شفرات مسمومة تريق الدماء من رؤوس الحجاج في المشاعر
في كل عام من موسم الحج تسيل دماء لتختلط بتراب منى الطاهر في صورة من صور الإخلاص لله والتقرب له بالطاعة لإكمال مناسك الركن الخامس من أركان الإسلام.
ويبرر سيل الدماء الطاهرة ارتباطها بالتشريع الإسلامي الذي يوجه الحاج بذبح أضحيته وحلق رأسه، فتسيل تلك الدماء من أجساد الأنعام التي تنحر تقربا إلى الله لتختلط بدماء أخرى من رؤوس الحجاج بشفرات الحلاقة العشوائية التي تحمل الكثير والكثير من الأخطار والأمراض والأوبئة.
دماء الأنعام تسيل تحت إشراف الجهات الرقابية في المجازر الآلية، بينما تسيل دماء الحجاج تحت أقدام الآخرين وهي تحمل الخطر الكامن في جريانها دون أن يشعر الحجاج بذلك، فالهم الأول الذي يؤرقهم أن يكملوا فرحتهم وينزعوا إحراماتهم، وهذا ما يبرر تركهم كراسي الحلاقة التي تخضع للإشراف الوقائي من قبل أمانة العاصمة المقدسة.
" الاقتصادية " بدورها تطرح تساؤلاتها حول هذه الدماء التي تسيل من رؤوس الحجاج البسطاء، وتتعمق في الأسباب الحقيقية التي تدفعهم إلى تسليم رؤوسهم إلى الحلاقة العشوائية دون النظر في المخاطر الصحية المترتبة على ذلك.. إلى التفاصيل:
الحلاقة العشوائية
تشكل الحلاقة العشوائية للحجاج في مشعر منى، ظاهرة غير صحية تحمل في طياتها مخاطر على صحة الحاج الذي يسلم رأسه لشفرات الحلاقة غير مبال بما قد يترتب على ذلك من أمراض خطيرة تودي بحياته بعد عودته إلى موطنه.
ويؤكد أطباء في وزارة الصحة السعودية أن استخدام شفرات الحلاقة بطريقة عشوائية دون التأكد من نظافتها يؤدي إلى إصابة مستخدمها بأمراض الدم ومن أخطرها وأوسعها انتشارا فيروس الكبد الوبائي.
وعلى الرغم من توافر1200 كرسي للحلاقة تخضع للإشراف الوقائي من قبل أمانة العاصمة المقدسة في مكة المكرمة، يلجأ بعض الحجاج إلى تبادل شفرات الحلاقة فيما بينهم فينقلون خلالها الأمراض الخطيرة دون أي احتياطات تذكر.
وتبدأ ممارسة هذه الظاهرة من الحجاج بعد الانتهاء من رمي الجمار حيث يباشر الحجاج استخراج أدوات الحلاقة والشروع في حلق رؤوس بعضهم بعضا بالقرب من دورات المياه, إضافة إلى وجود آخرين من الوافدين خصوصا من الجنسيات الإفريقية يمارسون حلاقة رؤوس الحجاج.
العجلة وقلة الوعي أسباب رئيسة
يرجع عدد من الحجاج الذين تعرضوا إلى ظاهرة الحلاقة العشوائية أن الإسراع في قضاء النسك يدفعهم إلى التوجه إلى الحلاقين الموجودين في الطرقات دون النظر في المخاطر المترتبة على ذلك, فيما يشير آخرون إلى أن ثقتهم في الأدوات التي يحملونها معهم تدفعهم إلى تبادل الحلاقة فيما بينهم, وبالتالي يتخلصون من الانتظار المرير أمام طوابير كراسي الحلاقة المجهزة من قبل أمانة العاصمة.
جنسيات إفريقية تمارس الحلاقة العشوائية
وتشير الإحصائيات شبه الرسمية إلى أن الجنسية الإفريقية غير العربية هي أكثر الجنسيات وجودا في منطقة مكة المكرمة بسبب قربها من الحرمين الشريفين، ونظراً لأن أكثرهم من متخلفي الحج والعمرة فإن الأعمال غير النظامية هي الملاذ الوحيد لهم، ومن بينها ممارستهم الحلاقة العشوائية حيث تراوح الأسعار بين 10 و30 ريالا، ويتنافس عدد كبير من الحلاقين غير النظاميين في موسم الحج على اصطياد رؤوس الحجاج بأدواتهم الملوثة.
ويؤكد مراقبون في أمانة العاصمة المقدسة أن التعليمات تمنع ظاهرة الحلاقة العشوائية من خلال الفرق الميدانية التي تنفذ جولات على مدار الساعة لمكافحة هذه الظاهرة السلبية ويتم القبض على الحلاقين غير النظاميين وتحويلهم إلى الجهات المتخصصة في الجوازات لإكمال الإجراءات ضدهم, فيما تبرز المشكلة كون الحجاج أنفسهم يمارسون الحلاقة لبعضهم بعضا على الرغم من الجهود التوعوية التي تقدمها الجهات الرقابية عن خطورة هذه الظاهرة والآثار المترتبة عليها.
اكتشاف الإصابة بعد موسم الحج
ويؤكد أحد الحجاج, رغب عدم ذكر اسمه, أنه توجه في العام الماضي إلى أحد الأشخاص الذين يمارسون الحلاقة في الهواء الطلق بالقرب من الجمرات وطلب منه الحلاقة بالموسى ولم يخطر بباله في تلك اللحظة أن تكون شفرة تلك الموسى محملة بفيروس خطير اكتشفه بعد عودته من الحج وبالتحديد بعد سبعة أشهر وتأكد ذلك بعد أن أجرى فحوصا طبية قبل ذلك الموسم ولم يكون لديه أي مرض يذكر.
ويصف الحاج المعاناة التي تعرض لها جراء توجهه إلى تلك المواقع العشوائية التي تنوعت في مراجعة المستشفيات وتناول الأدوية والبحث عن العلاج في كل مكان, إضافة إلى تأنيب الضمير والندم على توجهه للحلاقة العشوائية.
ظاهرة خطرة تفتقر إلى الدراسات
وهنا أكد الدكتور خالد مرغلاني المتحدث باسم وزارة الصحة السعودية أن استعمال شفرات الحلاقة الملوثة تعتبر عاملا مهما في نقل الأمراض الخطيرة بين الحجاج ومن أخطرها الإيدز وفيروس الكبد الوبائي، مشيرا إلى الوزارة تسعى من خلال اللجان الإشرافية على تفعيل دور التوعية الصحية للحجاج باعتبارها الحل الوحيد المتاح لمواجهة الحلاقة العشوائية
وأرجع الدكتور خالد إقبال الحجاج على استخدام شفرات الحلاقة غير الصحية إلى قلة الوعي لدى الحجاج وخاصة القادمين من الخارج على الرغم من توفير نشرات توعية بهذا الخصوص بعدة لغات، إضافة إلى توفير مواقع صحية للحلاقة تخضع للإشراف الوقائي من قبل الجهات المتخصصة.
وقال المرغلاني إن وزارة الصحة لم تجر أي دراسات في الوقت الحالي تتعلق بقياس العلاقة بين ارتفاع الإصابة بفيروس الكبد الوبائي في المملكة والممارسات التي يقوم بها الحجاج من استخدام شفرات الحلاقة الملوثة، مبينا أن المستقبل القريب سيشهد تحركات للوزارة لدراسة هذا الموضوع وإيجاد حلول جذرية لوقف انتشار الأمراض التي تسببها ظاهرة الحلاقة العشوائية التي عادة ما تكون في أجواء غير صحية.
فيروس الكبد الوبائي في السعودية
يعتبر سرطان الكبد الأول في السعودية من حيث الكثرة حيث تبلغ نسبته بين السرطانات الأخرى10.2 في المائة عند الذكور و4.1 في المائة عند الإناث على التوالي بين السرطانات الأكثر شيوعاً.
وتتنوع الإصابات بعدة أمراض فمنها الحاد والمزمن وأكثر الأمراض شيوعاً هي الفيروسات: E-D-C-B-A ويعتبر B-C من أهم مسببات التليف ومن ثم التعرض لسرطان الكبد وخصوصا فيروس B حيث يمكن أن يسبب سرطان الكبد حتى دون تليف.
كما أن هناك أمراضا أخرى تسبب تليف الكبد ومن ثم الإصابة بالسرطان مثل الأمراض الناتجة عن كثرة النحاس أو زيادة الحديد وترسبها في الكبد أو الأمراض الناتجة عن الإصابة بالتهاب الكبد الناتجة عن المناعة الذاتية حيث يحدث التليف لأن مناعة الجسم تهاجم الكبد أو الخلايا الكبدية أو القنوات المرارية ومن ثم الإصابة بالتليف ثم بالسرطان إذا ما عولجت في وقتها. وأغلب سرطان الكبد يبدأ بعدما تصاب الكبد بالتليف وغالباً ما يكون ناتجاً عن الإصابة بفيروسات الكبد HBV أو HCV.
الوقاية خير من العلاج
ويؤكد الدكتور مرغلاني أن الوقاية أهم من العلاج وخصوصاً أن سرطان الكبد يعتبر من الأمراض المستعصي علاجها فإن علاج الأسباب أهم من علاج المرض عندما يتم تشخيصه، وعند الإصابة بالسرطان قد ينتقل هذا السرطان إلى الكبد عن طريق الدم أو الجهاز الليمفاوي وهذا يكون سرطانا ثانويا وليس سرطان الكبد الأولي.
وتتلخص أهم الأعراض سوء حالة المريض من مرض مزمن في الكبد إلى ظهور أعراض أخرى كزيادة في سائل البطن أو نزيف من الدوالي في المريء أو ظهور حالة ما يسمى السبات الكبدي، نقص في الوزن، ضعف عام مع خمول، قلة الشهية، حرارة، صفار، آلام في البطن.
ومن سبل الوقاية من الإصابة بفيروسات الكبد عدم التعرض لأي عدوى باتباع التطعيم ضد الالتهاب الكبدي الوبائي HBV، حيث جعلت الحكومة السعودية هذا التطعيم إجبارياً منذ عام 1989 بقرار ملكي، ومن نتائج هذا القرار الحكيم أنه نقصت العدوى عند الأطفال مما يقارب10 في المائة إلى أقل من 1 في المائة.