العراق ينجو من أسوأ ما في أزمة الائتمان .. لكن هبوط النفط مؤلم
بكل المقاييس يمر العراق بوقت عصيب منذ عام 2003، غير أنه حين يأتي الأمر إلى الأزمة المالية فربما يكون العراق لمرة واحدة في وضع أفضل من غيره. فقد حصدت دوامة العنف أرواح عشرات الآلاف من العراقيين خلال الأعوام الخمسة الماضية. ودمرت الحرب وأعمال العنف قسما كبيرا من البنية التحتية للبلاد. وشهدت البلاد فرارا جماعيا للمتعلمين، بينما لا تزال آمال المصالحة تراوغ العراقيين،لكن سنوات من العقوبات والعزلة إبان حكم صدام حسين تعني أن العراق لم يدخل نسيج النظام المالي العالمي الذي يمر بواحدة من أسوأ أزماته منذ الكساد العظيم في الثلاثينيات من القرن الماضي.
وقال مسؤول في السفارة الأمريكية في بغداد طلب عدم نشر اسمه "الخبر السار على نحو غير متوقع هو أن العراق ليس مرتبطا بشدة بالاقتصاد العالمي".
وحتى تموز (يوليو) لم يكن سوى نصف البنوك العراقية تقريبا مهيأ للقيام بتحويلات مصرفية دولية. وتتم الصفقات الكبيرة عادة نقدا، حيث يحمل رجال الأعمال رزما ضخمة من الدولارات.
وفي حين يمكن أن يؤدي تباطؤ النمو العالمي إلى انخفاض تدفقات الاستثمار الخاص على بعض الصناعات خارج قطاع النفط الحيوي فإن العراق بمنأى من أسوأ جوانب الأزمة التي تعصف بالأسواق المالية العالمية.
ويتفق ايريك دي فريجر رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى العراق مع هذا الرأي قائلا إن العراقيين "بمعزل عن هذه الصدمات". وأضاف أن مشكلة العراق هي العثور على سبل لإنفاق المال الذي يملكه بالفعل، لكن انخفاضا حادا في أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة يمكن أن يسبب مشكلات على المدى
البعيد للعراق، حيث تمثل صادرات النفط أكثر من 90 في المائة من عائدات الحكومة.
وبينما يسعى العراق جاهدا للوقوف على قدميه مع انحسار وتيرة العنف فإنه يسعى جاهدا لتحسين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه وجذب استثمارات وخلق فرص عمل. ويخشى كثيرون من تجدد أعمال العنف إذا لم تتحول وعود الخدمات وفرص العمل والرخاء إلى واقع ملموس.
والعراق محظوظ بالفعل لجلوسه على ثالث أكبر احتياطي للنفط الخام في العالم، كما أن حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، التي تدعمها الولايات المتحدة، تتخذ خطوات لزيادة الإنتاج.
وفي الأسبوع الماضي استقطب وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني اهتماما كبيرا في لندن من كبريات شركات النفط مثل إكسون موبيل ورويال داتش شل التي تتنافس على عقود لتشغيل ثمانية حقول ضخمة للنفط والغاز.
وساعد ارتفاع كبير في أسعار النفط العالمية التي تجاوزت 147 دولارا للبرميل في ذروتها في تموز (يوليو) على تحسين الموقف المالي للعراق.
وفي آب (أغسطس) تكهنت الولايات المتحدة بأن عائدات النفط يمكن أن تصل إلى 79 مليار دولار هذا العام، أي أكثر من مثلي متوسط إيرادات النفط السنوية للعراق منذ عام 2005 وحتى 2007، لكن أسعار النفط شهدت انخفاضا حادا في الآونة الأخيرة، إذ انخفضت بنسبة تجاوزت 50 في المائة عن تموز (يوليو) مع تأرجح النمو العالمي. ويوم الأربعاء هبط سعر الخام الأمريكي إلى أقل من 70 دولارا للبرميل.
وقد لا تردع الأسعار المنخفضة المستثمرين في قطاع النفط الذين يميلون إلى التطلع إلى ما هو أبعد من تقلبات السوق الراهنة، لكنها تهدد بتقويض إنفاق الحكومة العراقية إذا ظلت الأسعار منخفضة لوقت طويل.
وقد عدل العراق بالفعل سعر النفط الذي وضع على أساسه الميزانية المقترحة عام 2009 البالغة 79 مليار دولار إلى 80 دولارا للبرميل، وقد يضطر إلى تعديل السعر مجددا. وقالت الحكومة أمس الأول إنها تراجع ميزانية عام 2009 بسبب انخفاض أسعار النفط.
ويقول مراقبون إن انخفاض أسعار النفط لا يمثل تهديدا فوريا لمشاريع إعادة الإعمار الضرورية مثل تحسين إمدادات الكهرباء والمياه.
وفي عام 2007 أنفق العراق أقل من 30 في المائة من مبلغ 12 مليار دولار خصصه للاستثمار والمشاريع الرأسمالية، ما أثار غضب الكثير من الساسة الأمريكيين الذين يشكون من أن العراق بحاجة إلى أن ينفق مزيدا من الأموال على إعادة الإعمار.
وخصصت الحكومة مليارات الدولارات في الأعوام الأخيرة لقطاعات النفط والمياه والكهرباء، ولكن لم يتم إنفاق هذه الأموال بعد. ويقول مسؤولون أمريكيون إن العراق راكم ودائع مالية قيمتها 29.4 مليار دولار حتى كانون الأول (ديسمبر) عام 2007، لكن احتياجات العراقيين ملحة، فالكثيرون لا يحصلون على الكهرباء من الشبكة العامة إلا بضع ساعات في اليوم. وبالنسبة للبعض تعد المياه النظيفة رفاهية، وما زالت معدلات البطالة مرتفعة بشدة.
وفي حين يتوقع أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي 9 في المائة للعام الحالي 2008 فإن الوضع خارج قطاع النفط أشد قتامة، حيث يقول مسؤولون إنه حدث في الوقع انكماش طفيف في عام 2007، بل إن تيموثي ميلز رئيس غرفة التجارة الأمريكية في العراق قال إن الأزمة المالية العالمية يمكن أن تخلق مشكلات للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تبحث عن قروض لمشاريع في العراق.
كما سينافس العراق على جذب اهتمام صائدي الفرص الذين ظهرت أمامهم الآن بفضل الظروف الراهنة مجموعة من الخيارات الرخيصة للاستثمار في أماكن آمنة بعيدا عن المخاوف الأمنية في العراق.
وقال ميلز "من المرجح أن يقل الاستثمار في القطاعات (غير النفطية) لحين اتضاح الموقف باستثناء المشاريع التي يبدو نجاحها واضحا ويجري تمويلها بأموال عراقية أو خليجية".
وقد تكون الاستثمارات الخاصة في قطاعي الفنادق أو البناء أول ما سيعاني.
وعبر أمجد الجبوري رئيس غرفة تجارة بغداد عن أمله في ألا تؤثر هذه الأزمة في قدرة العمال على العثور على فرص عمل.
وقال المسؤول في السفارة الأمريكية "ربما يكون العراق قادرا على التعامل مع هذا بشكل أفضل من الآخرين".
وأضاف "من ناحية أخرى فإن الاقتصاد لا يزال هشا جدا، بل إن انخفاضا طفيفا في النمو سيكون سيئا. العراق يحتاج إلى كل شيء يستطيع الحصول عليه".