أورجواي والأرجنتين تخوضان حرب الورق
سماء منطقة ريو ديلا بلاتا تبدو ملبدة بالكثير من الغيوم العاصفة هذا الصيف، في جو يشبه ويعكس أجواء توتر سياسية مشحونة ومتزايدة بين جاري ضفتي نهر ريو أوروجواي وهما الأرجنتين وأوروجواي.
أما سبب التوتر فهو الخلاف بين الدولتين حول إقامة مصنعين لإنتاج مادة
السليلوز اللازمة في عمليات تصنيع الورق وهو ما أثار خلافا بين البلدين واللذين تجمعهما علاقات صداقة تقليدية لدرجة دفعت أوروجواي للتهديد بالانسحاب من رابطة تعاون دول أمريكا الجنوبية المعروفة اختصارا باسم المركيسور وذلك حسبما ورد علي لسان مسؤولين خلال المباحثات التجارية الحرة مع أمريكا الشمالية.
وبدأت القصة مع إعلان شركة بوتنيا Botnia الفنلندية وشركة إنثيه Ence الإسبانية عن رغبتهما في استثمار ما يعادل 1.8 مليار دولار في بناء مصنعين كبيرين لإنتاج مادة السليلوز في منطقة فراي بينوتس علي ضفة أوروجواي من نهر ريو أورجواي الفاصل بين البلدين وإلى الشمال من منطقة ريو ديلا بلاتا. وتعتبر أوروجواي هذا المشروع - إن تم - أكبر استثمار لها حيث من الممكن أن يسجل مجموع الاستثمارات أكثر من 10 في المائة من إجمالي حجم الناتج المحلي.كما يمكن أن يحقق هذا المشروع قفزة هائلة في نسبة صادرات أوروجواي – تلك الدولة الصغيرة – إلى العالم الخارجي.
وعلى الضفة الأخرى من النهر يقود سكّان مقاطعة انتري ريو الأرجنتينية المقابلة حملة ضارية ضد إقامة هذين المصنعين اللذين تقدر طاقتهما الإنتاجية بنحو 5ر1 مليون طن سنويا بسبب مخاوف كبيرة من كمية الملوثات والمخلفات الصناعية والكيماوية التي سيتم التخلص منها في النهر المشترك بين البلدين. كما يخشى السكان من تأثير سقوط الأمطار الحمضية على أراضيهم الزراعية. أضف إلى هذا أن المصنعين سيمثلان تهديدا مباشرا لمنطقة جواليجويتشو Gualeguaychu الأرجنتينية و التي تعتبر مركزا سياحيا إقليميا والموجودة على الضفة المقابلة مباشرة لموقع المصنعين ويخشي المسؤولون من خسارة العائد السياحي لتفضيل السياح الابتعاد عن هذه المنطقة الملوثة صناعيا . هذا بخلاف الرائحة الكريهة التي سيطلقها مصنعا السليلوز على الضفة المقابلة. ويقول المحتجون إن مصنعي السليلوز في أوروجواي لن يوفرا أكثر من 300 فرصة عمل و لكن قطاع السياحة في الأرجنتين يمكن أن يفقد أكثر من ستة آلاف فرصة عمل بسبب المصنعين.
ومنحت سلطات أوروجواي بالفعل المشروع الضوء الأخضر، وبدأ عمّال البناء بالعمل مباشرة. وأفادت دراسة قام بها البنك الدولي الذي سيساهم بجزء من تمويل هذا المشروع أن الأضرار البيئية الناجمة عن مصانع إنتاج السليلوز يمكن السيطرة عليها. لكن الحكومة الأرجنتينية تطالب بوقف عمليات الإنشاء إلى أن يتم عرض المزيد من الدراسات حول تأثيرات المواد الناجمة عن إنتاج المصانع على البيئة المحيطة. ويتردد في بوينس أيريس أن أوروجواي المجاورة لا يمكنها أن تتخذ قراراً منفردا حول استغلال حدود بسبب وجود بروتوكول مشترك وثنائي ينظم هذا الأمر بين الدولتين .
وتزداد معارضة المواطنين الأرجنتينيين حدة هذه الأيام وكثيرا ما يقومون بمظاهرات عند منطقة الحدود بين البلدين. ويعوق المتظاهرون منذ بداية فصل الصيف السياحي، الذي يبدأ مع منتصف كانون الأول (ديسمبر) العبور إلى الجسور الثلاثة فوق نهر أورغواي وهي الجسور التي تربط بين الأرجنتين وأوروجواي. وتبدو أوروجواي هنا أكثر تضرراً حيث تعتمد تلك الدولة الصغيرة التي لا يزيد عدد سكانها على ثلاثة ملايين نسمة على السياحة الوافدة بشكل كبير. ويبلغ عدد السيّاح الذين يزورون الساحل الأطلسي في أوروجواي نحو 1.9 مليون سائح سنوياً ثلثاهم تقريبا يأتون من الأرجنتين المجاورة . ومع اندلاع هذه الأزمة بين البلدين فضل الكثير من مواطني الأرجنتين المكوث في منازلهم هذا العام ما حدا بوزير خارجية أوروجواي راينالدو جارجانو أن يطلب من الحكومة الأرجنتينية التدخل لوقف هذه المعوقات. لكن السلطات الأرجنتينية ترفض التدخل ويرى وزير الداخلية الأرجنتيني أنيبال فيرنانديز أنه لا بد من حل هذه الأزمة عن طريق المفاوضات بين كلا البلدين على درجة عالية من التفاهم.
وأدى هذا النزاع إلى زيادة درجة عدم رضا أروجواي عن رابطة
المركيسور الاقتصادية. وتشعر الدول الصغيرة مثل أوروجواي وباراجواي، منذ فترة طويلة أنها قادرة على التفوق على الدول الكبرى في رابطة المركيسور مثل البرازيل والأرجنتين، خاصةً عندما يتعلق الأمر بإقامة المشاريع الصناعية. وتحدّث دانييل أستوري وزير اقتصاد أوروجواي حول المضي قدما في إنهاء إجراءات ميثاق للتجارة الحرة بين بلاده والولايات المتحدة الأمريكية رغم معارضة تجمع المركيسور. ويحاول وزير الخارجية جارجانو تهدئة الأمور عن طريق إجراء مباحثات مشتركة مع باقي دول المركيسور لكن جوسيه موجكا وزير زراعة أوروجواي أفسد الدبلوماسية عندما قال إن رابطة المركيسور ضعيفة التأثير والقيمة.
وأشار لولا دا سيلفا ونيستور كيرشنير رئيسا البرازيل والأرجنتين إلى استعدادهما للتكيّف مع الشركاء الصغار بقوة أكثر. وأذعن لولا قائلاً: "علينا أن نعمل أكثر لأجل أشقائنا الصغار".
ويقول كيرشنير: "على رابطة مركيسور أن تكون أكثر مرونة". وإذا بدا ميثاق أوروجواي مع الولايات المتحدة الأمريكية مجدياً، حينها لن يكون بإمكاننا إيقافه، حسبما ورد عن كيرشنير.
ولا يزال يوجد الكثير من المنازعات الشائكة بين دول المركيسور الكبرى، مثل البرازيل والأرجنتين حيث تطالب الأرجنتين بمزيد من الحماية ضد استيراد المحركات والسيارات، وغيرها من البضائع الصناعية من البرازيل. وأشار لولا، أثناء لقائه مع كيرشنير، عن استعداده لقبول مبادئ احتياطية جديدة. وبهذا تتقلص التجارة الحرة في محيط رابطة مركيسور، بدلاً من أن تتوسع، حيث من الممكن العمل على تخفيف تنظيمات الرابطة الصارمة للحفاظ على العلاقة الأساسية ما بين التكتلات، وتمكين ظهور المزيد من الشركاء، مثل دولتي بوليفيا، شيلي.
ووافقت دول ميركوسور مع نهاية عام 2005 على انضمام فنزويلا للرابطة حيث من المفترض أن يعمل هذا الانضمام على زيادة الثقل السياسي لدول الرابطة في مواجهة أمريكا الشمالية وأوروبا. من ناحية أخرى تجمّدت مباحثات مشاركة دول الرابطة مع الاتحاد الأوروبي العام الماضي بعد أن احتجّت رابطة المركيسور على الميثاق الأوروبي المقابل لتحرير التجارة الزراعية.