السفارة الجزائرية: السعودية تحملت مسؤوليتها القومية في دعم الثورة إلى أن تحقق النصر

السفارة الجزائرية: السعودية تحملت مسؤوليتها القومية في دعم الثورة إلى أن تحقق النصر

تحيي الجزائر الذكرى الرابعة والخمسين للاستقلال والتحرير وكانت الشرارة الأولى قد انطلقت في 1954 مستلهمة منها العزم والإرادة في مواجهة التحديات والتغلب على الصعاب التي تعترض طريق تقدمها وازدهارها مستهدية في ذلك بما قدمه جيل الرواد من تضحيات جسيمة لا تزال مضرب المثل في كل أرجاء العالم والتي بفضلها انتزعت استقلالها من الاستعمار الفرنسي الذي استمر مائة واثنتين وثلاثين سنة (5 تموز (يوليو) 1830 إلى 5 تموز (يوليو) 1962).
وإذا كان هذا الرصيد اليوم مفخرة لأبناء الجزائر خاصة وللشعوب العربية عامة التي ساندتها وأيدتها ودعمتها ماديا وسياسيا فإن الحديث عن المآثر التاريخية للمقاومة التي قارعت الاستعمار وأجبرته على الرحيل أمر مهم وأساسي حتى تدرك الأجيال أن العيش في كنف دولة مستقلة مبنية على الحرية والمساواة بين المواطنين لم يكن ليأتي لولا تضحية الشعب الجزائري بمليون ونصف المليون من أبنائه الذين استشهدوا على مذبح الحرية في حرب قاسية دامت سبع سنوات ونصف (1 نوفمبر 1954 إلى 5 يوليو 1962). وفي هذا الصدد يتطلع الجزائريون إلى استلهام روح العزيمة والإصرار في مواجهة أي تحد يقف في طريقه من عزيمة وإصرار آبائه وأجداده الذين أبلوا البلاء الحسن في جهادهم المتوصل ضد الاستعمار الفرنسي منذ أن وطئت أقدامه أرض الجزائر سنة 1830 في ثورات متعاقبة إلى أن توجت بثورة التحرير الكبرى سنة 1954 التي وضعت حدا لفترة الاحتلال ونقلت البلاد إلى مرحلة جديدة من البناء والتشييد حيث بدأ الاهتمام بالمواطن باعتباره الهدف الأول للتنمية. ولتحقيق الأهداف الاستراتيجية للتنمية تم التركيز على ترقية المستوى الثقافي والوعي السياسي للمواطن في ظل اختيارات وطنية أساسية وأساليب سريعة لتنمية المجتمع وتحقيق رفاهيته وازدهاره.
ومع قصر المدة الزمنية التي اعتمدت فيها هذه السياسة فقد تحقق للبلاد الكثير من الإنجازات المهمة التي تشكل اليوم معالم بارزة في حياة الجزائر المستقلة تدعمت مع الوقت بأحداث تطور دستوري مهم أدى إلى إعادة هيكلة الحياة السياسية حيث انتقلت البلاد بموجبه بداية من سنة 1988 من مرحلة الحزب الواحد إلى التعددية السياسية والإعلامية.
في هذا الإطار قرر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مواصلة برنامجه الخاص بدعم النمو الذي انطلق في مرحلته الأولى ببرنامج دعم الإنعاش الاقتصادي الذي أسفر عن نتائج جد إيجابية كما تم اعتماد برنامج خماسي تكميلي لدعم النمو تقدر تكاليفه بستين مليار دولار أمريكي ويشمل خمسة محاور هي: تحسين ظروف المعيشة للمواطنين، تطوير المنشآت، دعم النمو الاقتصادي، تحديث الخدمة العمومية وترقية تكنولوجيات الاتصال الجديدة.
غير أن المحورين الأولين هما اللذان يشكلان الأولوية بالفعل حيث خصص لهما على التوالي 45.5 و40.5 في المائة من الإنفاق المالي الإجمالي وذلك لضرورة الإسراع في تصحيح النقائص الملحوظة في عدد من الميادين. ويشتمل البرنامج الأخير أيضاً على إنجاز مليون مسكن و17 مستشفى و55 مصحة إضافة إلى جملة من المشاريع تتعلق بتوفير مياه الشرب وإيصال الغاز والكهرباء إلى منازل المواطنين. كما تم الشروع في إنجاز مشاريع كبرى في مجال المنشآت القاعدية ومنها على الخصوص: تحديث السكة الحديدة للشمال بطول 1220 كيلومترا. تجهيز مترو العاصمة ودراسة إمكانية امتداده، إنجاز سلك التراموي في المدن الكبيرة. إنجاز ثلاثة مطارات جديدة، إنجاز الطريق السريع شرق - غرب (الحدود المغربية إلى الحدود التونسية) بطول 1213 كيلومترا. إنجاز ثمانية سدود جديدة تضاف إلى شبكة السدود المتوافرة.
وبالموازاة مع ذلك أعلن بوتفليقة في أيلول (سبتمبر) 2005 عن البرنامج التكميلي لتنمية الهضاب العليا الذي خصص له مبلغ إجمالي قدره تسعة ملايين دولار أمريكي. علما بأن الجزائر تتوافر على بنية أساسية قوية تشكل الأساس المتين لعملية النمو والتطور الجارية وتتمثل على الخصوص في: مائة ألف كلم من الطرق البرية المعبدة، 7500 كيلومتر تمثل شبكة السكك الحديدية. ثلاثون ميناء بحريا على ضفاف البحر الأبيض المتوسط حيث يبلغ طول الساحل الجزائري أكثر من ألف ومائتي كيلومتر. 35 مطارا 13 مطارا منها ترقى إلى المقاييس الدولية أما شبكة النقل الداخلي فهي جد متطورة. اثنان وستون جامعة ومركزا جامعيا يتخرج فيها سنويا عشرات الآلاف من حملة الشهادات العليا في التخصصات كافة التي يتطلبها سوق العمل. 1500 مركز للتكوين المهني عاما وخاصا. وتغطي الكهرباء نسبة 95 في المائة من عموم التراب الوطني الجزائري الممتد على مساحة تبلغ نحو مليونين و400 ألف كيلومتر مربع وتنتج الجزائر في هذا الخصوص ما يزيد على سبعة آلاف ميغاوات من الكهرباء. إضافة إلى بناء العديد من السدود الجديدة لتوفير مياة الشرب والري للمواطنين والاتجاه في الوقت نفسه إلى إنشاء 15 محطة لتحلية مياة البحر منها محطتان دشنتا قبل أشهر قليلة من الآن في كل من العاصمة ومدينة أرزيو، وتعتبر محطة العاصمة الأكبر من نوعها في إفريقيا. مما لا شك فيه أن هذه الإنجازات المهمة على مستوى البنية الأساسية قد وفرت بيئة مناسبة للاستثمار الوطني والأجنبي على أرض لا تزال بكرا بالنظر إلى قصر فترة تحول الاقتصاد الوطني من اقتصاد مركزي مخطط إلى اقتصاد السوق حيث بدأت الرساميل باحثة عن فرص الاستثمار الآمن والمضمون النتائج تفد إلى الجزائر لا سيما من الدول العربية الشقيقة ومن دول أوروبا وأمريكا الشمالية. علما بأن النشاط الاقتصادي الذي يستهدفه قطاع العمران وقطاع السياحة الذي لم تستغل إمكاناته الهائلة حتى الآن خصوصا أن البلاد تتوفر على شاطئ بحري يتميز بمناظر طبيعية خلابة إلى جانب السياحة الصحراوية التي تستطيع أن تضمن مردودا عاليا إذا ما أحسن استغلالها على الوجه المطلوب. وفي المجال الاجتماعي يمكن الإشارة باختصار شديد إلى أهم الانجازات التالية: ففي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي أقرت مجانية التعليم وإلزاميته من سن ست سنوات إلى سن 16 سنة. وجود ثلث سكان الجزائر البالغ عددهم 35 مليون نسمة في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانويات والجامعات بواقع 12 مليون بين تلميذ وطالب جامعي. يبلغ عدد الطلبة الجامعيين وحدهم مليون و200 ألف طالب وطالبة في مختلف التخصصات، وسيبلغ العدد الإجمالي لهؤلاء الطلبة سنة 2010 مليون ونصف المليون طالب وطالبة. يستفيد مجموع هؤلاء الطلبة من المنح الدراسية والتغطية الصحية والنقل المجاني والإطعام بسر رمزي (0.016 دولار أمريكي) للوجبة الواحدة إضافة إلى أن 50 في المائة منهم يستفيدون من الإيواء في الأحياء الجامعية.
وفي مجال الصحة والسكان تتولى الدولة مسؤولية حماية الصحة العامة للمواطنين عن طريق الوقاية من الأمراض ومكافحة الأوبئة والأمراض المعدية والتكفل بذوي الأمراض المزمنة إضافة إلى حماية الأمومة والطفولة وكذلك التكفل بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة ورعاية الشيخوخة والطفولة المسعفة. الاستمرار في دعم مكاسب الطب المجاني الذي تستفيد منه شرائح المجتمع كافة دون استثناء أو تمييز عبر المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية العمومية المنتشرة في مدن وقرى البلاد كافة. إن هذه السياسة الاجتماعية التي تنتهجها الدولة منذ الاستقلال إلى اليوم قد كرست مفهوم التضامن والتكافل الاجتماعي بين المواطنين الذي يعد أحد أبرز القيم الراسخة لدى شعبنا عبر تاريخه الطويل ويتدعم اليوم بمجهودات إضافية مهمة تبذلها جمعيات ومنظمات المجتمع المدني في مختلف المجالات بعد أن أصبحت الحاجة ماسة إليها لتغطي الكثير من العمل الخيري والنشاط الاجتماعي تعضيدا لجهود الدولة على هذا الصعيد.
يذكر أن عدد هذه الجمعيات والمنظمات يزيد على 55 ألف جمعية ومنظمة تم إنشاؤها واعتمادها في إطار قانون الجمعيات الوطني.
أما في خصوص العلاقات الجزائرية – السعودية فقد تحملت المملكة مسؤوليتها القومية كاملة في دعم الثورة الجزائرية ماديا ودبلوماسيا وسياسيا إلى أن تحقق لها الانتصار في سنة 1962 وهو جميل لن ينساه الشعب الجزائري للمملكة وقيادتها وشعبها. كان ولا يزال التواصل قائما على الدوام بين الشعبين الجزائري والسعودي من جهة وبين القيادتين الجزائرية والسعودية من جهة أخرى ما سمح بإقامة أفضل العلاقات بين البلدين التي تعمقت وازدادت رسوخا خاصة في ظل قيادتي عبد العزيز بوتفليقة رئيس الجزائر وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بما يوفرانه لها من إرادة سياسية قوية أدت إلى نموها وإطرادها بهذا الشكل الذي يدعو إلى الارتياح. ويجب التنويه في هذا الخصوص إلى ترسيخ سنة التشاور بين قائدي البلدين إزاء كل القضايا التي تهم سياسة البلدين وإلى تواصلهما المستمر تجاه ما يخدم المصلحة المشتركة للبلدين الشقيقين ويعزز من دورهما المشهود على الساحات العربية والإقليمية والدولية. وقد أثمرت الجهود الموصولة لتطوير العلاقات الثنائية القيام بعديد من الزيارات المتبادلة للمسؤولين إلى كل من البلدين ومن بينها الزيارات التي تدخل في إطار النشاطات متعددة الأطراف (جامعة الدول العربية – منظمة المؤتمر الإسلامي – الفضاءات الدولية ذات الطابع الاقتصادي). ومن أجل المضي بالعلاقات إلى آفاقها المرجوة عقدت اللجنة المشتركة الكبرى الجزائرية – السعودية اجتماعها السابع في الرياض منتصف شهر كانون الثاني (يناير) الماضي وانتهت إلى توقيع محضر تضمن تحديد الأولويات والنهوض بالعلاقات الثنائية إلى المستوى الذي ينشده البلدان في المجالات كافة. وتم التوقيع في الجزائر على آلية التشاور السياسي بين وزارتي الخارجية في البلدين لمناسبة زيارة الأمير سعود الفيصل إلى الجزائر منتصف شهر آذار (مارس) الماضي حيث ستعقد هذه الآلية اجتماعاتها بالتناوب في عاصمتي البلدين بغية تنسيق مواقفهما إزاء القضايا العربية والدولية ذات الاهتمام المشترك. في السياق ذاته أنتجت الإدارة السياسية لكل من الزعيمين حركية واضحة في تنشيط التعاون بين البلدين الذي مس قطاعات مختلفة مدنية وعسكرية إلى جانب تبادل الزيارات بين وفود رجال الأعمال الجزائريين والسعوديين بهدف استكشاف فرق الاستثمار وتكثيف التبادل التجاري بين الجانبين. كما كان للثقافة أيضاً نصيبها من هذه الديناميكية تمثلت في إقامة فعاليات الأسبوع الثقافي الجزائري في المملكة خلال نيسان (أبريل) 2007 وفعاليات الأسبوع الثقافي السعودي في الجزائر في كانون الأول(ديسمبر)2007 وهما تظاهرتان من شأنهما الاسهام في زيادة الروابط الثقافية بين البلدين ودعمها وتوطيدها لصالح الشعبين الشقيقين الجزائري والسعودي - وتمثلت هذه الديناميكية أيضاً في مشاركة الجنبين في المؤتمرات والمعارض والتظاهرات الثقافية والمباريات الرياضية المنظمة في البلدين.

الأكثر قراءة