الحمامات الشامية: نصائح ومحاذير
في ظاهرة جديدة على المجتمع السعودي قامت بعض المراكز الرياضية الخاصة في الرياض باستحداث قسم خاص للحمام الشامي ضمن أقسامها المتعددة. وتتشابه هذه الحمامات مع الحمامات الأصلية في الشام بشكل كبير من حيث أقسامها وعملية الاستحمام فيها. وعن ذلك يقول أحمد محفوظ ''سوري 30 عاماً'' وهو مشرف على أحد هذه الحمامات في الرياض: ''هذه الحمامات هي نفسها التي في الشام لكنها أصغر حجماً، وتختلف من حيث مسميات أقسامها، ومن حيث بعض العادات التي يقوم بها السوريون في أثناء ارتيادهم لها''.
هذه الحمامات: شامية أم مغربية؟
صالح المغربي يعمل هو الآخر في أحد هذه الحمامات في الرياض. حول علاقته بالحمامات الشامية، وهو مغربي الجنسية، يقول صالح: ''هذه الحمامات لا يقتصر وجودها على الشام فقط إذ إنها موجودة في المغرب من قديم الزمان وفكرتها واحدة سواءً في المغرب أم في الشام، فكلها تعتمد على فكرة تعريض الجسم للبخار حتى يتلين، ثم تتم عملية التلييف بليفة خاصة تزيل الدهون والترسبات وإفرازات الجسم، وهذا بدوره يؤدي إلى تنشيط الجسم، وتبييض البشرة''.
قبقاب غوار
من الأشياء التي يرتديها الزبون في الحمام الشامي ''القبقاب'' وهو حذاء خشبي يصدر صوتاً مميزاً في أثناء السير به على أرضية الحمام الحجرية، ومن منا لا يذكر قبقاب ''غوار'' في ''حمام الهنا''؟ يقول أحمد محفوظ: ''هذا ''القبقاب'' من تراث الحمامات الشامية، وما زال موجوداً إلى الآن، بل ونستخدمه هنا في السعودية، وهو من الأشياء التي تدخل السرور في نفوس زبائننا، فكثيرا ما يأتي زبون مع أصدقائه ويرتدون ''القبقاب'' ويسيرون به بطريقة مضحكة وهم ''يطقطقون'' به على الأرض، ويتمازحون برش الماء على بعضهم وهم يركضون بهذه القباقيب''. والحكمة من لبس هذه ''القباقيب''، كما يقول أحمد محفوظ، هي إصدار الصوت، فإذا مشى الزبون ''بقبقابه'' سمع العاملون صوته فيهبون لخدمته.
فرقة موسيقية في الحمام
وعن عادات أهل الشام في هذه الحمامات يقول أحمد: ''الحمامات هي المكان المفضل لتجهيز العرسان في سوريا وعندما يحضر العريس يأتي معه من عشرين إلى ثلاثين شخصاً من أقاربه وأصدقائه، كلهم يستحمون، ثم يقومون بأداء ''العراضة'' أي زفة العريس في الحمام، وأحيانا تقام بعض الحفلات في الحمام، ويتم إحضار فرقة موسيقية لإدخال السرور في نفوس المحتفلين''. ويضيف أحمد قائلاً: ''هنا لا توجد هذه الأمور. فالزبون ينصرف فور انتهاء الغسيل'' وعن أجرة هذه الحمامات يقول: ''الأجرة تختلف من حمام إلى آخر، لكنها تراوح بين السبعين والمائة ريال، وهو مبلغ جيد ومناسب''.
الصحة أولا
الحمامات، كما رأينا، يدخلها أي شخص دون معرفة حالته الصحية، وهو في هذه الحمامات يختلط بأناس آخرين أيضاً لا يعرف مدى خلوهم من أمراض معدية. ترى.. ألا يثير هذا تخوفا من تحول هذه الحمامات إلى مكان لانتقال هذه الأمراض؟ يقول أحمد: ''نحن نحرص كل الحرص على نظافة المكان، وكل زبون له أدواته الخاصة التي تستخدم لمرة واحدة فقط: فله ليفة وصابونة وكيس كلها تُرمى مباشرة بعد استخدامها، كما أننا نقوم بتنظيف غرفة التلييف بعد كل زبون ونطهرها بـ ''الديتول''. ويضيف صالح المغربي إلى ذلك قوله: ''نقوم أيضاً بتعقيم المناشف، كما يجب على العامل الذي يليف الزبون أن يكون خبيراً ببشرة زبونه فإذا كانت رقيقة يتعامل معها برفق، كذلك إذا وجد زبونا لديه حبوب في جسمه يتعامل معه أيضاً برفق حتى لا يجرح هذه الحبوب فيخرج من الزبون دم قد يعدي من يلامسه، وفي حالة عدم خروج الدم لا أرى أية خطورة، علماً أن هذه الحالات نادرة جداً، وأنا أعمل في هذه المهنة منذ سبع سنوات ولم أتعرض لشيء ولله الحمد، وفي النهاية ''ربنا هو اللي بيحمي''. وعن وجود فحص طبي دوري للعاملين في الحمام يرى أحمد أنه لا داعي لذلك فنحن، كما يقول، نعمل في مكان كله ''نظافة في نظافة''. أما عن وجود جهة تشرف على نظافة هذه الحمامات فيقول أحمد: ''البلدية تشرف على المحل ككل، كما أن إدارة المركز حريصة على نظافة الحمام، ومراقبتها مستمرة، وأنا في النهاية أتحمل كل المسؤولية هنا؛ ولذلك تهمني نظافة المحل حتى يثق الزبون بنا''.
الزبائن: بشرتنا تتجدد هنا
الشاب عبد المحسن الغامدي أحد الزبائن الدائمين لهذه الحمامات فهو يرتادها كل أربعة أشهر تقريباً، يتحدث عبد المحسن عن سبب مداومته عليها فيقول: ''أرى في ذلك تجديداً للبشرة، ومن أهم ما يميز هذه الحمامات أنها شديدة النظافة، وأصحابها مهتمون بها بشكل ملحوظ''. وحول مدى الإقبال عليها من قبل معارفه وأصدقائه يقول:''لاحظت أن الإقبال عليها جيد، فغالب أصدقائي يرتادونها، وأنا الآن أنتظر أحد أصدقائي هنا؛ إذ إننا تواعدنا على الحضور سوية''. وعن وجود فرق بين الاستحمام في المنزل والاستحمام في هذه الحمامات يقول عبد المحسن: ''الفرق واضح: فالإمكانيات هنا كبيرة، أما في المنزل فمحدودة، هنا تجد ''الساونا'' والتدليك والعمال الذين لديهم قدرة جيدة على تنظيف الجسم''.
اللاعب عمر الغامدي: كثرة الاستحمام تضعف اللياقة
في أحد هذه الحمامات ضبطت ''الاقتصادية'' لاعب المنتخب السعودي لكرة القدم ولاعب نادي الهلال عمر الغامدي وهو يهم بدخول الحمام مرتدياً مناشفه. حاولنا تصويره لكنه رفض، فاستجبنا احتراماً لرغبته. يذكر اللاعب عمر الغامدي سبب وجوده في هذا الحمام قائلاً:''بصراحة أنا من مرتادي هذا الحمام كل فترة، لما فيه من نظافة جيدة للجسم، كما أن فيه تجديدا للنشاط''. ويؤكد عمر الغامدي أن أطباء النادي ينصحون بارتياد هذه الحمامات لما فيها من فوائد جمة على جسم الإنسان، لكنهم يحذرون اللاعبين في الوقت نفسه من كثرتها، لأن كثرة التعرض للبخار تضعف من لياقة الرياضيين؛ لذلك - والكلام للغامدي - فإنني لا أحضر إلى هنا إلا مرة واحدة في الشهر أو مرتين على أعلى تقدير. وحول ثقته بنظافة هذه الحمامات يقول عمر الغامدي: ''لدي ثقة مطلقة في نظافة هذا الحمام، ولولا نظافة هذا المحل وإمكاناته الكبيرة لما رأيت فيه هذا العدد من الزبائن''. وينصح اللاعب الدولي الشباب بزيارة هذه الحمامات، ويقول: ''لو لم أقتنع بها لم أنصح أحداً بذلك، لكنني لمست شخصياً منافعها الكثيرة، وما أحبه لنفسي أحبه لغيري''.
رأي الأطباء
حول هذه الحمامات وفوائدها يقول الدكتور ياسر بن عبد العزيز القبيسي - أخصائي الأمراض الجلدية بمستشفى القوات المسلحة بالرياض-: ''لاشك أن لهذه الحمامات فوائد صحية عديدة من أهمها: مستوى التنظيف العالي للجسم، كما أن في التدليك تنشيطا للدورة الدموية في الجسم''. لكن الدكتور القبيسي يحذر في الوقت نفسه من التهاون في قواعد السلامة الصحية في هذه الحمامات، فيقول: ''هذه الحمامات يتجمع فيها أناس كثيرون، وفي حالة عدم الاهتمام بالقواعد الصحية الصحيحة فيها فمن الممكن أن تكون هناك احتمالية عالية جداً لانتقال الأمراض المعدية، ومن ضمنها فيروس الكبد الوبائي الذي ينتقل في حال خروج دم إثر جرح من حامله وربما وجد جرح صغير في العامل لم ينتبه له وفي هذه الحالة ينتقل إليه الفيروس بشكل سريع، ومن الممكن أيضاً انتقال الأمراض الجنسية التي تنتقل عن طريق ملامسة المرضى أو ملامسة الأدوات التي يستخدمونها، كما يوجد احتمالية لانتقال بعض أمراض الجلد مثل ''الثآليل'' التي تنتقل إلى الآخرين بسهولة شديدة''. ويضيف قائلاً: ''لو وجد زبون يعاني من طفح جلدي فالعاملون لا يستطيعون تشخيصه: هل هو طفح معدٍ أم غير معدٍ؟ ويفضل في مثل هذه الحالة أن يعتذر العامل عن التعامل مع صاحبها، وينصحه بزيارة طبيب للأمراض الجلدية''. وعن الوسائل الواجب اتباعها لمنع حدوث العدوى في مثل هذه الحمامات يقول الدكتور القبيسي: ''لابد من خطوات كبيرة لمنع انتقال العدوى. من أهمها موقع الحمام نفسه وجاهزيته من ناحية تصريف المياه بشكل سليم بحيث لا يتحول إلى بؤرة للجراثيم، وكذلك يجب أن يكون مستوى النظافة في هذه الحمامات عالياً جداً، لذلك لابد من وجود جهة تشرف على مستوى النظافة فيها، ويجب أن يكون المشرفون على هذه الحمامات من ذوي التدريب الصحي العالي سواءً كان هؤلاء من وزارة الصحة أو من وزارة الشؤون البلدية، ومن الأمور المهمة أيضاً إخضاع جميع العاملين في الحمام إلى فحص طبي دوري كل ستة أشهر، ويكون هذا الفحص على جميع الأمراض الفيروسية والجنسية، كما يجب أن تستخدم أدوات الحمام من أدوات حلاقة إلى ليف وصابون لمرة واحدة، أما المناشف فالأفضل أن يحضر الزبون مناشفه الخاصة معه''.