كيف يتحكم مفهوم التسوّق في حياتنا؟
يتساءل الكثيرون عن جدوى وتأثير الإفراط في النشاط والضغوط والمنافسة على حياتنا اليومية، فنحن نقاوم باستمرار الضغوط التي نتعرض لها، كمتطلبات العمل وتنظيم أوقاتنا ووسائل الانتقال والمواصلات.
يجعل هذا الكثير منا يرغبون في حياة مختلفة تخف فيها حدة الضغوط اليومية، لكنهم يشعرون بالعجز وعدم القدرة على الهرب من واقعهم اليومي.
بعد نحو عشر سنوات من البحث وتجميع عدد هائل من الصور الفوتوغرافية والرسوم التوضيحية، توصل مؤلف الكتاب بول ستايلز إلى أن ما نطلق عليه عادة كلمة "السوق" يتجاوز مجرد المعنى الاقتصادي كواسطة لتوزيع المنتجات والخدمات، إذ اكتسبت السوق معنى آخر يتصل بالثقافة السائدة في المجتمع.
للوهلة الأولى نرى أن السوق الحرة ليس أمرا جيدا بصورة مطلقة وإنما هي كائن ضخم ذو وجهين يقدم الرخاء المادي في مقابل ثمن فاحش. يدفع الناس هذا الثمن راحة بالهم واستقرارهم والروابط الاجتماعية بينهم، بل وحتى من صحتهم. ففي حكم السوق المطلقة للحياة العصرية، يكمن مصدر العديد من الآفات المعاصرة: انتشار التدمير البيئي، وفساد الشركات، وتدخل السياسة في الاقتصاد وتفشي حالات الطلاق وفقدان القيم والأخلاق.
يستعرض الكتاب تكوين السوق لنظام ثقافي يبتعد كثيرا عن الأساسيات التقليدية للحياة، وبدأ هذا النظام في الانتشار في الولايات المتحدة وأخذ يتغلغل في دول العالم بأسره، حيث لم يعد المعتقد القومي الرئيسي هو المساواة أو إتاحة الفرص للجميع، وإنما صار هو هاجس قوى السوق وقواعدها وقيها، أي أن السوق صارت محور الحياة العصرية التي يدور الناس في فلكها بإرادتهم أو رغما عنهم.
يتغلغل تأثير السوق في حياتنا وثقافتنا وتفكيرنا لدرجة أنه يصير بإمكاننا تقسيم الاتجاهات السياسية إلى ليبراليي السوق ومحافظي السوق. كما يقدم الكتاب تفسيرا مترابطا للعالم الذي نعيش فيه كل يوم. يعتمد هذا التفسير على شرح تأثير السوق فينا وفي حياتنا.
يستعرض الكتاب تفسير هذا التأثير القوي للسوق للعديد من الظواهر الخطيرة المتعددة مثل: زيادة المشاكل المتصلة بالصحة النفسية، تفاقم معدلات الإصابة بالسمنة، انضمام أعداد هائلة من النساء إلى القوى العاملة، الأمر الذي يؤدي إلى انهيار وحدة وترابط الأسرة، اتجاه الثقافة القومية إلى السوقية، وانحدار المستوى الأخلاقي في المجتمع كله.
يدعم الكاتب آراءه بمجموعة من البيانات الإحصائية التي ترصد المعدلات المتزايدة من الضغوط والإحباط والديون الاستهلاكية، كما يذكر الكاتب أمثلة واقعية من حياته الخاصة. كما خصص الكاتب أحد أقسام الكتاب لتوضيح الاستغلال السيئ لوسائل الإعلام لبعض الكلمات والمفاهيم، مثل الوطنية والأخلاق وروح العمل، وتحوير معانيها لتتناسب مع متطلبات السوق.