الزعماء في حيرة من أمرهم في ظل نوبات الغضب التي تطلقها الأسواق

الزعماء في حيرة من أمرهم في ظل نوبات الغضب التي تطلقها الأسواق

طيلة الجزء الأكبر من العام الماضي، بذل كبار الشخصيات المصرفية جهوداً مضنية في سبيل تجنب انهيار الثقة بنظام التمويل الحديث. ولكن مما يؤسف له أنهم، كما يستدل من الأحداث التي شهدها هذا الشهر، خسروا هذه المعركة إلى حد كبير.
ولكن هذه الحرب دخلت الآن مرحلة جديدة ربما كانت أخطر من المراحل السابقة. وبعد أن استقرت الأسواق على الوضع المتأرجح هذا الأسبوع، فإن ما أثار هذا الذعر ليس فقط السؤال فيما إذا كان من المأمون أن يضع المرء ثقته بالبنوك. بل إن الخوف الشديد الآن الذي لا يصرح به أحد هو خوف أعم وأشمل: هل يمكننا حقاً أن نصدق أن الحكومات لديها فعلاً القوة لإيقاف هذا الذعر؟
لقد أمطر الزعماء الأمريكيون والأوروبيون النظام المصرفي في الأسابيع الأخيرة بوابل من الوعود لتقديم العون. فقد كشفت حكومة المملكة المتحدة، على سبيل المثال، عن خطة تبلغ تكلفتها 400 مليار جنيه استرليني (681 مليار دولار، 606 مليارات يورو) لدعم البنوك البريطانية، في الوقت الذي كشفت فيه البنوك المركزية العالمية عن التنسيق فيما بينها لخفض أسعار الفائدة. وقبل ذلك، اعتمدت الولايات المتحدة خطة للإنقاذ تزيد قيمتها على 700 مليار دولار.
ولكن الشيء الوحيد الأغرب من هذه الأصفار هو أن أثر هذه التحركات أخذ بالتراجع يوماً عن يوم. ففي كل مرة تقدمت فيها الحكومات بتدابير جديدة لتهدئة المستثمرين، لم تزد الأسواق على أن تتوقف لأخذ أنفاسها ـ قبل أن تقذف بسورة غضب أخرى. إن هذا نمط سلوكي قد يبدو مألوفاً لوالدي طفل أنهكته خطاه القصيرة غير الثابتة، فلا عجب أن يبدو صانعو السياسيات المالية الغربيون مترددين ومرتبكين.
ومن المأمول أن يتمخض الاجتماع الوزاري للدول الصناعية السبع الكبرى عن تدابير على صعيد السياسات يمكن أن توقف في النهاية هذا النمط المدمر للذات. إن أقل ما عملته التأرجحات الشديدة التي شهدتها الأسواق في هذا الأسبوع هو أنها زادت من الضغط السياسي للتصرف وفعل شيء إزاء هذا الوضع.
ولكن حتى لو تمكن اجتماع واشنطن من تخفيف الرعب الآن، مع التشديد على كلمة (لو)، لن يكون من السهل حقاً إعادة الثقة بقوة الحكومات. فقبل خمس سنوات كان الأمر يبدو كما لو أن محافظي البنوك المركزية قادرون على كل شيء، ولكنهم الآن يعيشون حالة من الفزع. وهذا شيء لا يمكن عكسه والتغلب عليه بكومة أخرى من المليارات.
فإلى حد كبير، تعد هذه المشكلة من صُنع أيديهم. فمنذ أربعة عقود، كانت البنوك والأسواق الخاضعة للأنظمة والتشريعات هي المسؤولة عن إيجاد الجزء الأكبر من الائتمان ومن التداول. ولكن الجهات التشريعية سمحت في هذا العقد للنشاط في عالم المشتقات غير الخاضعة للتشريعات بالتضخم بشكل كبير وأصبح ما يدعى بـ "بنوك الظل"- كصناديق التحوط والأدوات الاستثمارية المهيكلة- على درجة بالغة الأهمية في عالم الائتمان.
ومن العواقب التي ترتبت على هذا النمط أن الحكومات لم تر الجبل غير الطبيعي من الدين الذي تراكم في هذه الزوايا المظلمة في وقت سابق من هذا العقد. ونتيجة أخرى هي أن صانعي السياسات أصبحوا غير قادرين الآن مع تفجر فقاعة الائتمان هذه على أن يتوقعوا- ناهيك عن أن يحتووا ـ جميع سلسلة ردود الفعل التي تصدر دون كابح.
خذ مسالة تبادلات التخلف عن سداد الائتمان، وهي الأدوات التي تستخدم للمراهنة حول إذا ما كان أحد السندات سيتخلف عن السداد. ومن العوامل التي تسببت في حالة الذعر الخاصة التي شهدتها الأسواق هذا الأسبوع هو الخوف من أن تجبَر المؤسسات على أن تدفع في المستقبل القريب عشرات مليارات الدولارات لتسوية الدعاوى المتصلة بأوراق الدين المضمونة المقيدة على الشركات التي تعرضت للإفلاس مثل: بنك ليمان براذرز والبنوك الآيسلندية.
ويمكن لهذه المخاوف أن تزداد. فواقع الأمر أن كل خسارة على عقد خاص بأوراق الدين المضمونة يقابلها ربح في مكان آخر، وكان ينبغي للبنوك أن تحتاط لهذه الدفعات. ولكن المشكلة هي أن قلة من المستثمرين يعرفون آلية عمل هذه العقود، أو حجم المدفوعات التي قد تترتب عليها، أو أي البنوك أو الصناديق التي ستتأثر بها.
والأسوأ من ذلك، أن الجهات التشريعية تعيش في ظلام جزئي لأن هذه سوقاً خاصة. وفي الوقت نفسه، توجد إلى جانب أوراق الدين المضمونة هذه الآن أنواع عديدة أخرى من العقود التي يعاد تقييمها عندما تتراجع الأسواق، والتي لا يعرف المستثمرون بها.
لا عجب إذن أن تفشل أدوات السياسة التقليدية، كتخفيضات أسعار الفائدة، حتى الآن في إعادة الهدوء إلى الأسواق. ولا غرابة أيضاً ألا يكون للإجراءات المعقولة التي كشفت عنها المملكة المتحدة إلا أثر قليل . ففي نهاية المطاف، تتعلق خطط الإنقاذ التي تم الكشف عنها في الأسبوع الماضي بتعهدات مستقبلية بمساعدة البنوك الخاضعة للتشريعات داخل الحدود الوطنية.
إن ما يرغب المستثمرون في رؤيته هو خطوات ملموسة يتم اتخاذها الآن بصورة فورية لوقف أثر الدومينو المخيف والعابر للحدود على صعيد التخلص من المديونية، فيما يتعلق بآيسلندا، وأوراق الدين المضمونة لبنك ليمان أو أي شيء آخر.
ولكن الحقيقة المرعبة هي أن الرهان يظل مفتوحاً حول إذا ما كانت الحكومات الوطنية الحديثة تستطيع فعلاً اتخاذ هذه الخطوات التي توجد حاجة ماسة لها، ولكن بالحكم من خلال تأرجحات الأسواق، فإنه رهان لا يبدو أن بعض المستثمرين على استعداد للقيام به.

"فاينانشال تايمز" خاص بـ "االاقتصادية"

الأكثر قراءة