لندن: الباقون على قيد الحياة في الحي المالي يتجرعون الحقيقة المرة

لندن: الباقون على قيد الحياة في الحي المالي يتجرعون الحقيقة المرة

بينما أشعل انهيار "ليمان براذرز" في منتصف أيلول (سبتمبر) هلعاً مباشراً، فإن حالات السقوط في أسواق الأسهم العملاقة الأسبوع الماضي قوبلت بيأس هادئ. وظل معظم العاملين في الخدمات المالية من "كناري وارف" إلى "سكوير مايل"، ملازمين لهواتفهم، حيث كانوا ينجزون أي مهام ملقاة على عواتقهم، بينما يواصلون مراقبة الشاشات لرؤية أي البنوك هو الذي سيكون ضحية السقوط التالية. وقال إليكس سنو، الرئيس التنفيذي لإ?وليوشن سكيوريتيز: "كان هنالك للمرة الأولى هذا الأسبوع فهم بأن السوق لن ترتد مرة أخرى، وأنها لن تنقلب على رأسها، وأننا نمضي بالفعل في رحلة طويلة بالفعل من الآلام".
وكان الرجال في ملابس غير رسمية يتحولون إلى دروس تكميلية في المدارس عبر منطقة وسط لندن، كما أن عدد الملتحقين في معهد جيرفانتس ازداد بنسبة 15 في المائة هذا الخريف، وامتلأت فصول تعليم اللغة الإسبانية خلال النهار بأناس وجدوا أن لديهم متسعاً من الوقت. وتحول بعض ركاب قطارات الأنفاق إلى التحرك في فترات متأخرة من الصباح، بينما أصبح العاملون في مجال التمويل المهيكل الذين اعتادوا التحرك إلى الحي المالي في لندن في الساعة الـ 7:30، أو الثامنة صباحاً، يصلون إلى أماكن عملهم في وقت أقرب إلى الساعة الـ 9:30، لأنه ليس لديهم ما يقومون به.
وانتقلت آثار ذلك إلى محترفي الخدمات المالية في الأقاليم. ويفيد الركاب بأن قطار الساعة الـ 7:15 صباحاً من بيرمنجهام إلى محطة يوستن في لندن الذي كان يمتلئ تماماً بالركاب في معظم الأيام، أصبح ثلثا كراسيه مشغولاً في الوقت الراهن. وقال بيتر نوريس الذي عمل لفترة طويلة في مجال تمويل الشركات، ويترأس بنك كوايل مونرو التجاري في الوقت الراهن، "هنالك حزن مكتوم إزاء هذا الوضع، وهو بدرجة السوء التي سادت في أوائل السبعينيات".
أما المحاسبون الشباب، والعاملون في المجال المالي، الذين قصدوا لندن من أستراليا، وجنوب شرق آسيا خلال السنوات الأخيرة، فإنهم الآن يشدّون الرحال عائدين إلى بلدانهم، حيث شهد البعض إنهاء عقود عملهم، كما أن آخرين منهم مستاؤون لأن الجنيه الاسترليني المتراجع ضرب القدرة الشرائية لأجورهم.
ويعيد البريطانيون الأكثر شباباً ترتيب خطط حياتهم كذلك، كما تقول مصادر شركات التوظيف. ويدرس البعض فرص إيجاد وظائف خارج قطاع التمويل، بينما يخرج آخرون من هذا القطاع ببساطة. وقال فيل شيريدان، المدير العام البريطاني لشركة روبرت هالف للتوظيف" أصبح الشباب أكثر ميلاً للقول: كنت أريد السفر على الدوام، والقفز على متن إحدى الطائرات".
أما المستمرون في عملهم، فإنهم يهيئون أنفسهم لسنوات من التراجع، وليس لأشهر فقط. وقال ستيوارت فرايزر، مدير السياسات في شركة الحي المالي لمدينة لندن "إننا جميعاً نتوقع أن السنتين أو الثلاثة المقبلة ستكون صعبة".
ومازالت المطاعم الكبرى مليئة بالزبائن في عطلات نهاية الأسبوع، غير أن ليالي الإثنين والثلاثاء تشهد كثيرا من الكراسي الفارغة. وكان مطعم الوجبات الخفيفة والمشروبات، ويتشيف، بالقرب من جسر لندن، يقدم غداء لاثنين مقابل الدفع عن واحد فقط لسنوات مضت، غير أنه حين زادت المبيعات قبل أسابيع قليلة، غير المدير اسم ذلك النظام لكي يصبح "غداء الأزمة المالية".
أما في دار نيكولسون وجريفين، لحلاقة الرجال، بالقرب من محطة شارع كانون، فإن هذا النشاط تضاءل بصورة سيئة جعل مالك الدار، أندي جريفين يغير نموذجه العملي، حيث قال "سنفتح أبوابنا لساعات متأخرة، ونبدأ في ساعات أبكر، لأن الناس لا يستطيعون مغادرة مكاتبهم". وربما يكون أسوأ ما يسبب الاضطراب للعاملين في الخدمات المالية أنهم بعد سنوات من العلاوات، والاعتياد على الأداء الشخصي المتقدم، فإنهم الآن يواجهون مستقبلاً لم يعودوا قادرين على السيطرة عليه. وقال أحد موظفي بنك ليمانز الذي كان ضمن فريق عمل تحول إلى العمل في بنك نومورا "إن الأمر غير العادل هو أنك إذا كنت محللاً لا تجعل البنك يتحمل أي مخاطر، ومع ذلك فإنه لا يزال بالإمكان إلحاق الأذى بك من جانب أشخاص كانوا يتصرفون كأنهم يعملون من أجل تحوط رهني، بدلاً من العمل بصفتهم بنكاً استثمارياً".

"فاينانشيال تايمز" خاص بـ "الاقتصادية"

الأكثر قراءة