سوالف في المنامة عن التنمية المستدامة

سوالف في المنامة عن التنمية المستدامة

اطلعت على توصيات ندوة مجلس الأعمال العرب الذي استضافته المنامة الأسبوع الماضي وكانت الرسالة قوية وواضحة, لا بد من إحداث تغيرات جذرية في السياسات الاقتصادية في الوطن العربي لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة. التنمية المستدامة هي ببساطة أن يشمل قرار التنمية الأبعاد الاجتماعية والبيئية إلى جانب الأبعاد الاقتصادية وأن تفي باحتياجات الحاضر دون المجازفة بقدرة أجيال المستقبل. وتركز مبادئ التنمية المستدامة على أهمية المشاركة الاجتماعية, رجالاً ونساءً, والمساواة الاقتصادية التي تربط النظم الاجتماعية والبيئية والاقتصادية وتشجيع التعددية وسيادة القانون والمحافظة على النظم والموارد الطبيعية. كما اتسع تعريف التنمية المستدامة لتشمل تحقيق التحول في القاعدة التكنولوجية للحضارة الصناعية وإحراز تقدم في المجالات الاقتصادية والبشرية والبيئية والتقنية على المدى البعيد.

إقليميا، واجهتنا عدة تحديات في مسيرة تطبيق التنمية المستدامة ومن أهمها الحرب الإيرانية ـ العراقية والاحتلال العراقي للكويت والوضع في العراق بعد تحرير الكويت إلى الوقت الحاضر والنمو السكاني السريع والنقص في الخبرات الفنية. ولكن يجب أن نعترف أننا نحن أيضاً أسهمنا بوضع العقبات الأسمنتية والأسلاك الشائكة في طريق التنمية من خلال عدم قدرة الأجهزة التعليمية التقليدية على تخريج أعداد كافية من المواطنين المؤهلين لتلبية احتياجات التنمية والتحدي الاجتماعي المتمثل في تحجيم وضع المرأة وإسكات أصوات الشباب وعدم تشجيع التعددية وبطئ عملية التنمية الصناعية واعتماد اقتصادنا بشكل شبه كامل على إنتاج النفط الخام والغاز. إذا كنا في السعودية حقاً جادين في الانضمام إلى مسيرة التنمية المستدامة فلا بد من دعم تحويل مجتمعنا إلى الاقتصاد المعرفي وتشجيع انتشار التقنية واستخدام شبكة الإنترنت ونشر خدمات التعاملات الإلكترونية وتأهيل الكوادر البشرية لاستخدام التقنية وإنشاء صناعة معلوماتية حديثة.

إذا كنا حقاً جادين في تطبيق خطة التنمية المستدامة فعلينا أولاً وضع برامج عملية مقرونة بجداول زمنية وأهداف كمية لتحقيقها. لا بد من الاعتراف أن قصائد ومعلقات الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية التي مابرحنا نُغَرد بها ليلاً ونهاراً قد تكون جيدة ولكنها غير كافية وفي بعض الأحيان قد تكون غير مجدية. على سبيل المثال قرارات إقامة منطقة تجارة خليجية حرة وإقامة الاتحاد الخليجي الجمركي وتبني برنامج إنشاء السوق الخليجية المشتركة والسماح لمواطني دول المجلس بممارسة النشاط الاقتصادي والحصول على القروض الصناعية تحت مظلة خليجية واحدة مازالت تحت بند الموشحات التراثية ولم تتحقق كلياً ومازالت تحتاج إلى المراجعة الدورية.

نتحدث عن السماح للبنوك الوطنية بفتح فروع لها في دول المجلس ولا يوجد في السعودية إلا بنك خليجي واحد أو اثنين، ونتحدث عن تحقيق الاتحاد النقدي والعملة الخليجية الموحدة ومابرحنا نخترع المبررات لتأجيل تطبيق هذه الأحلام. نتحدث عن تبني استراتيجيات براقة لتكون منطلقا للسياسات الوطنية في الدول الأعضاء وما برحنا نخترق هذا التوجه النظري ونبرم الاتفاقيات الفردية هنا وهناك. نتحدث عن أهمية اتفاقيات التخطيط والتنمية والسكان والصناعة والنفط والمياه ومابرحنا نماطل ونؤجل تطبيقها عملاً بمقولة "العجلة من الندامة". نتحدث عن خطط إنشاء شبكة الربط الكهربائي وإنشاء سكة حديد وأخرى للربط المائي بين دول المجلس وكذلك التعاون الفني في التقنية البنكية ومازلنا في مرحلة الحديث الإعلامي الرسمي "اللي ما يجيب ولا يودي". باختصار، أغلب ما نشاهده ونلمسه اليوم هو مؤتمرات فاخرة وندوات وتصريحات مكررة ودراسات بالكوم تتصدرها بشوت البيروقراطية وعدسات التلفزيون الدعائية.

إذا كنا حقاً جادين في تطبيق خطة التنمية المستدامة فعلينا توفير عوامل مهمة وأساسية لتحقيق هذا الهدف. لا بد من تحسين بيئتنا الاستثمارية وتشجيع المناخ لجذب المزيد من الاستثمارات الوطنية والخليجية والأجنبية وزيادة قدرتنا التنافسية. لا بد من تطبيق سياسات تهدف إلى تنويع مصادر الدخل والحد من الاعتماد على "مونوبولي" المورد الواحد. مازلنا نتخوف من فتح قنوات الاستثمار الداخلي والانفتاح على العالم تارة بحجج فتاوى عقيمة وتارة بحجج بيروقراطية وهذا ما يؤكده هروب الأموال إلى الخارج تأكيداً للمثل "دجاجة تكاكي عندنا وتبيض بره". الدليل هو تزاحم الناس على أبواب الاكتتاب في دول الجوار تزاحماً تتكسر تحت وطأته أبواب البنوك وينام السعوديون من أجل عيونه في السيارات والحدائق العامة. لا بد من تحسين كفاءة النظام التعليمي وتطويره وخاصة طرق التدريس ورفع مستويات إعداد المعلمين وتطوير المناهج الدراسية وإدخال التقنية وتأهيل الكوادر الفنية. لا بد من خلق فرص وظيفية جديدة وتعزيز معدلات الإنتاجية. لا بد من إزاحة العوائق الأسمنتية التي تقف بوجه التنمية مثل التعقيدات الإجرائية والعشوائية والإهمال والفساد الإداري من منطلق "أدهن السير يسير"، والفتاوى المحمومة وتهميش دور المرأة وانتهاك حقوقها الطبيعية. لا بد من فتح المجال للتعددية وتعزيز قدرات منظمات المجتمع المدني والقضاء على التشدد والتزمت في تطبيق الإصلاحات الاجتماعية.

لعلنا نتذكر أن لقاء مجلس الأعمال العرب في المنامة أكد على أهمية إعادة هيكلة القطاع التعليمي في الدول العربية وتطوير أسواق العمل بما يتماشى مع المتطلبات المستقبلية. التنمية المستدامة هدف يحتاج إلى الشعور بالمسؤولية والإصرار على التغير.

كاتب اقتصادي
[email protected]

الأكثر قراءة