الأوكسجين ينقطع تدريجياً عن النظام المصرفي
يمكن تتبع أحدث موجة من الأزمة الائتمانية إلى فشل بنكين في الولايات المتحدة، الأمر الذي شجع المستثمرين على إعادة تقييم أساسي لنظرتهم إلى مخاطر النظام المصرفي.
ولكن رغم أن الأزمة الائتمانية استمرت لأكثر من عام، فإنه ما من حامل سندات رئيسي في مؤسسة مالية كبرى تكبد خسائر مالية حتى انهيار بنك ليمان براذرز، وطلب اعتباره مفلساً في الشهر الماضي. وأدى فشل هذا البنك في "وول ستريت" إلى هزة في صفوف مستثمري الديون الذين كانوا على خطأ حتى ذلك الحين، بافتراض أنه يتم اعتبار أي مؤسسة مالية ضخمة جزءاً من النظام المالي الذي لا يسمح له بأن يفشل.
تعزز إدراك هذه المخاطر في أواخر الأسبوع الماضي، حين استولت السلطات على بنك واشنطن ميوتشووال، مقرض الديون العقارية الذي أصيب بضربة مالية، وتم تحويل موجوداته إلى جي بي مورجان تشيز. وعلى الرغم من أنه تمت حماية حملة أسهم بنك واشنطن ميوتسومال، فإن كبار حملة سنداته واجهوا احتمال أن يتكبدوا خسائر على استثماراتهم. وقال أحد كبار مسؤولي واحد من بنوك أوروبا الكبرى "إن جميع الذين افترضوا أن التزامات الديون العليا مع البنوك كانت تفكيراً مالياً جيداً، وجدوا فجأة أنهم عالقون في هيكلية رأس المال هناك".
أدى هذان الانهياران إلى تحريك زناد إعادة تقييم سريعة، وواسعة، لانتشار مخاطر إقراض الأموال للمؤسسات المالية على جانبي المحيط الأطلسي. وسرعان ما وجدت البنوك التي كانت تعتبر ضعيفة في نظر السوق، أو ليست من الكبر بحيث يتم إنقاذها، أن قدرتها في الحصول على تمويل الجملة جفت.
كانت نتيجة ذلك هي أن سلسلة من المؤسسات الكبرى، ومتوسطة الحجم، وجدت أنفها بالفعل مقطوعة عن الأسواق المالية. وبكلمات أخرى، فإنه كان يتم قطع الأوكسجين تدريجياً عن النظام المصرفي.
وبينما سرت هذه الشحة الائتمانية عبر الأسواق، بدأ المستثمرون بالمطالبة بأسعار أعلى كضمان ضد احتمال عجز بعض المؤسسات عن الوفاء بالتزاماتها. وتراجعت في الوقت ذاته أسعار الأسهم، الأمر الذي أدى إلى مزيد من زعزعة استقرار الأسواق، وإيجاد مخاطر بأن أصحاب الودائع العاديين يمكن أن يسعوا إلى سحب أموالهم. وكانت نتيجة ذلك أن مؤسسات كبيرة تبدو مستقرة، مثل واتشوفيا في الولايات المتحدة، وفورتيس ودكسيا في بلجيكا، هايبو ريل إستيت في ألمانيا، وبرادفورد آند بنجلي في المملكة المتحدة، كانت مرغمة على السعي إلى الإنقاذ من جانب حكوماتها.
إن المشكلات التي واجهها النظام المالي خلال الأسابيع الأخيرة تضرب النظام المصرفي في صلبه. وتعمل البنوك في الوضع الطبيعي على جمع الأموال وإقراضها، غير أن هذا النظام يتطلب الثقة، حيث لا يستطيع أي بنك الاستمرار إذا طلب جميع المودعين سحب أموالهم على الفور.
إن الأمر الأكثر من ذلك هو أن العجز التمويلي كبير، حيث يقول محللون في "جي بي مورجان" إن بنوك أوروبا الـ 30 الكبرى ستضطر إلى إعادة تمويل مبالغ تصل إلى 718 مليار يورو (1.000 مليار دولار) في نهاية عام 2009، كما أن جانباً كبيراً من تلك الأموال لا بد من توفيره قبل نهاية العام المقبل. وعلى الرغم من أن تدخلات من جانب البنوك المركزية على غرار قرار بنك إنجلترا، الأسبوع الماضي، بالإقراض مقابل ضمانات مكونة من الرهون، والموجودات الأخرى حتى منتصف كانون الثاني (يناير)، يمكن أن تساعد على تخفيف الضغوط إلى حد ما، فإن عدم اليقين يبقى.
لا بد أن يتم النظر ضمن هذا السياق إلى قرار الحكومة الإيرلندية بضمان مطلوبات جميع المؤسسات المالية الأكبر حجماً في البلاد. وحين وجهت الحكومة باحتمال فقدان الثقة في مجمل نظامها المصرفي، فإنها قررت أن تعد بصورة قاطعة بألا يتعرض أي صاحب وديعة، أو مالك سند مصرفي لخسارة شيء من أمواله. ويمكن لذلك القرار، على أية حال، أن يشكل ضغوطاً على حكومات أخرى لاتباع النهج ذاته، أو المخاطرة باحتمال أن ترى أن بنوكها هي الخاسرة التالية.
يقول بعض المحللين إن بإمكانهم رؤية علامات مشجعة من خلال عمليات الإنقاذ المالي الأوروبية الأخيرة. ويقول هوفان ستينز، المحلل في "مورجان ستانلي" "إن التدخلات من جانب ست حكومات أوروبية خلال الساعات الـ 48 الماضية، بينها أمر مشترك واحد هو أنها حمت دائني البنوك، والمودعين في كل حالة من تلك الحالات".
ويضيف "إن وزارات المالية في أوروبا تعلمت من أخطاء "ليمان براذرز". وحتى تتمكن من استعادة الهدوء والثقة في النظام المالي، وتشجيع البنوك على العودة إلى إقراض بعضها بعضا، فإنها أدركت أن عليها احترام دائني البنوك، حيث تم تحميل المجتمع ككل المخاطر الكبرى في كل الحالات".
أما في الأجل الطويل، فإن تحرك الحكومات لحماية استثمارات حملة سندات البنوك يعمل على المخاطرة بإحداث المخاطر الأخلاقية التي طالما حذرت منها البنوك المركزية. وأما بالنسبة إلى الحكومات التي تواجه مخاطر انهيار على مستوى النظام برمته، فإنه يبدو أن هذه المخاطر تستحق التحمل.
"فاينانشيال تايمز" خاص بـ "الاقتصادية"