إلى واشنطن: الصناديق السيادية لا تملك جميع الحلول
لقد كان حدثاً مميزاً – ليس بالمقاييس العربية فحسب فقد ظهر رئيس أحد صناديق الثروة السيادية الخليجية على شاشة إحدى المحطات الفضائية ليتحدث عن أدائه وعن استراتيجيته.
بطبيعة الحال، تعتبر الهيئة الكويتية للاستثمار فريدة من نوعها في المنطقة من حيث إنها تواجه برلماناً نشطاً مسؤولة أمامه وإعلاماً يدقق في أعمالها.
ولكن ظهور بدر السعد، مدير عام الهيئة الكويتية للاستثمار على شاشة تلفزيون "العربية" أثار مزيداً من القلق الذي يهيمن على المنطقة.
ومع انهيار النظام المالي العالمي، أخذ الرأي العام، وهو محق في ذلك، يطرح أسئلة عن أثر الفوضى التي تعم الأسواق في الحقائب الاستثمارية للحكومات.
ولا يخفى على أحد أن بعض الدول الخليجية الغنية بالنفط يمكن أن تتعرض لضغط كبير من الولايات المتحدة – هذا إذا لم نقل تتعرض للي الذراع- لكي تتدخل وتساعد في أوقات الشدة. ومن الأمور التي تطالب بها الولايات المتحدة الدول المنتجة للنفط خفض أسعار هذه السلعة.
وليس سراً أيضاً أن كثيرا من المستثمرين العرب، أفراداً كانوا أو مؤسسات، لديهم حصص مهمة في أسهم المؤسسات المالية الأمريكية.
وضخ عديد من هؤلاء المستثمرين، بمن فيهم الهيئة الكويتية للاستثمار، وهيئة أبو ظبي للاستثمار، مليارات الدولارات في السنة الماضية في البنوك الأمريكية المتعثرة التي شهدت أسعار أسهمها تراجعاً كبيراً. ومما زاد من حالة القلق في المنطقة انتشار الفوضى العالمية في أسواق الأسهم المحلية، التي هوت قيمتها سريعاً في وقت من الأوقات.
حتى في البلدان التي لا يوجد فيها برلمان، ولا إعلام حر، ظهرت بعض الأصوات، بما فيها من القطاع المصرفي، تطالب الحكومات وصناديق ثرواتها السيادية بالتركيز على الجبهة الداخلية وتقديم الدعم للأسواق المحلية.
لقد تردد سراً صدى تأكيد السعد علانية أن مهمته ليست إنقاذ البنوك المتعثرة على لسان صناديق سيادية أخرى في الأسبوع الماضي.
ولكن هذه المؤسسات أشارت أيضاً، وهي محقة في ذلك، إلى أن دورها ليس دعم أسواق الأسهم المحلية كذلك. وهكذا، فبينما كان من الواضح أن الهيئة الكويتية للاستثمار أجبرت على التدخل في بورصة الأسهم، يبدو أن الصناديق الحكومية الأخرى قاومت تلك الضغوط.
من المؤكد أن هناك حاجة إلى العمل على استقرار أسواق الشرق الأوسط التي يغلب عليها التذبذب، ولكن مشكلتها الرئيسة تتمثل في اعتمادها على صغار المستثمرين. ويكمن الجواب في المدى الطويل في تأسيس قاعدة مؤسسية أكثر نشاطاً وإجراء دراسات أفضل على الشركات والشفافية وموثوقية التشريعات.
وبالنسبة إلى صناديق الثروة السيادية، مهما كانت خسائرها، ما زالت تستطيع أن تعتبر أنها محظوظة لأن تدفقات الإيرادات النفطية والغازية على حكوماتها ما زالت قوية.
وأخبرني بعض المصرفيين أن عملاءهم أصيبوا بصدمة شديدة جراء الأزمة لدرجة أصبحوا يخشون معها التطلع إلى أي مكان آخر خارج بلدان الجوار. يقول أحد المصرفيين في هذا الصدد:" إنهم يفهمون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تستحوذ على اهتمامهم حالياً".
ويضيف المصرفي أنه حتى ليبيا الغريبة الأطوار، تعتبر رهاناً آمنا من أسواق الأسهم العالمية. وتزداد جاذبية السعودية، وهي أكبر اقتصاد في المنطقة ولديها قطاع مصرفي صحي، يوماً بعد يوم.
ولكن ينبغي ألا نتوقع أن ينصب تركيز صناديق الثروة السيادية الكبيرة كلية على الأسواق القريبة من بلدانها أو أن تتخلى عن الأسواق الغربية.
ربما لزمت هذه الصناديق الهدوء في الأسبوعين الماضيين لأن أسماءها لم ترتبط بالصفقات المالية الكبيرة. وكانت في حالة من عدم اليقين والتشوش مثلها مثل أي شخص آخر بشأن مدى تداعيات أزمة "وول ستريت".
على أن الأشخاص الذين لهم صلة بالصناديق يقولون إنها لم تكن نشطة، وبعد أن يتم البدء في تنفيذ خطة الإنشاء التي تعتزم الحكومة الأمريكية القيام بها، ستشرع في البحث بين الركام عن الموجودات الرخيصة, وستكون الهيئة الكويتية للاستثمار من بينها في هذا المجال.
وكما قال السعد على شاشة تلفزيون العربية:" إن الكوارث التي تحدث في الولايات المتحدة، أو في بعض الدول الأوروبية أو الآسيوية تخلق فرصاً استثمارية في القطاع العقاري أو قطاع الصناعة المالية أو في غيرهما من القطاعات.
"فاينانشيال تايمز" خاص بـ "الاقتصادية"