الأربعاء, 30 أَبْريل 2025 | 2 ذو القَعْدةِ 1446


الصناديق السيادية توجه 37 % من استثماراتها لأمريكا و32 % لأوروبا

تشهد الأرصدة المتوافرة في صناديق الثروة السيادية زيادات مستمرة، حيث تقدر الأموال التي تستثمرها هذه الصناديق في الوقت الراهن بنحو 3,6 تريليون دولار. ومن المتوقع – وفق تحليل أعده "دويتشه بنك" - أن تبلغ الزيادة السنوية في موجودات هذه الصناديق السيادية 15 في المائة، وأن يبلغ ما لديها من موجودات ما قيمته خمسة تريليونات دولار بحلول عام 2010، وأن يتضاعف هذا المبلغ ليصل إلى عشرة تريليونات دولار بحلول عام 2015.
وتركز السياسات الخاصة باستثمار أموال هذه الصناديق السيادية في الوقت الراهن على زيادة مستوى الشفافية، وانتهاج السياسات المفتوحة، وتحسين مستوى الإدارة، حيث إن القبول المتزايد لاستثمارات هذه الصناديق في الدول المتلقية لهذه الاستثمارات، يعمل على تهدئة تلك الضجة التي كانت تتزايد كلما تراكم المزيد من الأرصدة في تلك الصناديق.
والواقع أن هذه الصناديق هي مؤسسات مالية مملوكة من قبل الحكومات. وتعمل كصناديق توازن، وصناديق ادخار من أجل أجيال المستقبل، إضافة إلى كونها مؤسسات استثمارية يتعلق عملها باستثمار الاحتياطيات المالية، كما أن من الواضح أن لها دورا تنمويا متزايد الأهمية. وهي من خلال قيامها بكل ذلك إنما تعد مؤسسات يكمل عملها عمل مؤسسات الدولة الأخرى ذات الارتباط بالشؤون المالية، مثل البنوك المركزية، وبنوك التنمية، وصناديق التعاون. كما أنها رديف قوي لإمداد الشركات التابعة للدولة بالتمويل للأغراض الاستثمارية.
واستقطبت صناديق الثروة السيادية المزيد من الاهتمام والتركيز خلال الفترة الأخيرة، حيث انشغل بها صانعو الصفقات المالية، وصانعو السياسة، والاقتصاديون، إضافة إلى المجتمع الأكاديمي، وبالذات اعتباراً من منتصف العام الماضي، حيث بدأ دور هذه الصناديق في البروز لتصبح من بين اللاعبين الرئيسيين على الساحة المالية العالمية.
وكان لا بد في ظل كل تلك الضجة العامة التي نشأت عن هذا التطور السريع، من إجراء تحليلات واقعية لتركيب هذه الصناديق، وأهدافها، ووسائل استثماراتها، وأثرها في التوازن المطلوب في الأسواق المالية العالمية.
وأدت هذه التطورات المتسارعة إلى لجوء عدد من الدول إلى إدخال تعديلات واسعة على سياساتها الاستثمارية، كما أن هذه الصناديق اتبعت سياسات استثمارية متعددة، ودخلت بقوة في نطاق الاستثمار المالي، وغير ذلك من قطاعات الاستثمار.
وهنالك تركيز في الوقت الراهن على هذه الصناديق بعد أن رفعت مجموعة العمل الدولية لصناديق الثروة السيادية تقريرها إلى صندوق النقد الدولي، في خريف هذا العام، حيث تضمن عدداً من المبادئ والممارسات المقبولة، واشتمل كذلك على تحديث للأرقام المتعلقة بالتطورات التي تشهدها الأسواق المالية العالمية. كما قدم التقرير تحليلاً إضافياً حول تكوين هذه الصناديق، ووسائل عملها. واشتمل التقرير، إضافة إلى كل ذلك، على مراجعة لمبادرات السياسات الماضية التي تم إطلاقها خلال الأشهر القليلة الماضية. وهنالك الكثير من المساعي المشتركة الهادفة إلى جعل استثمارات هذه الصناديق تستمر بسلاسة، على أن تبقى أحد مصادر الاستقرار اللازم لعمل أسواق المال العالمية. وهنالك تركيز على توضيح قواعد التسهيلات العملية التي يمكن لهذه الصناديق السيادية أن تتمتع بها في الدول المستضيفة لها. ويلاحظ أن الوضع يتجه إلى اعتبار هذه الصناديق مؤسسات استثمارية تعمل في الإطار المؤسسي، مع مراعاة عدد من الاعتبارات الخاصة بها.
ولا شك أن الارتفاعات الكبرى التي شهدتها أسعار عدد من السلع في العام الماضي، وأوائل العام الحالي، كانت سبباً رئيسياً في ازدياد قوة الصناديق السيادية، وبالتالي فإن هنالك الكثير من المبررات وراء هذا الجدل القائم حولها، وهذه المناقشات والمباحثات المتعلقة بدورها، وطريقة إدارتها لاستثماراتها المتعددة في مناطق متعددة من العالم. وبرز عدد من الصناديق التابعة لدول عربية بين القائمة المتزايدة من هذه الصناديق عالمياً، حيث نجد أن لدى دول مجلس التعاون الخليجي استثمارات متزايدة في نطاق عمل هذه الصناديق السيادية. ومن أمثلة ذلك سلطة الاستثمار في أبو ظبي التي تقدر موجوداتها المالية بنحو 875 مليار دولار أمريكي، وسلطة الاستثمار في الكويت التي تقدر موجوداتها المالية بـ 264 مليار دولار، ومؤسسة استثمار دبي التي تقدر موجوداتها المالية بـ 82 مليار دولار، وسلطة الاستثمار في قطر التي تقدر موجوداتها بـ 60 مليار دولار، وشركة ممتلكات القابضة في البحرين (10 مليارات دولار)، وشركة عالم الاستثمار في دبي (10 مليارات دولار)، وسلطة الاستثمار في رأس الخيمة (1,2 مليار دولار)، وشركة مركز دبي المالي الدولي للاستثمار (غير معروف)، وسلطة الاستثمار في الإمارات (غير معروف).
ويقدر عدد صناديق الاستثمار السيادية في العالم بـ 64 صندوقاً تدير نحو 3,6 تريليون دولار أمريكي. وتدير أكبر عشرة صناديق منها مبالغ تزيد على 100 مليار دولار لكل منها. وتعتبر سلطة الاستثمار في أبو ظبي أكبر هذه الصناديق، على الإطلاق، حيث تدير مبلغاً يصل إلى 875 مليار دولار، أي نحو ربع قيمة ما تديره كل الصناديق من أموال استثمارية.
وتمتلك الصناديق العائدة إلى دول منطقة الشرق الأوسط نحو 46 في المائة من قيمة الموجودات الخاصة بكل الصناديق، أي أنها تدير نحو 1,6 تريليون دولار. ولا شك أن الأرقام التي تديرها هذه الصناديق في هذه المنطقة من العالم أعلى من ذلك، نظراً لعدم توافر بيانات حديثة عن العديد من هذه الصناديق. ومن أمثلة ذلك الصناديق العاملة في دبي، حين هنالك تكهنات مختلفة حول مجموع ما تمتلكه تلك الصناديق من أموال، وبالتالي فإن التقديرات الحالية لا تشمل مثل تلك المبالغ. وهنالك أرقام قديمة تتعلق بما تملكه صناديق متعددة تابعة لعدد من دول الشرق الأوسط. وتأتي آسيا بعد الشرق الأوسط بحصة تبلغ نحو تريليون دولار، ثم روسيا والنرويج بمجموع يبلغ نحو 0.6 تريليون دولار، ثم إفريقيا بمبلغ يقدر بـ 0.2 تريلون دولار. ولعل من أبرز التطورات الجديدة على صعيد هذه الصناديق ما شهده العالم من بروز كبير لكل من روسيا، والصين، على الخريطة العالمية.
وتتنوع استثمارات هذه الصناديق بصورة كبيرة، حيث ينبغي التزام المزيد من الحذر عند تحليل مجالات هذه الاستثمارات. ويلاحظ أن صناديق الثروة الآسيوية تقود عملات الاستثمار في العالم، حيث إنها الأنشط من غيرها من الصناديق، إذ أدارت هذه الصناديق 66 في المائة من عمليات الاستثمار الخاصة بصناديق الثروة السيادية منذ عام 1995. وتأتي بعد ذلك الصناديق الخاصة بدول الشرق الأوسط.
وتعد المؤسسات والشركات القائمة في كل من الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، بمثابة الأهداف الاستثمارية الرئيسية لصناديق الثروة السيادية، حيث إن 37 في المائة من الاستثمارات توجهت نحو شركات أمريكية، بينما بلغ نصيب دول الاتحاد الأوروبي 32 في المائة من هذه الاستثمارات. وهنالك أسباب أخرى كذلك أهمها توافر تشكيلات واسعة للغاية من الفرص الاستثمارية في هذه الدول العريقة في الممارسات الاستثمارية. والحقيقة أن معظم الاستثمارات المسجلة من جانب هذه الصناديق بعد عام 1995، تمت خلال العامين الماضيين، حيث تقدر بعض الجهات المختصة بمتابعة دورات نشاط الصناديق السيادية أن استثماراتها في هذين العامين شكلت نحو ثلثي مجموع استثماراتها القائمة منذ عام 1995. ويعكس هذا التوسع الكبير الاندفاع غير العادي للاستثمار في المؤسسات المالية في الولايات المتحدة، وكذلك في دول الاتحاد الأوروبي. ويلاحظ في الوقت ذاته أن استثمارات هذه الصناديق في الأسواق الآسيوية شهدت حالة من التراجع المستمر منذ عام 2005.
وظلت الأسواق المالية عموماً الهدف الاستثماري الرئيسي لصناديق الثروة السيادية، حيث كان نصيبها من مجموع الاستثمارات المسجلة منذ عام 1995 نحو 109,8 مليار دولار أمريكي. وجاء بعد ذلك قطاع الطاقة ومصادرها المتعددة بمجموع 16,6 مليار دولار، ثم قطاع الخدمات (خارج نطاق الخدمات المالية) بمبلغ وصل إلى 10,7 مليار دولار. وجاءت التكنولوجيا بعد ذلك بمبلغ 8,8 مليار دولار، تليها مشاريع البنية التحتية بمبلغ 8,7 مليار دولار، ثم الصناعة عموماً بمبلغ 6,3 مليار دولار، لتأتي بعد ذلك بنود متفرقة بمبلغ 3,2 مليار دولار، ثم الدفاع بمبلغ 0.8 مليار دولار، وأخيراً الزراعة بمبلغ 0.4 مليار دولار. ولعل أبرز ما يلاحظ في هذه الأرقام أن الاستثمار في الصناعات الدفاعية ليس وجهة مفضلة لصناديق الثروة السيادية.
أما داخل الاتحاد الأوروبي، فيلاحظ أن المملكة المتحدة كانت على رأس الدول التي استقبلت الاستثمارات من جانب صناديق الثروة السيادية منذ عام 1995، حيث بلغ نصيبها 26 مليار دولار، من تلك الاستثمارات. وتبلغ الاستثمارات في القطاع المالي وحده 16 مليار دولار أو نحو ثلثي مبالغ استثمارات هذه الصناديق السيادية في المملكة المتحدة، خلال فترة الدراسة المذكورة . وكان نصيب دول الاتحاد الأوروبي من استثمارات صناديق الشرق الأوسط 52 في المائة من مجموع ما يلقاه من استثمارات الصناديق، في حين بلغت استثمارات الصناديق الآسيوية فيه، نحو 48 في المائة من المجموع، أي أن هنالك نوعاً من التوازن فيما يتعلق بتدفقات استثمارات صناديق آسيا، وصناديق الشرق الأوسط، نحو دول الاتحاد الأوروبي.
ويلاحظ على صعيد الاستثمار في الولايات المتحدة أن استثمارات صناديق الثروة السيادية كانت تصب في معظمها في قطاع أوراق الرهن العقاري، خلال العامين الماضيين. وهنالك تحيز استثماري كبير كقطاع الخدمات المالية على حساب الصناعة، والخدمات الأخرى، والسلع، وموارد الطاقة. وتتحكم في تحركات أموال صناديق الثروة السيادية خلال الفترة الأخيرة عدة عوامل أهمها:

* توافر السيولة بمقادير كبيرة لدى عدد من تلك الصناديق بسبب الزيادات التي شهدتها أسعار كثير من السلع.
* جاذبية القطاع الاستثماري، والتسهيلات التي يمكن أن تتيحها الفرص الاستثمارية في الدول المستقبلة للاستثمار، أمام صناديق الثروة السيادية.
* تراجع أسعار الأسهم، حيث إن ذلك مثّل فرصاً رأت الصناديق السيادية أنها فريدة من نوعها لشراء أكبر عدد من الأسهم، بأسعار متدنية للغاية، على أمل الاستفادة من فروقات أسعارها فيما بعد، حيث إن معظم استثمارات صناديق الثروة السيادية هذه إنما تأخذ الأجل الطويل بعين الاعتبار.
* الفرص الاستراتيجية، حيث رأت الإدارات المشرفة على استثمارات صناديق الثروة السيادية أن امتلاك حصص مختلفة في مؤسسات استثمارية بارزة، إنما يمثل ميزة استراتيجية كبرى.
* المنافع على صعيد السمعة، حيث أدى التوسع غير العادي في النشاطات المتعلقة بالخدمات المالية في كل من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، إلى اجتذاب عدد كبير من صناديق الثروة السيادية التي سارت مع ارتفاع المد في تيار الخدمات المالية، وخصصت بالتالي الكثير من أموالها المعدة لأغراض الاستثمار، للاستثمار في تلك المؤسسات المالية.
غير أن التطورات الأخيرة في الأسواق العالمية تشير إلى أن اندفاع صناديق الثروة السيادية في العالم نحو الأسواق المالية الأمريكية، والأوروبية، بلغ الذروة، وأنه في طريقه إلى التراجع بسبب عدة عوامل أبرزها.
* الحرص الشديد على تنويع المحافظ المالية تجنباً لأخطار الوقوع في فخ التركيز على قطاع واحد، أو قطاعات استثمارية محدودة.
* المخاطر الاستثمارية، هنالك تطور كبير تشهده إدارة مخاطر الاستثمار في الوقت الراهن، حيث ينتظر أن تسود عقلانية أهدأ أجواء الاستثمار العالمي، ويتم بالتالي التقليل من الاندفاع الشديد لقبول المخاطر غير المحسوبة.
* استمرار عدم اليقين على مستوى الأسواق المالية، حيث يتوقع معظم المحللين أن تظل حالة عدم الاستقرار، وأوضاع التذبذب الشديد، السائدتين على مستوى أسواق الأوراق المالية في العالم. ويلاحظ كذلك أن توزيع المخاطر لا يزال أمراً يكتنفه الكثير من الغموض.

الأكثر قراءة