أوروبا تصنع أحزمة ضمان خاصة لبنوكها بعيدا عن الوصاية الأمريكية

أوروبا تصنع أحزمة ضمان خاصة لبنوكها بعيدا عن الوصاية الأمريكية

إن التضخيم الأخير للأزمة المالية الأمريكية المنشأ أنتج على الأقل درساً واحداً مفيداً، وإن لم يكن متوقعاً. فقد أظهرت أوروبا لغاية الآن أنها تعمل على أرض الواقع العملي، حتى لو أنها ما زالت لا تفعل ذلك على الصعيد النظري.
في غضون الساعات الـ 48 الماضية، صارعت بلدان أوروبية مختلفة لتشكيل عدد من حزم الإنقاذ للمؤسسات المالية المتعثرة في ألمانيا، والمملكة المتحدة، فرنسا، بلجيكا، إيرلندا، وآيسلندا. وفي حين أن ذلك لم يشكل بأي حال من الأحوال نهاية للقصة، إلا أنه أثبت أن السلطات الأوروبية والحكومات الوطنية المختلفة يمكنها التحرك بسرعة بالغة لمحاولة منع أزمة متنامية من فقدان الثقة في النظام المالي الأوروبي.
في الأيام العشرة الأخيرة، كانت الحكمة التقليدية هي أن أوروبا لن تكون على الإطلاق في وضع يمكنها من التصرف بسرعة لإنقاذ صناعتها المالية بخطة شاملة، مثل برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة بمبلغ 700 مليار دولار (498 مليار يورو) الخاص بواشنطن. ومع ذلك ما زال ينبغي الموافقة على الخطة، إضافة إلى جميع التعديلات السياسية التي طالب بها صانعو القانون في الولايات المتحدة. ولم يظهر أي دليل حتى الآن على أن أوروبا ستحتاج إلى تنسيق خطة مماثلة بهذا الحجم الضخم.
بطبيعة الحال، وكما أشار بير شتاينبروك، وزير مالية ألمانيا، فإن أوروبا لا ترى إلى حد كبير بصيصاً من الضوء في نهاية النفق، وإنما ترى بدلاً من ذلك الأضواء الأمامية لقطار مقبل. ويشير رد الفعل الذي أبداه السياسيون ومصرفيو البنوك المركزية خلال الأيام القليلة الماضية، إلى أنهم ما زالوا قلقين للغاية بسبب الآثار المعدية للأزمة الأمريكية، وتداعياتها في الأجل الأطول على الاقتصادات الأوروبية.
من الواضح أن أوروبا ليست في مركز على الإطلاق لاستنباط منهج عابر للقارة ككل، غير أن الأيام القليلة الماضية أثبتت أن صانعي السياسة فيها يمكنهم العمل معاً بسرعة على نحو يدعو إلى الدهشة.
لنأخذ على سبيل المثال تدخل الأمس لدعم المجموعة الفرنسية – البلجيكية، دكسيا، وهي مجموعة خدمات مالية تتخصص في تمويل السلطات المحلية. وتعرضت أسهم "دكسيا" لانخفاض حاد يوم الإثنين على خلفية الإنقاذ الذي تم في نهاية الأسبوع لمجموعة فورتيس، مجموعة المصرفية والتأمين البنلكسية. وعند الساعة الخامسة من صباح يوم أمس، دعا الرئيس نيكولا ساركوزي، رئيس وزرائه، ووزير اقتصاده، ومحافظ بنك فرنسا، ومدير الخزانة الفرنسية، إلى اجتماع في قصر الإليزيه.
تبعت الاجتماع مفاوضات سريعة مع السلطات البلجيكية، وسلطات لوكسمبورج. وبحلول وقت افتتاح السوق، وافقت البلدان الثلاثة على إعادة رسملة دكسيا بحقن ستة مليارات يورو من الأموال. وتبعاً لذلك، استردت أسهم "دكسيا" بعض الثبات، وارتفعت بنسبة 18 في المائة بعد إعلان الإنقاذ. فإن لم يكن هذا التصرف سريعاً، فما الذي يكون؟ فحتى الأمريكيون يجب أن يكونوا مذهولين.
كان مصرفيو منطقة اليورو يجولون بالأمس، مشيرين إلى أنه ليس هناك أي داعٍ للفزع رغم ذلك. وأكدوا أن المشكلة الفورية التي تواجهها البنوك الأوروبية كانت السيولة، وليس مثل نظيراتها من البنوك الأمريكية، مبالغ ضخمة من الأصول الرديئة المسجلة في دفاترها. ويجادلون بالقول إن الخطوة التالية الملحة هي أن يقوم البنك المركزي الأوروبي – مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي - بتخفيض معدلات الفائدة. ومن شأن ذلك أن يحقق السيولة في الأسواق دون أن يثبت بالضرورة أنه تضخمي بالنظر إلى أن نشاط الإقراض، والنشاط الاقتصادي في البنك، في انقباض. وإن تخفيض معدل الفائدة من جانب البنك المركزي الأوروبي غداً ربما يكون في الغالب هو الوسيلة لكي تضع أوروبا معاً برنامجها الخاص - رغم أنه أقل ضرراً - لإنقاذ الأصول.

خصم عميق
يتمتع توماس ميدلهوف بسمعة كونه أحد "العبقريين الشباب" في ألمانيا لعقد الصفقات. وعندما أدار بيرتلسمان، عقد صفقات عديدة بشكل حاسم، بعضها كان ناجحاً على نحو رائع. لكنه فشل لاحقاً مع موهنز، المساهمين بحصة عائلية مسيطرة في المجموعة الإعلامية، وتم طرده على عجل.
منذ ذلك الحين، كان يدير مجموعة التجزئة كارستادتكويل، التي أعيدت تسميتها الآن إلى آركاندور، التي كانت تسيطر عليها حتى هذا الأسبوع مادلين شيكيدانز. ولجأت وريثة كارستادتكويل إلى ميدلهوف قبل بضع سنوات من أجل إحياء شركة التجزئة التاريخية.
أطلق ميدلهوف برنامجاً ساحقاً لإعادة الهيكلة يشتمل على بيع أصول عديدة، وأعاد تركيز المجموعة على فرع توماس كوك للسفر الخاص بها. وتمثل إنجازه الكبير في دمج توماس كوك مع مجموعة السفر البريطانية، ماي ترافيل الذي أثبت أنه نجاح باهر للغاية. وكانت المشكلة هي أن عمليات التجزئة التقليدية لم تكن تبلي بلاءً حسناً.
أحدثت الصعوبات المتواصلة في أنشطة التجزئة هروباً من أسهم الشركة عندما ساور المستثمرون القلق من أن المجموعة ستبيع جزءاً أو جميع عمليات السفر المربحة الخاصة بها. ومن أجل دعم الشركة، تم ترتيب زيادة لرأس المال بسرعة، الأمر الذي شهد في نهاية المطاف حصول بنك القطاع الخاص الحصري، سال أوبينهيم، على حصة تبلغ 29.5 في المائة من الشركة، وتخلت السيدة شيكيدانز عن السيطرة.
رأت شيكيدانز قيمة حصتها تتراجع من نحو ملياري يورو في كانون الثاني (يناير)، إلى أقل من 250 مليون يورو. ولم يكن بإمكانها أن تكون مسرورة للغاية. فربما يكون ميدلهوف صانع صفقات عظيما، ولكنه كان سيبلي على نحو أفضل بالتأكيد لو أنه كان أكثر تركيزاً على إدارة عمليات التجزئة الأساسية المملة.

"فايننشيال تايمز" خاص بـ "الاقتصادية"

الأكثر قراءة