لغة الخطاب الديني الغربي أسهمت في تكوين رؤية دينية مضادة من قبل الجماعات الإسلامية.

لغة الخطاب الديني الغربي أسهمت في تكوين رؤية دينية مضادة من قبل الجماعات الإسلامية.

غاب في ظل ذلك التركيز الفردي والجزئي أو التعميم وجود جهد بحثي يسعى إلى التراكم ويضع أسساً نظرية وإجرائية لتعريف مختلف أنواع الحركات الإسلامية ورسم خريطة لها على مستوى العالم، بما يساعد على فهم أدق لأفكارها وأفعالها ومواقفها، وأهم من ذلك توقع ما قد تتبناه من أفكار أو تتخذه من أفعال ومواقف في المستقبل تجاه عديد من القضايا الخارجية المهمة التي يمر بها النظام الدولي والقضايا الداخلية التي تشهدها الدول التي توجد فيها تلك الحركات. من هنا بدا هذا الغياب الواضح والمخل في الأدبيات العربية والأجنبية’ سوى مجهودات فردية قليلة هنا أو هناك, لخريطة دقيقة وتعريفات علمية للحركات الإسلامية بمثابة نقطة الانطلاق الأولى لكتاب "دليل الحركات الإسلامية في العالم" الذي صدر قبل أيام قليلة في القاهرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. وقد انطلق الدليل من الأهمية المركزية التي اتخذتها هجمات أيلول (سبتمبر) 2001 في تطور الحركات الإسلامية على مستوى العالم، بل تطور العالم نفسه، لكي يركز في معظم فصوله على التطورات التي لحقت بالحركات الإسلامية التي يدرسها خلال عام 2002 بهدف التعرف على أثر تلك الهجمات ونتائجها فيها.
ويهدف الدليل إلى تقديم عرض وتحليل لأنشطة وأفكار مختلف الجماعات والحركات الإسلامية في العالم خلال العام المنقضي، مع التركيز على تفاعل تلك الحركات في سياقاتها المجتمعية المحلية والإقليمية والدولية. ويعتمد الدليل في هذا السياق على الجمع بين وظيفتي الرصد والتحليل معا لمختلف التطورات والتحولات التي شهدتها الحركات الإسلامية خلال العام إطار الدراسة، وذلك من خلال الجمع بين أسلوب الدراسات الأكاديمية المعمقة التي تركز على إحدى الجماعات الإسلامية كوحدة للتحليل، وتحليل مضمون لبعض الوثائق الصادرة عن إحدى الجماعات الإسلامية، وأخيرا الدراسات المعلوماتية - التحليلية لبعض الشخصيات ذات التأثير المهم داخل الجماعات الإسلامية.
وينطلق الدليل من تعريف محدد للحركات الإسلامية يقوم على أنها تلك "الجماعات التي تشترك في اعتبار أحد جوانب الإسلام أو تفسيراته الإطار المرجعي لها سواء فيما يخص وجودها أو أهدافها، والتي تنشط بطرق مختلفة من أجل تطبيق الصورة التي تراها للإسلام في المجتمعات والدول والمجالات التي توجد فيها". كما يعتمد الدليل في تصنيف تلك الحركات على معيار محدد وهو الأساس الفكري لتلك الجماعات. ويشير مفهوم "الأساس الفكري" هنا إلى فهم الجماعة أو الحركة الإسلامية لتفاصيل علاقة مشروعها الفكري والسياسي والاجتماعي بقواعد الإسلام وأصوله وتفسيرها تلك القواعد والأصول في ضوء انطلاقها جميعا من الاعتقاد في صحة انتساب مشروعها للإسلام ووصفه بـ "الإسلامي"، حيث يرقى الأساس الفكري للجماعة الإسلامية إلى مرتبة "النص الديني المقدس" تسعى إلى تطبيقه دون اجتهاد إضافي أو تعديل، أو على الأقل هو المرجعية الرئيسية التي لها الأولوية على أية مرجعيات أخرى. ولا تنبع أهمية الأساس الفكري للجماعة من أنه يمثل تصور الجماعة لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع أو العالم وإنما لأنه يؤثر أيضا في مختلف جوانب عمل الحركة بدءا من الأسماء والمصطلحات والرموز والأشكال التنظيمية وانتهاء باستراتيجيات وتكتيكات عملها.
وفي هذا الإطار ينطلق الدليل من افتراض انقسام الحركات الإسلامية إلى قسمين رئيسين، الأولي هي الحركات الإسلامية الدينية وهي تلك الحركات التي تنطلق في نظرتها للأفراد والمجتمعات والدول من منظور إسلامي محدد هو صحة العقيدة فقط. ويصنف الدليل تلك الحركات، بناء على توصيفها لطبيعة المرحلة الراهنة في حياة الأمة الإسلامية، إلى فئتين رئيستين الأولى هو الجماعات المتشددة السلمية، وتشمل جماعات التكفير والهجرة وحركات إعادة الدعوة. أما الفئة الثانية فهي الحركات الجهادية العنيفة وتشمل الحركات الإسلامية محلية الطابع والحركات الاستقلالية / الانفصالية والحركات دولية المجال. أما القسم الثاني فيشمل الحركات الإسلامية السياسية ـ الاجتماعية ذات البرامج الإسلامية، وتنقسم بدورها إلى الحركات السلمية الساعية إلى الحكم وحركات التحرر الوطني المسلحة.

لماذا (دليل الحركات الإسلامية في العالم)؟

كانت هناك عوامل عديدة وراء قرار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في "الأهرام" إصدار هذا الدليل, ولعل أبرزها: -

1/عدم وجود إصدار أكاديمي متخصص يتوافر على دراسة ومتابعة الحركات الإسلامية في العالم بمختلف أقاليمه الجغرافية, فعلى الرغم من الاهتمام المكثف للجماعة العلمية والأكاديمية، المصرية والعربية، في مختلف الفروع العلمية بالظاهرة الإسلامية بشكل عام، والأصولية، بشكل خاص، وصدور العديد من الدراسات حول الظاهرة الإسلامية إلا أنها لا تقع بين دفتي إصدار متخصص في هذا المجال.

2/ تصاعد اهتمام الغرب والمؤسسات الأكاديمية والبحثية الأمريكية والأوروبية, إضافة إلى بعض المؤسسات الآسيوية في الدول غير الإسلامية، خاصة اليابان بدراسة ظاهرة الأصولية الإسلامية. وعلى الرغم من الدور الذي كان من الممكن أن تلعبه مثل تلك الدراسات في تعميق رؤية وفهم الآخر ـ الإسلامي - والتفاهم المشترك من خلال الوقوف على الحجم الحقيقي لتلك الظاهرة والأسباب الحقيقة لانتشارها، إلا أن تلك الدراسات لعبت –ومازالت - دورا كبيرا في زيادة حجم الهوة والتناقض الثقافي والسياسي أيضا بين العالمين الإسلامي والغربي بسبب سيطرة الإدراك الخاطئ، وربما حالات سوء الإدراك، على تلك الدراسات، فضلا عن المغالطات والأخطاء المعلوماتية الفادحة التي تتضمنها تلك الدراسات أو التقارير الأجنبية حول الظاهرة الإسلامية وهناك أمثلة عديدة على تلك الدراسات. وقد زادت حالات سوء الإدراك بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001.
وهذا ما دفع هيئة تحرير الدليل إلى الحرص على ترجمة الدليل ونشره بالإنجليزية خلال أسابيع قليلة عن طريق أحد دور النشر والتوزيع الأجنبية المتخصصة بما يمثل نافذة مهمة لتقديم الرؤية العربية والإسلامية لتلك الظاهرة وطرحها على القارئ والمتخصص الأجنبي، عسى أن يسهم الدليل في تصحيح بعض تلك الإدراكات أو المعلومات الخاطئة حول تلك الظاهرة في الكتابات والتقارير الأجنبية. ويسعى الدليل في هذا الإطار إلى تقديم إسهام بارز في مجال الدراسة التحليلية المتعمقة لتلك الظاهرة من خلال محاولة الاستفادة من الكفاءات البحثية المصرية، والعربية في وقت لاحق، المتخصصة في قضايا الأصولية الإسلامية، من ناحية، وارتباط تلك الكفاءات بالسياق المجتمعي لتلك الظاهرة والتي تعد جزءا أصيلا من هذا السياق، وذلك بالمقارنة بإسهامات المتخصصين الغربيين أو الآسيويين والذين قد تتوافر لديهم الأدوات البحثية والتحليلية إلا أنهم لا يعدون جزءا من السياق المجتمعي والثقافي لتلك الظاهرة, الأمر الذي يقود إلى العديد من الإدراكات الخاطئة أو سوء الإدراك.

3/ تزايد دور الدين والخطاب الديني في العلاقات الدولية

فقد انطوى رد الفعل الأمريكي والغربي أثناء عملية بناء التحالف الدولي ضد الإرهاب على الاعتماد على خطاب ديني أثار درجة عالية من الاستقطاب الديني بين الغرب المسيحي والعالم الإسلامي، أسهم في دعم الاتجاهات التي دعت للنظر إلى الحرب ضد الإرهاب باعتبارها حربا دينية موجهة ضد العالم الإسلامي، وحفز قراءة الجماعات والتنظيمات الإسلامية، سواء المعتدلة منها أو المتشددة، لتلك الحرب من منظور ديني. وقد عمق من هذه القراءة لدى تلك الهيئات والجماعات مظاهر العنف التي تعرضت لها الجاليات الإسلامية داخل الولايات المتحدة والدول الأوروبية عقب أحداث أيلول (سبتمبر). ولم يقتصر نمو تلك النزعة الدينية على المجتمعات الإسلامية فقط ولكنها امتدت لتشمل المجتمعات الغربية أيضا بل إن نمو تلك النزعة لدى المجتمعات الإسلامية كان بمثابة رد فعل للسلوك والخطاب الغربيين بما فيه الخطاب الرسمي، الذي تمثلت أهم مظاهرة الواضحة في استخدام الرئيس الأمريكي مصطلح "الحروب الصليبية"، ونقد رئيس الوزراء الإيطالي بيرلسكوني للحضارة الإسلامية. وعلى الرغم من تدارك كل منهما خطورة هذه المفردات إلا أن ذلك لا ينفي تأثيراتهما السلبية في نمو خطاب مضاد في العالمين العربي والإسلامي.

4/ توسع الولايات المتحدة والغرب في تطبيق مفهوم الحرب ضد الإرهاب

حيث أدى غياب تعريف دولي محدد متفق عليه للإرهاب إلى ظهور عدد من الإشكاليات المهمة، أولها هو عدم التمييز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال. وقد بدت تلك المشكلة ذات أهمية خاصة بالنسبة إلى الدول العربية، فقد مثل التمييز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال أحد الشروط المهمة التي درجت التصريحات العربية على التأكيد عليها, بل كان هذا التمييز أحد الشروط الرئيسية بالنسبة لبعض الدول للانضمام إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب. وفي مقابل غياب مثل هذا التعريف اعتمدت الحرب ضد الإرهاب على التعريف الأمريكي للإرهاب والقوائم والتقارير الأمريكية الخاصة بالتنظيمات الإرهابية والدول الراعية للإرهاب، وهو التعريف الذي يربط ظاهرة الإرهاب بالإسلام، بحيث تم إدراج كل الجماعات الإسلامية في العالم تقريبا – رغم ما بينها من تباينات شديدة على المستويين الفكري والعملي، إضافة إلى اتساع الحرب ضد الإرهاب في ضوء هذا المفهوم لتشمل ليس فقط جميع الحركات الإسلامية في العالم ولكن أيضا المؤسسات الدينية التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني.

5/ التحولات المهمة التي تشهدها الجماعات والحركات الإسلامية

وهو يتصل بمجموعة التحولات المهمة التي تشهدها الجماعات والحركات الإسلامية ابتداء من عقد التسعينيات والتي يتوقع أن تشهد تسارعا خلال العقد الجاري تحت تأثير أحداث أيلول (سبتمبر) وتداعياتها. وينطلق الدليل في هذا الإطار من افتراض أن الحركات الإسلامية تشهد مجموعة من التحولات النوعية والهيكلية سواء على المستوى الفكري أو على مستوى استراتيجيات وتكتيكات عمل تلك الحركات. ويأتي في مقدمة تلك التحولات استمرار عملية تحول معظم تلك الجماعات، خاصة الجماعات الجهادية محلية الطابع، من ممارسة العنف والانطلاق من رؤى تكفيرية للفرد والمجتمع والدولة إلى ممارسة السياسية في الداخل والتحول إلى حركات سياسية اجتماعية ذات برامج إسلامية تكفل لها الاندماج في الحياة السياسية وفق الأطر الدستورية والقانونية القائمة. وعلى الرغم من أن هذا التحول يعود إلى منتصف عقد التسعينيات إلا أنه من المتوقع أن يشهد تسارعا ملحوظا خلال السنوات المقبلة تحت تأثير الضغوط والحصار الأمني والمالي لتلك الجماعات في المستوى العالمي. ثاني تلك التحولات هو التحول من قضايا الداخل إلى قضايا الخارج ويرتبط هذا التحول بالتحول السابق، فمن المتوقع في ضوء اتجاه نسبة مهمة من الحركات الإسلامية إلى الاندماج في الأطر السياسية الداخلية أن تنصرف إلى التركيز على قضايا الخارج ومواجهة القوى الدولية الرئيسية موضع الصدام والتناقض خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل. ولن يقتصر تسارع هذا التحول على الجماعات الجهادية دولية المجال فقط ولكنه من المتوقع أن يشهد أيضا الحركات الجهادية ذات الطابع المحلي خاصة بعد اكتمال عملية بناء تصوراتها ورؤاها النظرية. ثالث تلك التحولات هو تزايد احتمالات تعرض تلك الحركات لعمليات محاصرة وتجفيف منظم سواء على المستوى العالمي، خاصة في أوروبا الغربية وشرق أوروبا واللتين شكلتا فضاءات عمل رئيسية لتلك الجماعات، أو على المستوى المحلي في ضوء الضغوط المتزايدة التي يتم ممارستها على الحكومات العربية والإسلامية في هذا الإطار. وقد أخذت تلك التوجهات شكل سياسات منظمة من خلال صدور العديد من القرارات الدولية الملزمة عن مجلس الأمن وفرض العديد من الضغوط على الحكومات الإسلامية والعربية لتجفيف منابع تلك الحركات سواء من خلال إعادة هيكلة الخطابات الدينية والسياسية والمؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني.. إلخ.
وهكذا، فرضت مجموعة العوامل والتحولات السابقة والدراسة التحليلية المتعمقة لمختلف جوانب ظاهرة الأصولية الإسلامية إصدار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية هذا الدليل السنوي لكي يتوفر على دراسة تلك الظاهرة بأبعادها المختلفة.

ماذا يحتوي الدليل؟

يقوم الدليل على تطبيق التعريفات والخريطة النظرية الأولية السابق الإشارة إليها على مختلف الحركات الإسلامية الموجودة في معظم مناطق العالم ودوله، بحيث يكون قاعدة ضرورية للتعرف عن قرب على تلك الحركات بصورة كافية، دون الإغراق في التفاصيل متناهية الصغر أو التعميمات فاقدة المعنى.

وفي هذا الإطار يأتي الدليل بتقسيم ثلاثي لأبوابه الرئيسية وقد جاء كما يلي:

القسم الأول "الحركات الإسلامية .. التعريف والأنشطة":

وهو يركز على الجوانب التاريخية لقيام تلك الحركات وكذلك الجوانب ذات العلاقة بأنشطتها العملية. وفي الدليل الحالي تعالج الدراستان الأولى والثانية جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحزب العدالة والتنمية في تركيا كنموذجين للحركات السياسية – الاجتماعية ذات البرامج الإسلامية الساعية للوصول إلى الحكم بالطرق السلمية في بلادها، بينما تتناول الدراستان السادسة والسابعة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينيتين كنموذج لحركات التحرر الوطني المسلحة الإسلامية، والتي هي في الأصل جزء من الحركات السياسية – الاجتماعية ذات البرنامج الإسلامي. ويتناول الدليل في الدراسة الثالثة تنظيم قاعدة الجهاد باعتباره النموذج الأبرز حالياً للحركات الإسلامية الجهادية دولية المجال، بينما تتلوها الدراسة الرابعة بمعالجة الجماعة الإسلامية في إندونيسيا كنموذج مثالي للحركات الإسلامية الجهادية المحلية وذات الطابع الإقليمي، وتأتي الدراسة الخامسة لكي تقدم صورة واقعية حديثة لما تبقى من جماعة الجهاد المصرية والتي كانت نموذجاً للحركات الإسلامية الجهادية المحلية ثم انتقل قسم منها ليتحول إلى حركة جهادية دولية المجال منخرطة في تنظيم القاعدة. وتأتي الدراسة الثامنة والأخيرة في ذلك القسم لتقدم حركة المجاهدين في كشمير كنموذج للحركات الجهادية الاستقلالية – الانفصالية والتي تسعى إلى فك ارتباط المناطق المسلمة التي توجد فيها وانفصالها عن الدول غير المسلمة التابعة لها وفي الوقت نفسه إقامة دولة إسلامية فيها.

أما القسم الثاني من الدليل "الأفكار والرؤى":

وهو يتناول الأفكار التي يقوم عليها النشاط الحركي للحركات الإسلامية بمختلف فئاتها وأنواعها. وفي الدليل جزء خاص من ذلك القسم لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن لفهم وتحليل رؤاه وتصوراته لمجموعة من القضايا الرئيسية، يبدأ بدراسة حول التطور الذي مر به خطاب بن لادن قبل وبعد هجمات أيلول (سبتمبر) من زاوية التكرار ووسائل الاتصال التي استخدمها والجمهور الذي استهدفه في المرحلتين, فضلاً عن الأشكال التي اتخذها ذلك الخطاب. وتأتي الدراسة الثانية في ذلك الجزء الخاص لتسعى إلى التعرف على حقيقة موضع ووزن قضية رئيسية تكررت كثيراً في خطاب بن لادن واختلف كثير من الدارسين حول تلك الحقيقة ما بين اعتبارها جزءاً أصيلاً من فكر ورؤية زعيم القاعدة أو اعتبارها مجرد حجة يتكئ عليها لتبرير ممارساته العنيفة والإرهابية، وهي القضية الفلسطينية. أما الدراسة الثالثة من ذلك القسم فهي تسعى إلى معرفة وتحليل التفكير الاقتصادي لزعيم القاعدة، وموقع الجوانب الاقتصادية والمالية من تصوره الصراعي الشامل مع من يعتبرهم أعداءه الرئيسيين وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. وهنا تأتي الدراسة الرابعة والأخيرة من ذلك الجزء الخاص لتركز بصورة أكثر عمقاً على التفكير العسكري العملياتي عند بن لادن باعتباره التطبيق النوعي لرؤيته الصراعية أو الجهادية الدولية. أما الدراسة الخامسة والأخيرة في ذلك القسم الثاني، فهي مخصصة لدراسة معمقة لسلسلة "تصحيح المفاهيم" التي أصدرتها الجماعة الإسلامية المصرية لتدشن بها تحولها الكبير والنهائي من حركة جهادية محلية إلى حركة سياسية – اجتماعية ذات برنامج إسلامي ساعية إلى الوصول للحكم بالطرق السلمية، وهو التحول الذي كان لا بد من التوقف عنده لدراسة أحد أبرز جوانبه وهو تلك المراجعة الفكرية الجذرية لأفكار العنف والتطرف.

ويأتي القسم الثالث والأخير من الدليل بعنوان" القيادات الحركية والفكرية"

وهو يركز على محور مهم في التطور الفكري والعملي للحركات الإسلامية بمختلف أنواعها وفئاتها، وهو المتعلق ببعض "القيادات الحركية والفكرية" التي لعبت – ولا يزال بعضها يلعب – أدواراً حاسمة في هذا التطور. ويقوم مفهوم ذلك القسم على إجراء دراسات حول تلك النوعية من القيادات التي يتم اختيارها حسب معيار تأثيرها الفكري أو الحركي – أو الاثنين معاً – المؤكد والقوي على بعض الحركات الإسلامية لفترة طويلة من الوقت، بحيث تشمل جوانب من سيرتها الذاتية مع تركيز أكبر على الجوانب الفكرية أو الحركية التي تتسم بها كل قيادة منها. وفي ظل ذلك تسعى الدراسة الأولى في ذلك القسم إلى تحليل سيرة وأفكار الدكتور حسن الترابي القائد الإسلامي السوداني البارز، والذي لا شك في تأثيراته القوية والمباشرة على تطور الحركة الإسلامية السياسية السلمية في السودان طيلة العقدين الأخيرين على الأقل وحتى اليوم، فضلاً عما تركه من آثار في تطور الأوضاع في السودان بأكمله في الفترة نفسها. أما الدراسة الثانية فهي مخصصة لدراسة تطور وأفكار الإسلامي الجهادي المصري سيد إمام الشريف المعروف باسم عبد القادر بن عبدالعزيز، والذي فضلاً عن كونه أميراً لجماعة الجهاد المصرية حتى عام 1993 فهو صاحب اثنين من المؤلفات الضخمة التي أسست للفكر الجهادي العنيف ولا يزال كثير من الأفكار المتشددة التي وردت فيهما متداولة ومتبناة في صفوف عديد من الحركات الإسلامية الجهادية والدولية على مستوى العالم، وهما كتابا "الجامع في طلب العلم الشريف"، و"العمدة في إعداد العدة".

ورغم حرص المركز وهيئة التحرير على الوظيفة والطابع البحثي الأكاديمي للدليل إلا أن ذلك لا يخلو من الطابع السياسي الموجه للدليل من خلال سعيه إلى تصحيح بعض الإدراكات السيئة والسلبية لدى الغرب في عدد من تياراته ومؤسساته الرسمية والبحثية حول الإسلام والظاهرة الإسلامية.
"دليل الحركات الإسلامية في العالم" كتاب جديد صدر الأسبوع الماضي في نحو 400 صفحة من القطع الكبير, ويرأس تحرير الدليل الزميل ضياء رشوان الخبير في مركز الأهرام والكاتب في جريدة "الاقتصادية" ومعه فريق من الباحثين العاملين في مركز الأهرام وفي عدد من الجامعات والمراكز البحثية والمؤسسات الإعلامية المصرية المعروفة.

الأكثر قراءة