خطة الـ 700 مليار دولار: كيف أخذ جبابرة "كابيتو" هيل" على حين غرة؟
عندما نظر جبابرة "كابيتول هيل" إلى الوراء، اعترفوا بأن الخطأ الأكبر الذي ارتكبوه فيما يتعلق بالنسخة الأصلية لخطة الإنقاذ الأمريكية البالغة قيمتها 700 مليار دولار (507 مليارات يورو، 395 مليار جنيه استرليني) كان خطأ أولياً وبسيطاً: ذلك أنهم لم يقوموا بعد الأصوات. فعندما تم التصويت بعدم الموافقة على حزمة الإنقاذ بـ 228 صوتاً مقابل 205 أصوات في مجلس النواب في الدورة الأولى، جاء ذلك مفاجئاً لنانسي بيلوسي، رئيسة المجلس ولنظرائها من الحزب الجمهوري, علما أن مجلس النواب أجاز الخطة البارحة الأولى.
فمع عدم اتضاح الكيفية التي جاءت عليها الأصوات وعبر عدم ارتداعهم بالجدل الذي تعافت فيه الخطابات على انتقاد الخطة، ضغطوا من أجل المضي قدماً ودعوا إلى التصويت عليها أملاً منهم في طمأنة الأسواق المالية. ولم يكن لدى أعضاء الكونجرس الذين صوتوا ضد مشروع القانون سبب معين يدعوهم للاعتقاد أن معارضتهم الشخصية عملية إنقاذ "وول ستريت" التي لا تحظى بالشعبية ستحكم على الخطة بالموت والهلاك, وفي واقع الأمر اتخذ البعض مواقف بدت أكثر من بلاغية بقليل.
قال ثاديوس ماكوتر الرئيس المحافظ للجنة السياسات من الحزب الجمهوري:" يطلب منك اليوم أن تختار بين الخبز والحرية. لقد قال الناس في شارع مين إنهم يفضلون حريتهم وأنا معهم في ذلك".
وبعدئذ فشلت خطة الإنقاذ، وتراجع مؤشر وول ستريت بـ 777 نقطة، وباتت النخبة السياسية في الولايات المتحدة لا تعرف ماذا تعمل. أما الرئيس جورج دبليو بوش الذي كان يجلس مترهلاً على كنبة، فقد أعلن أنه "يعمل على تطوير استراتيجية تمكن الولايات المتحدة من المضي إلى الأمام". ولم يكن هناك انسجام وتناغم بين الردود التي صدرت عن هانك بولسون وزير الخزانة، وعن مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري باراك أوباما وجون ماكين على سؤال ماذا بعد. ولكن المد تغير يوم أمس.
وقال بول رايان، العضو الجمهوري من ولاية ويسكونسين:" أعتقد أن زعماءنا الديمقراطيين فهموا من درس يوم السبت أنه ليس بإمكانك أن تعرض مشروع القانون للتصويت إذا كان لن يمر." وأضاف في معرض تعليقه على تغير الأجواء يقول: "وعليه، فإنهم سيعرضون المشروع للتصويت اليوم". "ولم أعتقد أنني سأمضي الأيام الثلاثة السابقة في الحديث عن فروق معدلات الفائدة لليلة واحدة المعمول بها بين بنوك لندن وعن الأوراق التجارية". وكان تحقق انتشار آثار أزمة الشح الائتماني واحداً من الموضوعات الرئيسة لهذا الأسبوع في "كابيتول هيل". وبشكل خاص في المناقشة التي أجراها مجلس الشيوخ يوم الأربعاء، وفي السباق إلى التصويت اللاحق الذي جرى يوم أمس في مجلس النواب.
ومن الأمور التي قوبلت بالإهمال إلى حد بعيد كانت دعوة ماكوتر كلاريون للمحافظين، ووصف النائب بول براون المرح لحزمة الإنقاذ بأنها تشبه "فطيرة بقرة ضخمة وقطعة من المارشمالو لاصقة على وسطها". وبدلاً من ذلك، بدأ أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بالحديث عن الصعوبات التي ستواجهها البلديات وحكومات الولايات المتحدة في بيع السندات والمشكلات المتزايدة التي تواجهها الشركات المحلية المحرومة من الائتمان.
وبينما استطاع الشيوخ وأعضاء مجلس النواب أن يتعاملوا مع توقف بنك بير شتيرنز وبنك ليمان براذرز عن العمل باتزان ورباطة جأش، إلا أن مشكلات مين ستريت أخافتهم.
ويوضح هاري بريد، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ قبيل تصويت المجلس الذي قام بهندسته لإعادة الحياة إلى التشريع، هذا ليس من أجل مانهاتن السفلى (حيث يوجد وول ستريت). بل هو لكي يستطيع الناس الاحتفاظ بوظائفهم ويقدروا على شراء السيارات والحصول على قرض. إننا نفعل ذلك لكي يكون بقدور وكلاء السيارات أن يمارسوا عملهم كما كانوا يمارسونه على مدى عقود، ويقترضوا الأموال لكي يشتروا بها سيارات حتى يكون لديهم سيارات يبيعونها, وهذا ما لا يستطيعون القيام به في الوقت الراهن".
وحاول ريد أيضا أن يتغلب على المشككين في مجلس النواب وذلك بإضافة بند خاص بالإعفاءات الضريبية تصل قيمته إلى 150 مليار دولار سعى الحزبان إلى إدخاله. لقد جعلت التسويات والتنازلات التي دعت بعض أعضاء الكونجرس الذين فاض بهم الغضب يصرخون "أموال سياسية"، ولكنها جعلت قليلين منهم يعلنون أنهم سيغيرون مواقفهم عند التصويت من نعم إلى لا, أي من الموافقة على مشروع القانون إلى الاعتراض عليه.
يشار إلى أن مجلس الشيوخ صوت لمصلحة مشروع القانون بأغلبية 74 صوتاً إلى 25 صوتاً مساء الأربعاء، وبدأ التدافع على التصويت في مجلس النواب هذه المرة بتسجيل النواب لأسمائهم في قوائم مبدئية يحق لهم فيها تغيير مواقفهم.
وخارج "كابيتول هيل"، بدا أن هناك تغييراً في الحالة المزاجية للشعب. فمع قيام المجلات والبرامج التلفزيونية بنشر صور مرعبة لما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي، بدا أن الخوف من حدوث ركود عظيم جديد أكبر من الامتعاض من إنقاذ مفترض لسادة عالم "وول ستريت". ومع اقتراب جدل الأمس من نهايته، نهض هووارد كوبل، وهو نائب جمهوري من ولاية كارولينا الشمالية، على قدميه وأعلن أنه بعد أن أخذ الوقت الكافي للتفكير، فإنه يؤيد الحزمة الآن. وحتى بعد التصويت الذي جرى يوم الإثنين، قال:"إن الاتصالات الهاتفية والرسائل الإلكترونية تنهال عليه بكثافة. ولكن أحذروا ماذا فيها: إنها تؤيد مشروع القانون".
"فاينانشيال تايمز" خاص بـ "الاقتصادية"