أوروبا تبحث نظاما عالميا للبنوك العابرة للقارات..تفاديا لعولمة الأزمات
دخل رجال المصارف والمشرعون في أوروبا خلال السنوات القليلة الماضية في نقاشات حول كيفية تعاملهم مع فشل واحدة من أكبر المؤسسات المالية في أوروبا. وبعد عملية إنقاذ فورتيس، في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، فإن لديهم الآن مثلاً حول كيفية إنجاح مثل هذه العمليات الإنقاذية في المستقبل.
كان قرار حكومات بلجيكا، وهولندا، ولوكسمبروج بضخ ما مجموعه 11.2 مليار يورو (16.3 مليار دولار، أو 9 مليارات جنيه استرليني) في الفروع الوطنية لمؤسسة فورتيس، عاملاً مساعداً على دعم الثقة في هذه المجموعة المصرفية والتأمينية. وأدى ذلك أيضاً إلى ترسيخ المخاوف من أن الحجم الهائل لهذه المؤسسة التي تمتلك موجودات تبلغ قيمتها 900 مليار يورو، يجعل من عملية أي إنقاذ حكومي لها أشد صعوبة فيما يتعلق بالتنسيق بين الحكومات المعنية.
قال فيليب دايرككس، الرئيس التنفيذي الجديد لفورتيس أمس، "أظهر ذلك أن النموذج العابر للحدود الناجح في هذه المجموعة، عمل كما يجب، لأن لدينا إجراءات متسقة بين الحكومات المختلفة. وكنا قادرين على التوصل إلى حل يحقق مصالح جميع الأطراف".
غير أن هيكل صفقة الإنقاذ سلط الأضواء كذلك على جوانب القصور الكثيرة للنظام الأوروبي للتشريعات المالية، كما أنه عامل تذكير قوي كذلك بأنه حين يتعلق الأمر بإنقاذ بنوك فاشلة، فإن الحكومات الوطنية هي التي تمسك بخيوط التحكم، وهي مهتمة بصفة رئيسية بدعم العمليات المحلية.
أما دانيل جروس، مدير مركز الدراسات الأوروبية في بروكسل، فيجادل بأنه لو كانت هنالك حرية تحرك أوسع لدى البنك المركزي الأوروبي، لكان قد عالج مشكلات فورتيس في وقت أبكر، على افتراض أن بإمكانه الحصول على المعلومات ذات العلاقة. وتبين أن المشرعين الوطنيين كانوا يفتقرون لحوافز لجم النشاطات المبالغة في قبول المخاطر من جانب بنك يعتبر من الشركات الوطنية البطلة.
إن نتيجة صفقة نهاية الأسبوع التي تمثلت في تقسيم البنك بين الحكومات هي أن "سوق النشاط المصرفي الأوروبي كانت مشتتة للغاية، وهو ثمن غير بسيط تم دفعه".
ادعت المفوضية الأوروبية التي ستقدم مقترحات تشريعية لدعم نظام مراقبة البنوك العابرة للحدود في أوروبا، غداً، أن إنقاذ فورتيس عزز نظام التعاون القائم حالياً.
وقال ناطق رسمي باسم المفوضية "إن ما شهدناه هو أن النظام ناجح في أدائه، وطنياً ودولياً، كما أن النظام المالي في الاتحاد الأوروبي قادر على الاستجابة للظروف حال ظهورها".
غير أن صفقة الإنقاذ تبدو مع ذلك نكسة لجهود المفوضية لإيجاد سوق مصرفية أوروبية شاملة. ومنذ أن تم التداول بالعملة الموحدة، فإن
المفوضين الأوروبيين كانوا يضغطون من أجل اندماج عبر الحدود لإيجاد بنوك أوروبية كبرى.
أدى هذا الدافع المنتظم إلى إدخال المفوضية في حالة من التناقض مع الحكومات الوطنية والمشرعين، الذين تم اتهامهم بإيجاد العوائق لحماية مؤسساتهم المحلية. وبرز ذلك بصورة خاصة حين أثار البنك المركزي الهولندي في أوائل عام 2007 مخاوف من خطط تقسيم بنك ABN التي قدمت من جانب بنك اسكتلندا الملكي، وبنك سانتاندر الإسباني، ومؤسسة فورتيس، حيث أصدر مفوض شؤون الأسواق الداخلية في الاتحاد الأوروبي، شارلي ماكريفي، بياناً تذكيرياً بأن على المشرع ألا يميز بين مقدمي العروض المتنافسين.
مضت عملية التقسيم التي أدت إلى نتائج كارثية. ولا يبدو من المحتمل أن أي حكومة أوروبية، أو مشرع أوروبي، سيسمح بأن يتم تجاوزه بطريقة مماثلة في المستقبل.
يشعر المصرفيون كذلك بقليل من الراحة إزاء كون المشرعين الوطنيين ذوي العلاقة بإنقاذ فورتيس، لم يتفقوا في البداية على كيفية معالجة الأزمة، حيث كانت بلجيكا أقرب إلى تأييد الإنقاذ من جانب الحكومات، بالمقارنة بهولندا التي كانت أقل حماساً.
ولم تتم عملية الإنقاذ إلا حين فشلت بدائل القطاع الخاص، بما في ذلك احتمال بيع فورتيس إلى BNP Paribas، بسبب قلة المبالغ المعروضة، والضمانات المطلوبة بأن تتحمل السلطات الهولندية مسؤوليتها في ذلك. وأكد مسؤولو المفوضية أمس أن نيلي كروس، مفوضة المنافسة المقبلة من المملكة المتحدة، كانت على اتصال وثيق بأوساط المفاوضات خلال عطلة نهاية الأسبوع.
"فايننشيال تايمز" خاص بـ "الاقتصادية"