابيع الماضية، إلا أن المعطيات الأساسية للاقتصاد لم تتأثر بأزمة الائتمان العالمية إلا في أضيق الحدود. إلا أن ذلك من شأنه الاختلاف الآن إذا ما تراجع الطلب الخارجي على النفط نتيجة التباطؤ في الاقتصاد العالمي. ويبدو أن نصف الاقتصاد العالمي يعاني حالة انكماش حالياً، خصوصاً في الولايات المتحدة واليابان والدول الأوروبية. ومن المؤكد أن الاقتصاديات التي كانت قد شهدت نمواً متسارعاً في آسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، التي شكلت أيضاً معظم النمو في الطلب العالمي على النفط، ستتباطأ إذا ما دخل الاقتصاد الأمريكي في مرحلة ركود طويلة أو عميقة.
ويظل تأثر البنوك الإقليمية بالأزمة الراهنة في أضيق الحدود حيث إن حجم أدوات الرهن العقاري الأمريكية في حوزتها يعتبر محدوداً نسبياً، لكنها رغم ذلك لا تعد في مأمن من التطورات الأخرى مثل ارتفاع فائدة الاقتراض بين البنوك أي الفائدة التي تدفعها البنوك لبعضها مقابل الإيداعات التي شهدت ارتفاعاً على المستوى العالمي مما يعكس فقدان البنوك الثقة في قوة الأوضاع المالية في بعضها بعضا.
ومن المقرر أن تجتمع الإدارة الأمريكية مع قادة مجلس الشيوخ يوم الخميس للنظر في إمكانية إدخال تعديلات على خطة الإنقاذ بصورة كافية تسمح بتمريرها.
ويشكل تملك مجموعة سيتي جروب لبنك واكوفيا إشارة واضحة إلى أن موجة الإفلاسات قد انتشرت الآن إلى قطاع المصارف التجارية. وكان الضرر المبدئي من الشح الائتماني قد انعكس على إفلاس البنوك الاستثمارية الأكثر هشاشة مثال "بيرن ستيرنز" و"ليمان براذرز" التي عادة ما تكون معايير المديونية فيها أكثر ارتفاعاً من البنوك التجارية ولا تتوافر لديها قاعدة إيداعات عملاء أو خطوط ائتمان من البنوك المركزية يركن إليها عند الحاجة إلى الأموال. والآن بدأت أعراض الإجهاد تظهر على بنوك تجارية معينة بحوزتها محافظ كبيرة من أدوات الرهن العقاري، بما ينضوي عليه ذلك من تغيرات متسارعة ودراماتيكية في صناعة المصارف برمتها.