شركات الوساطة المالية تمهد لقيام البورصة السعودية

يبدو أن هيئة السوق المالية أضافت لبنة مهمة ورئيسة في بناء البورصة السعودية التي طال انتظارها، بترخيصها لثلاث شركات سعودية لممارسة نشاط الوساطة المالية كوكيل في أعمال الأوراق المالية، ومن ضمنها الترتيب، والتعهد بالتغطية والإدارة والحفظ وتقديم المشورة في السوق السعودية.
لسنوات طويلة كانت البنوك السعودية تقوم بدور الوساطة في سوق الأسهم خالطة بذلك أدوارها التجارية بالاستثمارية ما جعلها عرضة للانتقادات المتتالية من رجال الاقتصاد والخبراء في الأسواق المالية، وإن كان بعض الانتقادات الموجهة للبنوك ينطبق عليه قول الخليفة الراشد " كلمة حق أريد بها باطل", على افتراض أن أكثر تلك الانتقادات أتى من جهات تطمح لأخذ حصتها من سوق الوساطة السعودية. على النقيض من ذلك كانت السلطات المالية تنعم بهدوء تام حيال هذه القضية، ليس تجاهلا أو قصورا منها، بل لأنها كانت أكثر العارفين بقدرة البنوك الفائقة في تنفيذ الجزء الأكبر من أدوار البورصة السعودية الغائبة، وأن تلك البنوك تقوم بدور فعال وحيوي لملء مرحلة مهمة من مراحل التدرج نحو تأسيس البورصة السعودية بشكلها النهائي. خلال السنوات الماضية حققت البنوك السعودية نجاحا في تسيير البورصة الإلكترونية وتنفيذ عمليات الوساطة في السوقين الأولية والثانوية على حد سواء. لم تخل تلك السنوات من بعض القصور الذي كان نتيجة حتمية للنمو الكبير الذي شهدته سوق الأسهم السعودية. لذا استمر الصمت الرسمي حيث قدر له أن يمضي قدما مع تطوير أنظمة السوق المالية وتهيئة الشركات القادرة على القيام بمهمة الوساطة المالية على أكمل وجه, خصوصا أنها تمثل الشريان الرئيس الذي تنتقل من خلاله عمليات السوق.
بهدوء، وبعد أن هيأت الإمكانيات لإنجاح القرار المصيري، أعلنت هيئة السوق المالية قرارها بالترخيص " للشركة السعودية السويسرية للأوراق المالية"، "أصول المالية"، و"إتش. إس. بي. سي العربية السعودية المحدودة", وبممارسة نشاط الوساطة المالية في السوق السعودية محققة نقلة نوعية في السوق المالية. المتمعن في مؤسسي الشركات المصرح لها ربما يشعر بحجم المعاناة التي تحملتها هيئة السوق المالية قبل إصدارها تراخيص الوساطة الجديدة, خصوصا فيما يتعلق بطلبات رجال الأعمال النافذين. بغض النظر عن قرارات الموازنة بين الكفاءة والخبرة من جهة والنفاذ من جهة أخرى إلا أنه يبدو واضحا حرص هيئة السوق المالية على توافر عنصري الخبرة والكفاءة المالية والتقنية في شركات الوساطة؛ يظهر ذلك جليا في الترخيص لشركة إتش. إس. بي. سي العربية السعودية المحدودة التي يمتلك أسهمها بنك إتش إس بي سي البريطاني بواقع 60 في المائة والبنك السعودي البريطاني بواقع 40 في المائة، حيث يجتمع في هذه الشركة المعرفة التامة بسوق المال السعودية والكفاءة من خلال البنك السعودي البريطاني إضافة إلى التقنية والخبرة في الأسواق المالية والكفاءة المالية والاستشارية التي يتصف بها بنك إتش إس بي سي البريطاني. ثم تأتي، في المرحلة الثانية الشركة السعودية السويسرية للأوراق المالية التي يمتلك فيها بنك كريدتس سويس السويسري 16 في المائة. البنكان العالميان والبنك المحلي تمثل صمام الأمان للنقلة النوعية التي أقرتها هيئة السوق المالية، وعليهما تعلق آمال النجاح الفوري لعمليات الوساطة في السوق السعودية. الأيام المقبلة حبلى بالأخبار ولعلنا ننتظر من باقي البنوك السعودية تكوين شركات وساطة أخرى أو لعلها تكون شركة واحدة ذات رأسمال مرتفع تدخل فيها البنوك المحلية بنسبة 50 في المائة وتطرح الـ 50 الأخرى للاكتتاب العام. مساهمة المواطنين في رساميل شركات الوساطة كفيلة بتوزيع الأرباح الضخمة المتوقع تحقيقها في سوق الوساطة على أكبر عدد من المواطنين، أسوة بالوضع القائم حاليا, فأرباح الوساطة التي تحققها البنوك يعود معظمها للمساهمين السعوديين، ومن الظلم أن يحرم قطاع واسع من المساهمين من أرباح الوساطة المتوقعة لمصلحة عدد محدود من رجال المال والأعمال والشركات الأجنبية.
دخول شركات الوساطة المالية سيوسع من دائرة السوق وسيحقق عنصر المنافسة الأمر الذي سينعكس إيجابا على الأداء والأسعار وكفاءة الاستشارات المالية وسيساعد كثيرا على نقل الخبرات العالمية إلى السوق المحلية من خلال شراكة البنوك الأجنبية، وسيمهد, بإذن الله, لقيام البورصة السعودية ككيان مستقل يمثل الواجهة الحضارية للقطاع المالي في السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي