إنقاذ حكومي لنظام مالي مكروب .. أزمة ثقة على جانبي الأطلسي

إنقاذ حكومي لنظام مالي مكروب .. أزمة ثقة على جانبي الأطلسي

تعد المعركة الدائرة حول خطة الإنقاذ التي تقدمت بها الحكومة الأمريكية جزءا فقط من جهد أوسع تبذله الولايات المتحدة وغيرها من الجهات المسؤولة لدعم النظام المالي العالمي الذي يرزح تحت ضغوط غير مسبوقة.
تواجه البنوك على جانبي الأطلسي أزمة ثقة تسببت في شلل سوق التعاملات المالية بين البنوك وتهدد قدرتها على تحويل اتجاه تمويلها في المدى الطويل.
وأدت هذه الأزمة إلى سلسلة من فشل المؤسسات المالية الضعيفة وهي تهدد – بالاشتراك مع المشكلات التي تعانيها سوق الأوراق التجارية للشركات – بالتسبب في حدوث شح ائتماني ما بعده شح. وتحاول البنوك المركزية والجهات التشريعية في الوقت الراهن أن تسيطر على الوضع عبر القيام بعمليات عملاقة لضخ السيولة وبترتيب سلسلة من الصفقات لإنقاذ البنوك الفاشلة ففي الولايات المتحدة – وإلى حد أكبر حتى في أوروبا – اضطرت البنوك المركزية إلى تأميم مجموعة من أسواق المال الخاصة بالتعاملات فيما بين البنوك.
ويقول موريس جولد شتاين كبير الزملاء في معهد بيترسون، وهو مؤسسة فكرية اقتصادية في واشنطن، إن بنك الاحتياطي الفيدرالي يغامر بأن يصبح "مقرض الملاذ الأخير"، الأمر الذي يشجع المؤسسات الخاصة على التخلي عن بعضها بعضا.
وقطعت السوق المالية شوطاً كبيراً في التحول من نظام يقوم على السوق الخاصة لتحويل الأموال بين البنوك إلى نموذج المحور والمكبح الذي يعمل فيه البنك المركزي كطرف مركزي مقابل، يستوعب الخطر الائتماني الذي يتعرض له الطرف الآخر, وذلك في تعامله مع البنوك. وسيتسارع هذا التوجه إذا حصل بنك الاحتياطي الفيدرالي على سلطة قانونية لدفع الفائدة على احتياطيات البنوك.
خطة الإنقاذ البالغة قيمتها 700 مليار دولار (498 مليار يورو، 394 مليار جنيه استرليني) جزء من جهد عالمي تبذله الحكومات للمساعدة عبر الاضطلاع بمسؤولية أكبر لتأمين استقرار النظام ككل.
ويقول ريتشارد بيرنر، الرئيس المشارك لدائرة الاقتصاد العالمي في بنك مورجان ستانلي: "إن المسؤولين حول العالم يتبنون أساليب مختلفة لها الهدف الأساسي نفسه - لمد حبل الإنقاذ لنظام مالي مكروب".
ويهدف مشروع قانون الإنقاذ الأمريكي لتأمين حل طويل المدى يشمل النظام بأكمله من خلال توفير مشتر متحرر من القيود للأوراق المالية المدعومة بالرهونات، وفي الوقت نفسه يجعل العمليات الطارئة تستند إلى أسس قانونية أكثر صلابة. وإذا أجيز مشروع القانون وأصبح قانوناً، وإذا استطاعت وزارة الخزانة الأمريكية إيجاد طرق عملية لوضع معايير خاصة بالموجودات وتسعيرها، فيمكن لذلك أن يعزز السيولة ورأس المال في النظام المصرفي.
ويعتقد كثير من الاقتصاديين أن بالإمكان معالجة مشكلة عدم كفاية رأس المال في النظام المصرفي بطريقة أفضل من خلال عمليات الضخ المباشر للأموال من جانب الحكومات مقابل حصولها على أسهم الأفضلية. ولكن في هذه المرحلة الحاسمة، يقول المحللون السياسيون إن الخطة الحالية هي الخطة الوحيدة التي توجد أمامها فرصة جيدة لشق طريقها من خلال الكونجرس.
ويقول بعض الذين يفضلون ضخ الأسهم إن أفضل طريقة للحصول عليها هي سن القانون، وبعدئذ استغلال مرونة النظام لتطوير برنامج على نحو يتجاوز في النهاية شراء الموجودات.
ويقول برايان ساك، كبير الاقتصاديين في "ماكروايكونوميك أدفايزرز": "إذا فشل برنامج إنعاش الموجودات المتعثرة، فسيترك أسواق الائتمان في وضع بالغ الصعوبة".
وإضافة بند في مشروع القانون يرفع سقف التأمين على الودائع في الولايات المتحدة من 100 ألف إلى 250 ألف إلى دولار ينبغي أن يساعد على تقليل خطر تدافع المودعين لسحب ودائعهم من البنوك الضعيفة، وفي الوقت نفسه، فإنه يجعل من الأسهل على شركة التأمين الاتحادية على الودائع ترتيب صفقات الإنقاذ التي تقوم على دفع أموال جميع المودعين، حتى بمن فيهم من تتجاوز ودائعهم السقف الجديد البالغ 250 ألف دولار.
وانبثقت الشركة الاتحادية للتأمين على الودائع كعامل مهم في الجهد الرامي إلى مقاومة الهجوم الأخير للضغط الائتماني الذي يتركز على البنوك التجارية بقدر ما يتركز على البنوك الاستثمارية في "وول ستريت".
في يوم الإثنين حصلت على إعفاء من الخطر الشامل بموافقة من بنك الاحتياطي الفيدرالي ومن وزارة الخزانة لتشتري الخطر الائتماني الشديد الذي تتعرض له محفظة موجودات بنك واتشوفيا المتعثرة من أجل تسهيل عملية استيلاء "سيتي جروب" على هذا البنك.
وكان دورها من الناحية المفاهيمية مماثلاُ للدور الذي لعبه بنك الاحتياطي الفيدرالي في تقديم الدعم لعملية استيلاء بنك جيه بي مورجان تشيز على بنك بير شتيرنز في آذار (مارس). ومن الأهمية بمكان أن صفقة الاستيلاء على بنك واتشوفا التي تمت برعاية الشركة الاتحادية للتأمين على الودائع حافظت على حقوق جميع المودعين والمدينين كافة - وهو عامل رئيس من أجل احتواء الخطر الشامل أو العام.
ويعتقد كثير ممن يعارضون خطة الإنقاذ البالغة قيمتها 700 مليار دولار أن من الأفضل إعطاء الشركة الاتحادية للتأمين على الودائع سلطة إبرام مزيد من الصفقات على غرار صفقة بنك واتشوفا, بيد أن هذه العمليات ما زالت تعرض المال العام للخطر، وهي ببساطة تعمل ذلك بطريقة تختلف عن خطة الإنقاذ ودون تفويض قانوني واضح.
وزيادة على ذلك، من غير الواضح أنه ستكون هناك دائماً جهة مستعدة للشراء تعمل الشركة الاتحادية للتأمين على الودائع من خلالها. ذلك أن أكبر ثلاثة بنوك في الولايات المتحدة –هي بنك أوف أميركا، وبنك جيه بي مورجان تشيز وبنك سيتي جروب ـ تعمل على استيعاب عمليات استحواذ كبرى.

وإذا فشل مشروع قانون الإنقاذ، سيتعين على السلطات أن تعود إلى عمليات التدخل الخاصة التي تقوم بها الشركة الاتحادية للتأمين على الودائع وبنك الاحتياطي الفيدرالي.
ربما تمكنت هاتان الجهتان من احتواء خطر حدوث انهيار في النظام المالي الأمريكي, ولكن ذلك لن يتأتى إلا بالاضطلاع بمزيد من الخطر الائتماني. وقد يحدث ذلك أيضاً إذا تبنت الحكومة الأمريكية خطة شاملة لضمان الودائع جميعها أو حتى عملت بالأسلوب الآيرلندي لضمان الديون الخاصة بالبنوك.

"فاينانشيال تايمز" خاص بـ "الاقتصادية"

الأكثر قراءة