خطوات تعزيز القطاع المالي في أمريكا لا تكفي لتعزيز أسواق الأسهم
تم تبني المزيد من الخطوات الرامية إلى تعزيز القطاع المالي في الولايات المتحدة حيث لا تزال المشكلات المالية المعقدة التي سادت خلال الأسابيع الأخيرة تتفاعل، إلا أن هذه الخطوات لا تعد كافية لتعزيز أسواق الأسهم التي صدمتها نتائج أرباح الشركات للفصل الثالث والتي جاءت مخيبة للآمال وكذلك المخاوف المستمرة إزاء سلامة الاقتصاد العالمي. وقد تعززت قيمة الدولار الأمريكي بدرجة كبيرة.
وقال تقرير أعده براد بورلاند رئيس الأبحاث الاقتصادية ودراسات الأسهم في شركة جدوى للاستثمار، إن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قرر تخصيص 540 مليار دولار لشراء أوراق تجارية (أدوات دين قصيرة الأجل تصدرها الشركات والبنوك) من الصناديق الاستثمارية عالية السيولة في سوق النقد التي تستثمر بكميات كبيرة في الأوراق التجارية وتعد تاريخياً آمنة مثلها مثل الحسابات المصرفية تقريباً. لقد انكشف أحد الصناديق الكبيرة العاملة في الاستثمار في سوق النقد بصورة حادة أمام دين لبنك ليمان برزرس بعد انهيار البنك الشهر الماضي وأصبح غير قادر على الحفاظ على قيمة دولار واحد للسهم التي تعد مطلباً أساسياً لقابلية تلك الصناديق على الاستمرار (حيث تشير القيمة التي تقل عن دولار للسهم إلى خسارة المستثمرين أموالهم). وقد أدى هذا الوضع إلى سحب مبالغ ضخمة مما خلق ضغوطاً على إحدى الركائز الرئيسية لقطاع المال الأمريكي (تبلغ المبالغ المستثمرة في صناديق السيولة 3.5 تريليون دولار تقريباً)، كما أدى إحجام صناديق السيولة عن الاستثمار في الأوراق التجارية إلى حدوث تداعيات واسعة طالت جميع جوانب الاقتصاد ذلك أن كثيرا من الشركات تعتمد على تلك الصناديق في تمويل عملياتها اليومية.
وساعدت تلك الخطوة من قبل الاحتياطي الفيدرالي على إحداث المزيد من التحسن في فائدة الاقتراض بين البنوك وغيرها من مؤشرات الأزمة المالية. وهبطت أسواق الأسهم في أعقاب الإعلان عن نتائج أرباح الشركات للفصل الثالث التي جاءت ضعيفة في عدد كبير من القطاعات. ففي الولايات المتحدة هبط مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 2.5 في المائة كما هبط مؤشر إس آند بي 500 بنسبة 3.1 في المائة في تداولات أمس الأول وكذلك كان الحال بالنسبة للأسواق الآسيوية التي أغلقت هذا الصباح على تراجع حاد حيث انخفضت أسواق اليابان وكوريا الجنوبية وهونج كونج جميعها بأكثر من 4 في المائة مسجلة أدنى مستوى لها خلال أربع سنوات، وطال الهبوط الأسواق الأوربية التي انخفضت هذا الصباح بنسبة راوحت بين 1 إلى 2.5 في المائة مقارنة بنسبة انخفاض أمس الأول التي راوحت بين 0.5 إلى 1.5.
ومن المعالم المهمة التي برزت خلال الأيام القليلة الماضية تعزيز قيمة الدولار الذي يتم تداوله حالياً بأعلى سعر له منذ 18 شهراً مقابل سلة من عملات كبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة كما ارتفع أكثر مقابل عملات عديد من دول الأسواق الناشئة. ولقد استفاد الدولار من وضعه كملاذ آمن وشهد تدفقات ضخمة من صناديق التحوط الأمريكية وغيرها من كبار المستثمرين الذين لجأوا لتسييل استثماراتهم الأجنبية وحولوها إلى نقد كما أنه سيستفيد من إحساس السوق بضرورة انخفاض أسعار الفائدة خارج الولايات المتحدة أكثر من انخفاضها داخلها عدا الإحساس بأن الولايات المتحدة ستكون أول من يخرج من حالة الركود لأنها كانت الأولى من بين الاقتصادات الرئيسية في العالم التي ولجتها.
واستقرت أسعار النفط خلال اليومين الماضيين (يبلغ سعر خام غرب تكساس القياسي حالياً 71 دولاراً للبرميل) حيث تترقب السوق نتائج قمة منظمة أوبك المنتظر عقدها الجمعة المقبل التي فيما يبدو ستسفر حتماً عن اتفاق أعضائها على خفض الإنتاج. ويتداول الناس قبيل القمة تقديرات حول حجم الخفض المتوقع تتراوح بين مليون وثلاثة ملايين برميل في اليوم. ومن المؤكد أن "أوبك" ستحرص على وضع حد أدنى لأسعار النفط التي انخفضت إلى النصف منذ مطلع تموز (يوليو) ولكنها لا تود الإضرار بمستقبل الاقتصاد العالمي الذي يعد حالياً ضعيفا على نحو استثنائي. ومن شأن خفض إنتاج النفط في المملكة أن يؤدي إلى تراجع نمو الناتج المحلي وانخفاض فوائض الميزانية والحساب الجاري، لكن يجب أن نضع في اعتبارنا أن الأداء الاقتصادي كان قوياً خلال 2007 عندما كان متوسط سعر خام غرب تكساس في حدود 72.3 دولار للبرميل وكان الإنتاج نحو 8.7 مليون برميل يومياً وهو سيناريو ينتظر تكراره العام المقبل.
وسيساعد الارتفاع في قيمة الدولار ( وبالتالي الريال) على خفض التضخم من خلال انخفاض أسعار السلع المستوردة، وقد ارتفع الدولار منذ نهاية تموز (يوليو) بنسبة 17 في المائة مقابل اليورو (تعد منطقة اليورو أكبر مصدر للواردات السعودية) وارتفع 18 في المائة مقابل الجنيه الاسترليني و7 في المائة مقابل الين الياباني. وستساعد الزيادة في سعر الصرف على خفض أسعار الغذاء بصفة خاصة حيث تتصادف تلك الزيادة مع الانخفاض الذي تشهده أسعار تلك المواد على مستوى العالم. فعلى سبيل المثال انخفض سعر الأرز البسمتي الهندي بنسبة 12 في المائة منذ منتصف أيلول (سبتمبر) بينما انخفضت قيمة الروبية الهندية بنسبة 16 في المائة مقابل الريال منذ نهاية تموز (يوليو) الماضي.