ساركوزي يستغل الأزمة المالية لإبراز دوره
عندما تفجرت الأزمة المالية العالمية الشهر الماضي لزم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الصمت على غير المعهود منه لكنه اغتنم الفرصة لتولي القيادة من الصف الأمامي في وقت تجاهد أوروبا للخروج برد فعل موحد.
ففي غياب دور بارز للرئيس الأمريكي جورج بوش في خضم الأزمة والمشكلات السياسية التي يواجهها قادة بريطانيا وألمانيا لمح ساركوزي فجوة وحاول أن يملأها.
وبعد تردد في البداية انتقد ساركوزي الأسواق الحرة غير المنظمة باعتبارها فكرة "مجنونة" وتعهد بتشديد القيود على السوق وهاجم مكافآت كبار مديري البنوك المنهارة واقترح عقد قمة لقادة العالم من أجل تنسيق ردود الأفعال على الأزمة.
ويقول جيروم فورك نائب مدير أبحاث الرأي لدى "إيفوب" لاستطلاعات الرأي العام في باريس "كل ذلك صورة وموقف وكلمات .. لكن الكلمات مهمة في السياسة.
"الشعب الفرنسي ليس أحمق. إنهم يعلمون أن نيكولا ساركوزي لا يملك عصا سحرية لإنقاذهم من المتاعب والاضطراب اللذين يؤثران على عالم المال لكنهم لن يسامحوه على عدم المحاولة".
وكان من المتوقع أن يستغل ساركوزي فترة رئاسة فرنسية مدتها ستة أشهر للاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 بلدا من أجل التعامل مع قضايا مختلفة من تغير المناخ إلى سياسة الهجرة والدفاع والزراعة. لكنه واجه بدلا من ذلك رفض الناخبين الأيرلنديين معاهدة إصلاح الاتحاد الأوروبي وحربا قصيرة بين روسيا وجورجيا والآن أكبر أزمة مالية منذ الكساد العظيم.
وبعيدا عن التصريحات الرنانة رصد ساركوزي ثلاثة مليارات يورو من الميزانية الفرنسية لإنقاذ بنك دكسيا الفرنسي - البلجيكي وتعهد غير عابئ بالحالة الصعبة للمالية العامة بألا يخسر مودع يورو واحدا في حالة وقوع بنك فرنسي في المتاعب.
وطرحت وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاجارد فكرة صندوق إنقاذ أوروبي خاص للبنوك المتأزمة.
وقال جان بيير جوي وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية أمس الأربعاء "رد الفعل كان قويا جدا .. كنا أول دولة في أوروبا تقول إن أوروبا لن تخرج من هذا سالمة". وجاءت فورة النشاط في أعقاب الدبلوماسية المكوكية لساركوزي بين موسكو وتفليس الشهر الماضي لمحاولة تسوية الأزمة الجورجية وهي تحمل كل العلامات المميزة لأسلوب ينظر إليه بمزيج من الإعجاب والانزعاج خارج أوروبا. وقال نك كليج زعيم حزب الأحرار الديمقراطيين البريطاني خلال ندوة في باريس هذا الأسبوع "الرئاسة الفرنسية تحت قيادة الرئيس ساركوزي تتميز بالطاقة والمسرحية المعروف بهما جيدا.
"لكن مهما يكن قدر الطاقة لديك أو مهما يكن قدر السمة الشخصية التي تضفيها على رئاسة الاتحاد الأوروبي ينبغي ألا تنسى أبدا أنها مجرد ستة أشهر. لا يمكنك تغيير العالم في ستة أشهر". ودعا ساركوزي إلى عقد اجتماع للقادة الأوروبيين هذا الأسبوع من أجل تمهيد السبيل أمام قمة لقادة العالم يأمل أن تنعقد في وقت لاحق هذا العام. وأثار هذا أيضا ردود فعل متباينة.
وإثر تأجيلات لإعلان جدول مواعيد الاجتماع المقرر له يوم السبت اندلع سجال بين باريس وبرلين بشأن اقتراح لاجارد إقامة "شبكة أمان" أوروبية للبنوك المضطربة.
وأخمدت ألمانيا الفكرة عندما أوردت تقارير أن الاقتراح الفرنسي قد يتضمن
حزمة إنقاذ مصرفي قيمتها 300 مليار يورو وهي لم تنتظر النفي الصادر من باريس قبل أن تعلن معارضتها الصارمة لأي خطة من هذا النوع.
وتعكس بوادر عدم الاتفاق صعوبة إيجاد نهج مشترك حيال الأزمة المالية رغم دعوات المفوضية الأوروبية إلى مزيد من الاتساق في برامج ضمان الودائع وتعزيز الرقابة المالية عبر الدول الأوروبية.