الأزمة العالمية لم تؤثر في حجم المعاملات الاقتصادية بين الرياض وباريس.. ونسعى للتوسع في مشاريع الطاقة والسكك الحديدية
أكدت آن ماري ايدراك وزيرة التجارة الخارجية الفرنسية عدم تأثر فرنسا بفعل الأزمة المالية العالمية، وأرجعت الأسباب إلى قوة ومتانة اقتصاد بلدها، إذ طالبت بتكثيف الجهد العالمي والتوجه إلى مفهوم الاقتصاد الحقيقي للنهوض من هذه الأزمة العالمية، مشيرةً إلى أن بعض مظاهر الرأسمالية ستختفي، وهي المظاهر المضللة للكثيرين التي تفتقد القواعد الأساسية الأخلاقية.
وبينت ايدراك، التي تقوم بجولة خليجية للحصول على عقود في مجال السكك الحديدية والطاقة والبنى التحتية، أن حجم التبادل التجاري بين المملكة وفرنسا قد بلغ قرابة خمسة مليارات دولار، ولا وجود لتبعات الأزمة العالمية على حجم هذا التبادل.
وعن مؤشرات تطور المحادثات الأوروبية والخليجية حول التبادل الحر ذكرت أن مجرد وجود نية لهذا الاتفاق لهو دليل على صدق النوايا، وألمحت ايدراك إلى أن المؤشرات غير واضحة حتى الآن في هذا الموضوع.
الاقتصادية التقت "آن ماري ايدراك" وخرجت بهذا الحوار فإلى التفاصيل:
ما الدول التي تزورونها خلال هذه الأيام؟
سأزور عدداً من الدول الخليجية التي ابتدأتها من العاصمة السعودية الرياض، وستكون جولاتي المقبلة في قطر والإمارات وسلطنة عمان.
بحث شراكات استراتيجية
ما هي أهداف هذه الزيارات لدول الخليج وفي هذا التوقيت خاصة؟
في الحقيقة زيارتي للمنطقة أتت بهدف بحث الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين فرنسا والمملكة، والتي تحوي عوامل عديدة من أهمها مشاريع الدفاع والبنى التحتية وجميع أنماط الطاقة، وأكثر شيء أثارني خلال هذه الزيارة هو كبر حجم التقارب الذي يجمع بين بلدينا، حسب حديثي مع الوزراء السعوديين الذين التقيتهم، وبالأخص بعد الزيارات المتبادلة بين ملك المملكة والرئيس الفرنسي خلال الفترة الماضية، وعن النهج الذي اتخذه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في ما يخص القطاعات الاقتصادية والمالية.
خمسة مليارات دولار حجم التبادل التجاري
كم وصل حجم التبادل التجاري بين السعودية وفرنسا؟
المستوى الحالي للتبادل التجاري بين المملكة وفرنسا بلغ قرابة خمسة مليارات دولار، وهو رقم محفز للطرفين، ولكننا نسعى إلى رفع وتطوير هذا الرقم من خلال توسيع مجال الاستثمارات، وهو ما نسعى إليه من خلال هذه الزيارة.
مؤشرات غير واضحة
إلى أين وصل الطريق فيما يخص اتفاقية التبادل الحر بين أوروبا والخليج، هل لديكم أي مؤشرات إيجابية لإبرامه قريباً، بعد أن عبرت عن الرغبة من الإسراع في مفاوضاتها مع دول الاتحاد الأوروبي؟
مسألة التبادل الحر بين دول الخليج وأوروبا هي مسألة مهمة للغاية، وأنا أرى أن مجرد النية في إجراء تبادل حر لهو تأكيد على صدق النوايا في تسريع الإجراءات لتنفيذ هذه الاتفاقية، ولكن المؤشرات ليست واضحة حتى الآن.
بدأ الحديث عن منطقة اتحاد وتبادل حر لدول البحر الأبيض المتوسط منذ عام 1995، حيث من المقرر إطلاقه في عام 2010، وبدأت الخطوات الفعلية لهذا الموضوع منذ أن وصل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى سدة الرئاسة، هل تعتقدين أن التوقيت كان متأخراً بعض الشيء؟
بالنسبة لحلف دول البحر المتوسط هي على مستويات عدة، فالمستوى السياسي والاقتصادي تحدث عنه الرئيس الفرنسي وقام بوضع عملية تجمع دول جنوب وشمال البحر الأبيض المتوسط، وهذه العملية تتضمن طرح مجموعة من المشاريع الاستراتيجية المهمة، على سبيل المثال مشاريع تطوير الطاقة الشمسية التي من الممكن أن تهم المسؤولين في هذه البلدان.
الأزمة العالمية
ما الإجراءات التي قامت بها فرنسا للحد من الأزمة المالية العالمية؟
سأشرح لك أمراً مهماً، وهو أن النظام المالي والاقتصادي الفرنسي صلب للغاية، وقابل للتماشي مع هذه النوعية من الأزمات التي تحدث في أي وقت، فهنالك نظام تحكم عالي المستوى على المصارف الفرنسية، ولحسن الحظ أن الاقتصاد الفرنسي يقاوم بشكل جيد حتى الآن، على عكس الكثير من الاقتصاديات الأخرى، ولكن طموحات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لم تتوقف عند هذا الحد، فهو يرأس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، وقد اجتمع أخيرا بعدد من القادة الأوروبيين لإجراء قواعد اقتصادية تعمل على وقف هذا النزيف الحاد في الاقتصاد العالمي.
وهذه الإجراءات تتطلب الحصول على ثلاث نقاط مهمة، وهي التعاون الدولي في النهوض من هذه الأزمة، ووجود اهتمام دولي بالاقتصاد الحقيقي، وآخرها الحكمة في اتخاذ القرار، وهذا ما ناقشت به الوزراء الذين التقيتهم، فالأزمة ليست مختصة بدولة واحدة، بل إن الأمر شمل جميع الاقتصاديات العالمية.
هل أثرت هذه الأزمة على التجارة الخارجية لفرنسا؟
صحيح أن هناك عددا من الدول التي أصبحت مواردها خلال هذه الأزمة أقل وفرة عن السابق للصرف على بقية مشاريعها، ولكن التقنية الفرنسية وقوتها جعلتنا نستمر بتطوير وجودنا في بقية أنحاء العالم، من خلال الصادرات العالية والشركات الموجودة في البلدان المضيفة، ولم يكن هناك تأثير كبير.
وهل أثرت في التبادل التجاري بين المملكة وفرنسا؟
في الحقيقة لم ألاحظ أي شيء حتى الآن، فجميع الظواهر والمؤشرات تبين أنه لا وجود لآثار الأزمة المالية العالمية على التبادل التجاري بين بلدينا.
انهيار الاقتصاد الأمريكي
ذكر وزير المالية الألماني في أحد لقاءاته الأخيرة أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تعود يوماً كقوة اقتصادية عظمى كالسابق، وهذا يعني ظهور أقطاب اقتصادية جديدة، هل هذا يتوافق مع وجهة نظر فرنسا؟
في بداية الأمر الكل يعلم أن هذه الأزمة العالمية انطلقت من الولايات المتحدة الأمريكية، وتتسبب في موجات قوية في وجه الاقتصاد العالمي، ولهذا السبب طالبنا في أوروبا بالجلوس حول طاولة واحدة للتفكير في الخروج من هذه الأزمة، ومن ثم بإعادة إنشاء نظام مالي عالمي يضمن حماية جميع القوات الاقتصادية.
الرأسمالية كمفهوم لن تنتهي
بدأ الحديث أخيراعن نهاية عصر الرأسمالية، وبداية عصر الاقتصاد الموجه، هل تتفقين مع هذا الرأي؟
لا أعتقد ذلك، فهذه الأزمة لم تسبب نهاية الرأسمالية بمعناها الأساسي، بل هي نهاية لبعض مظاهرها المالية المضللة للكثيرين، التي تفتقد للقواعد الأساسية الأخلاقية، وتفتقد أيضاً للعمل المؤسساتي، ولكن إذا تم إنشاء أنظمة مالية أكثر أخلاقية، فمن الطبيعي أن ينشأ نموذج اقتصادي مميز للقرن الـ 21.
مشاريع القطارات.. أولوية خاصة
ترأستي عدداً من كبريات شركات النقل والقطارات في فرنسا مثل SNCF وRATP، هل كان لعملك دافع لمناقشة المسؤولين السعوديين حول مشاريع شركات لإنشاء شبكات لسكك الحديد والقطارات داخل المملكة، إذا كان بنعم فإلى أين وصلتي في هذه المشاورات؟
"ضاحكة" هذا صحيح فقد ترأست شبكات القطار والمترو في باريس، وفي المملكة يوجد الكثير من المشاريع التي سيتم طرحها لشبكات القطار السريع بين المدن المقدسة، وهو ما يهمنا أكثر، وتحدثت في هذا الشأن مع وزير النقل السعودي، وعدد من الوزراء والمسؤولين الآخرين، فنحن في فرنسا لدينا القدرة القوية للدخول في مجال التصنيع وصيانة القطارات.
ما القطاعات الأخرى التي تسعون الدخول فيها خلال الفترة المقبلة، والتي تحدثتم بشأنها مع المسؤولين السعوديين؟
الصناعة الفرنسية موجودة داخل المملكة ومنذ فترات طويلة، ويعملون في مجال الإلكترونيات والتقنيات العالية والغاز والبترول والنقل والمياه والضيافة والفندقة الخ..، ولدينا مشاريع كثيرة في البنى التحتية، ونسعى لتوسيع وجودنا من خلال مشاريع الأمن الغذائي عن طريق الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، باختصار التعاون السعودي الفرنسي موجود منذ القدم، ولكن نسعى لتعزيز هذا التعاون، وخلال الفترة المقبلة سيستفيد المستثمرون السعوديون من المكتب الذي سنفتتحه لدراسة مشاريعهم وإطلاعهم على الفرص المتوافرة لدينا بكل شفافية.
بصراحة تامة، كيف تقيمين النموذج الصناعي الفرنسي، بالمقارنة مع النماذج الأخرى كالموجودة في ألمانيا واليابان وباقي الدول الصناعية الكبرى؟
فرنسا هي دولة رائدة في الصناعة والاقتصاد على جميع الأصعدة، في عالم الطيران والطاقة النووية والنقل، ونطور دوماً تقنية المعلومات، ولدينا قوة تنافسية كبيرة مع بقية الدول العالمية، وطموحنا هو تطوير مواردنا للارتقاء أكثر بما لدينا.