"وول ستريت" تعطي إشارة: الخطة ليست محل ثقة أسواق المال
تباشر الحكومة الأمريكية ممثلة في وزارة الخزانة خلال الفترة المقبلة شراء بعض الأصول في المؤسسات المالية المتعثرة جراء أزمة الرهن العقاري وكذلك تملك لعقارات المرتهنة للبنوك والشركات العقارية التي عجز مشتريها عن سداد قروضها مما تسبب في أزمة المديونيات التي قادت إلى الأزمة الكبيرة في سوق الإسكان وسوق المال ليس الأمريكي فحسب بل العالمي. ويأتي ذلك عقب حصول البيت الأبيض على موافقة الكونجرس لخطة الإنقاذ المالية البالغة تكلفتها 700 مليار ريال.
ورغم المبلغ الذي سيعمل البيت الأبيض على رصده لمعالجة الأزمة التي ضربت في أسواق المال العالمية على مدى عام 2007 وعام 2008، إلا أن أسواق المال ما زالت مرتابة من نجاح الخطة، بالنظر إلى التداعيات التي أحدثتها الأزمة في الفترة الماضية حيث تسبب في إفلاس مؤسسات مالية كبيرة في أمريكا وأوروبا وسرحت عشرات الآلاف من الموظفين وكادت تؤدي إلى كساد في الاقتصاد الأمريكي يماثل ما حصل في الأزمة الكبيرة عام 1929.
وفي صدى يعكس المخاوف الفعلية في أسواق المال، ختمت "وول ستريت" البارحة الأولى أسوأ أسبوع لها في سبع سنوات على خسارة وسط مخاوف من أن خطة الإنقاذ لن تكسر جمود أسواق الائتمان أو تحول دون ركود أمريكي.
وبناء على أحدث البيانات المتاحة تراجع مؤشر"داو جونز" الصناعي لأسهم
الشركات الأمريكية الكبرى 95ر155 نقطة أي ما يعادل 49ر1 في المائة ليصل إلى 10326.90 نقطة.
وفقد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأوسع نطاقا 85ر14 نقطة أو 33ر1 في
المائة مسجلا 1099.43 نقطة. وهبط مؤشر ناسداك المجمع الذي تغلب عليه أسهم شركات التكنولوجيا 33ر29 نقطة أي 48ر1 في المائة إلى 1947.39 نقطة. وهذا أسوأ أسبوع لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 منذ أيلول (سبتمبر) 2001 والأسوأ لمؤشر داو جونز منذ (تموز) يوليو 2002.
وتستند الأسواق في درة فعلها السلبية على الخطة إلى أن المبلغ المرصود لشراء الأصول المتعثرة أو مبلغ الخطة بالكامل والبالغ 700 مليار دولار، يقل كثيرا عن إجمالي الخسائر المقدرة للرهن العقاري، حيث كشف تقرير اقتصادي دولي عن أن الخسائر الإجمالية للرهون العقارية في الولايات المتحدة قد تقفز بشكل كبير وربما تلامس حاجز التريليون دولار منذ بدء تفاعلاتها في أواخر تموز (يوليو) الماضي.
وتوقع "تقرير الاستقرار المالي العالمي" الصادر عن صندوق النقد الدولي أن يسفر هبوط أسعار المساكن الأمريكية وتزايد حالات التأخر في سداد مدفوعات الرهن العقاري عن خسائر إجمالية مرتبطة بسوق الرهن العقاري السكني والأوراق المالية ذات الصلة تبلغ نحو 565 مليار دولار أمريكي، بما في ذلك التدهور المتوقع للقروض عالية الجودة.
وأوضح صندوق النقد، ان إجمالي الخسائر المحتملة سيرتفع إلى نحو 945 مليار دولار ، إذا تمت إضافة فئات أخرى من القروض الممنوحة والأوراق المالية المصدرة في الولايات المتحدة ارتباطا بالعقارات التجارية وسوق الائتمان الاستهلاكي والشركات.
وأظهر التقرير أن البنوك العالمية من المتوقع أن تتحمل نصف تلك الخسائر او ما يراوح بين 440 و510 مليارات دولار، مبينا في هذا السياق أن تلك البنوك فقدت خلال شهر آذار (مارس) الماضي نحو 710 مليارات دولار من قيمتها السوقية نتيجة تراجع أسعار أسهمها بعد شطبها مليارات الدولارات بسبب الأزمة.
وقال الصندوق إن عدد الحالات التي سجلت خسائر (حتى شهر آذار (مارس) الماضي)، نتيجة أزمة الائتمان والرهون العقارية، بلغت 193 حالة، نحو نصفها أو 95 حالة في الولايات المتحدة، و80 حالة في أوروبا، و10 حالات في اليابان، وحالة واحدة في منطقة الخليج، والباقي موزعة على دول أخرى. كما توقع أن يتم تسجيل 95 حالة خسارة أخرى، منها واحدة فقط في منطقة الخليج.
ولاحظ التقرير أن التدفقات الرأسمالية الداخلة بدأت تصل من عدة مستثمرين، ومنهم صناديق الثروة السيادية، ولكن الأمر سيتطلب على الأرجح ضخ مزيد من رؤوس الأموال للمساعدة في إعادة رسملة المؤسسات المتضررة.
وهنا بين التقرير أن صناديق الثروة السيادية أسهمت بنحو 41 مليار دولار من أصل 105 مليارات تم ضخها في المؤسسات المالية والبنوك الرئيسية العالمية منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. وأكد صندوق النقد الدولي أنه رغم استناد هذه التقديرات إلى معلومات غير نهائية عن مواطن الانكشاف وقيم القروض، فهي تشير إلى احتمال فرض ضغوط إضافية على رؤوس أموال البنوك وإجراء تخفيضات أخرى في قيم الأصول.
وتابع الصندوق بالقول إنه إلى جانب خسائر المؤسسات المالية غير المصرفية، بما في ذلك شركات التأمين على السندات، يكمن الخطر في احتمال حدوث تداعيات إضافية في النظام المصرفي. وهناك خطر متزايد أيضا يتمثل في دعاوى الإخلال بشروط التعاقد.
ومن التحديات الكبرى في هذا الخصوص، كما يشير التقرير، ضرورة إصلاح الميزانيات العمومية، وزيادة أسهم رأس المال وحجم التمويل المتوسط الأجل، حتى وإن كانت تكلفة ذلك أكبر في الوقت الراهن، بغية إعطاء دفعة للثقة وتجنب مزيد من الإضعاف لقناة الائتمان.
واستشرافا للمستقبل، طالب الصندوق «بضرورة أن تنظر البنوك المركزية بمزيد من العمق في الدور الذي يحتمل أن تكون السياسة النقدية قد أسهمت به في تشجيع ضعف الانضباط الائتماني وتحسين أدواتها لتخفيف ضغوط السيولة في النظام المالي الذي أصبح يسيطر عليه الطابع العالمي».
وقال التقرير، لقد برهنت أحداث الأشهر الستة الماضية على الهشاشة التي يتسم بها النظام المالي العالمي وأثارت تساؤلات جوهرية حول مدى فعالية الاستجابة التي أصدرتها مؤسسات القطاعين الخاص والعام.
وشدد على وجود إخفاق جماعي بتقدير حجم الأزمة، مشيرا إلى أنه قد نشأت في سياق الأزمة الراهنة روابط معقدة بين ضغوط السيولة السوقية والتمويلية. وتكالبت هذه الضغوط لتتمخض عن دوامة جفاف متزايد في السيولة.
وقال التقرير في هذا الإطار أنه رغم التدخل غير المسبوق من بنوك مركزية كبرى في أمريكا وأوروبا وبريطانيا، فلا تزال الأسواق المالية تمر بتوترات حادة تزداد تفاقما بسبب المناخ الاقتصادي الكلي الذي أصبح باعثا أكبر على القلق، والمؤسسات التي تمتلك رؤوس أموال ضعيفة.
كما حذر الصندوق من أن النظام المالي العالمي يخضع لضغوط متزايدة، ولا يزال الاستقرار المالي معرضا لمخاطر كبيرة، مما يضاعف المخاوف القائمة حول تدهور جودة الائتمان، وحدوث هبوط في القيم المعطاة للمنتجات الائتمانية المهيكلة، وضعف سيولة السوق المصاحب لتخفيض الرفع المالي على نطاق واسع في النظام المالي. وخلص التقرير بالقول: إن الأزمة لا تزال تتكشف حتى الآن، فالدروس المستفادة منها لم تكتمل بعد. غير أن هناك بعض القضايا التي تتطلب حلا عاجلا، فلا بد من إعطاء أولوية لرفع مستوى الثقة في المؤسسات المالية. أما القضايا الأخرى فسوف تتطلب تفكيرا أعمق ودراسة أكثر استفاضة لاحتواء أي عواقب غير مقصودة تترتب على القواعد التنظيمية أو الممارسات الرقابية.