كيف تتعامل الأسرة مع الإعلانات الموجهة إلى أطفالها؟
يشكو الكثير من الأسر من تعلق أبنائها بالإعلانات التجارية، كما تتذمر من إلحاح هؤلاء الأبناء على شراء ما يعجبهم من السلع المطروحة في الإعلانات الموجهة إليهم، ويتساءل الكثيرون عن مدى صدق هذه الإعلانات، وهل هي في مجملها صادقة فيما تدعيه أم أنها تطرح هذه السلع من خلال الإعلانات بصورة مبالغ فيها؟ كما يتساءل آخرون عن كيفية تحصين الأطفال تجاه الإعلانات التي تستهدفهم وخاصة في حال اقتناع الوالدين بعدم جدوى السلعة المعلن عنها.
"الاقتصادية" طرحت هذه التساؤلات على عدد من المختصين بعلم النفس والتربية الذين أكدوا بدورهم وجوب توعية الأهل والأبناء في هذا المجال حتى يتمكن الجميع من التمييز بين الجيد والرديء في هذه الإعلانات.
وترى الدكتورة موضي النعيم الوكيل المساعد للإشراف التربوي بوزارة التربية والتعليم بالرياض أن طفل اليوم تتجاذبه تيارات متعددة ذات بريق يدعوه نحو مزيد من الاستهلاك والصرف وهناك تأثير كبير للتلفاز وما به من إعلانات وجوائز على أنماط استهلاك الأفراد.
لكن السؤال هنا: لماذا التركيز على الطفل في معظم الإعلانات؟ تقول الدكتورة النعيم: "لا شك أن للتلفاز تأثيراً في الأطفال، وقد اتضح من بعض الدراسات أن تأثير التلفاز والدعاية يقل كلما كبر الأطفال في السن، بل أنه كلما كبر الطفل في العمر قل انتباهه لهذه الإعلانات التجارية وزادت سخريته منها ولاسيما أن البعض قد جربها وشعر بشيء من المبالغة في طريقة عرضها.. وأيضاً تأثير الإعلانات يتوقف على مدى إدراك الطفل، وعلى طريقة العرض وخاصة الإعلانات بالعينة المجانية، والإعلانات التي تصحبها جوائز ومكافآت، وبالتالي يمكن أن يعتبر التلفاز عاملاً مساهماً في زيادة الإنفاق الأسري بتأثير الأطفال في الوالدين تأثيراً إيجابياً لشراء ما يشاهدونه في الإعلانات، وكثيراً ما تؤثر المعارض والدعايات على أنماط الاستهلاك، وتزيد من الشراء العشوائي عند الكثير من الأفراد خاصة صغار السن".
ويرى الدكتور عبد الرحمن الصالح أستاذ مادة علم النفس التربوي والنمو أن استهداف كثير من الإعلانات التجارية لفئة الأطفال بالذات يرجع إلى اتصاف هؤلاء الأطفال بغريزة حب التملك وحب اللعب والتجريب والاستطلاع وهذا يجعلهم لا يملون من شراء اللعب والأشياء الجديدة والحلويات دون التفكير في الجدوى المادية أو مستوى تحقيق المنفعة.
وتقول الدكتورة صفاء صبح أستاذة علم النفس بكليات البنات بمحافظة المزاحمية: "أعتقد أن هناك كما كبيرا من الإعلانات يستهدف الأطفال لأن المنتجات الخاصة بالأطفال، ولاسيما الغذائية هي من أكثر الصناعات رواجا في البلدان النامية ولذا فإن الأطفال شريحة مستهدفة للتسويق والربح. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، أتوقع أن هناك صعوبة في تصميم الإعلانات للأطفال إلا أنه في الوقت نفسه هناك سهولة في نجاح وصولها إليهم وتلقى القبول العام والسريع لديهم. ذلك لأن الطفل لم يصل بعد إلى مرحلة القدرة على الاستقراء اللازم لمعرفة جودة المنتج، فجودة المنتج وضرره أو نفعه بالنسبة إلى الطفل يشكل مساحة ضئيلة أمام جاذبيته والإعلان عنه بنجاح".
ويضيف الأستاذ ناجي خليف –مشرف توجيه وإرشاد ورئيس وحدة الخدمات الاجتماعية بإدارة التعليم بالرياض- أسبابا أخرى لاستهداف الأطفال في هذه الإعلانات فيقول: "يستغل المعلنون كون الأطفال أغلى وأثمن ما يملك الإنسان وسيصرف لهم في الغالب أي شيء دون تردد، كما أن الأطفال أضعف نقطة في الأسرة وهم وسيلة ضغط مزعجة ومستمرة على الوالدين، إضافة إلى ذلك فهم لا يميزون الصحيح من الخطأ وتحكمهم عواطفهم ورغباتهم، كما أن طبيعتهم الفطرية وخصائص نموهم تجعلهم يحتاجون إلى المرح واللعب والتسلية والتجديد ولا يفكرون إلا في تحقيق رغباتهم مهما كانت، وكذلك فإن الأطفال لا يدركون وضع الأسرة المادي".
أساليب المعلنين في جذب الأطفال
يتفنن المعلنون في الأساليب التي تعرض منتجاتهم بأبهى صورة بحيث يكسبون أكبر عدد من المستهلكين، وتقول الدكتورة صفاء صبح: "من المعروف أن هذه الإعلانات تكلف مبالغ كبيرة ويقوم بتصميمها دارسون ومختصون في مجال الدعاية والإعلان أو علم النفس الإعلامي ليحقق الإعلان غرضه على الوجه الأفضل".
وتضيف الدكتورة صفاء: "بالنسبة إلى الإعلانات الموجهة إلى الأطفال فتصمم بحيث تكون متضمنة عناصر تجذبهم كعنصر اللون، الحركة، الموسيقى، الأشخاص، فغالبا يكون من يقوم بتقديم أو أداء الإعلان شخصيات معروفة ومحببة للأطفال كأبطال برامج يفضلونها وبرامج رياضية أو غير ذلك، إضافة إلى الألوان الزاهية والحركات المشوقة والمصحوبة بموسيقى أو لحن معروف في عالم الأطفال، كما يتم جذب الأطفال أيضا من قبل المنتجين عن طريق عروض خاصة يقدمونها كأن يربح الطفل نقودا أو هدية عند شرائه منتجا ما".
ويؤكد الدكتور عبد الرحمن الصالح ذلك فيقول: " يستخدم المعلنون أساليب عدة في جذب الأطفال لسلع معينة أو إلى برامج واتجاهات معينة بعضها يعتمد على دراسات نفسية وتجارية بطبيعة الفئة المستهدفة والمحيط الاجتماعي وبعضها يقوم بشكل عشوائي هدفها التسويق التجاري والربح المادي، أنهم في الغالب يستغلون اندفاع الأطفال وانجذابهم إلى الألوان الجذابة وتحقيق المتعة والمرح".
ويرى الأستاذ ناجي خليف أن أساليب المعلنين في جذب الأطفال كثيرة ومن أهمها تقديم السلعة من خلال بعض الصور والرسومات المعبرة، وعروض لألعاب مجانية وبعض العبارات الدعائية التي تؤثر في جذب الأطفال كالمبالغة في وصف بعض المنتجات وخدماته المتعددة.
كيف نحصَّن الأطفال تجاه الإعلانات التجارية التي تستهدفهم؟
عندما تشتكي بعض الأسر من تعلق أبنائها بالإعلانات التجارية فهل يعني هذا أن كل ما يطرح في هذه الإعلانات يؤثر سلباً في الأطفال؟ تؤكد الدكتورة صفاء صبح أن هناك مجموعة من الإعلانات يمكن القول إنها إيجابية وتروج لمنتج جيد ونافع للطفل.
ويوافقها في ذلك الدكتور الصالح الذي يقول: " تتنوع الإعلانات التجارية التي توجه إلى أبنائنا الأطفال، فبعضها يسوق سلعا تجارية مهمة ومفيدة، وبعضها يسوق سلعا أقل أهمية، وبعضها يسوق سلعا تجارية ضارة، وهنا يأتي دور الأسرة والمجتمع والجهات المعنية في توعية الأبناء وتحصينهم من غزو الإعلانات التجارية".
ويوضح الدكتور الصالح سبل هذه التوعية والتحصين تجاه الإعلانات التي تسوق لسلع ضارة فيضيف: " إننا من خلال ما نبذله من جهد في رفع مستوى الوعي الاقتصادي لدى أبنائنا سوف نوجد لديهم الحصانة من التأثر والانسياق وراء الإعلانات التجارية ونتعاون مع الجهات الرسمية في تحقيق الوعي الاستهلاكي، إننا مطالبون بأن نفكر في أسلوب يقي المجتمعات العربية والإسلامية من الأسلوب الاستهلاكي المتواكل المندفع إلى الأسلوب المنتج الفعال المتعقل. ولكي يتحقق ذلك الهدف النبيل علينا أن نعمل على ترشيد الاستهلاك لدى الكبار وإدخال أسلوب تقويم المنتجات واختيار أفضلها وترشيد الاستهلاك بشكل عام.
ونحن الكبار مطالبون بأن نعدل من أسلوبنا الاستهلاكي والممارسات الخاطئة لدى بعض الرجال وعدد من النساء حتى نستطيع أن ننشئ أبناءنا تنشئة سليمة من خلال القدوة الصالحة، ثم نسعى إلى بث الوعي الاقتصادي الذي يجعل الطفل يدرك قيمة المبالغ المادية التي لديه وكيف يتصرف بها والمجالات التي يمكن أن ينفق المال بها، فهناك احتياجات مهمة مثل الملابس والمأكولات والألعاب المهمة هذه يحتاج الطفل والأسرة إلى الصرف عليها بالحدود المعقولة، وهناك مجال الاستثمار فينبغي أن نؤكد في حس أبنائنا أهمية الاستثمار والتخطيط للمستقبل.
وكذلك من المهم أن نرسخ حس احتساب الأجر لدى أبنائنا وتقديم الأعمال الصالحة من خلال صرف بعض المبالغ في مجال الصدقة مساعدة المحتاجين، لا أن نترك الأبناء يبعثرون ما لديهم من أموال في سلع استهلاكية غير مهمة وتفوق حاجاتهم وإنما تكون نتيجة للدعاية القوية الموجهة إليهم أو إلى المباهاة والتفاخر في المظهر الاجتماعي".
وتؤكد الدكتورة موضي النعيم ما ذكره الدكتور الصالح فتقول: " إن عملية التحصين المطلوبة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعلاج الوقائي الذي لا بد أن يتلقاه الطفل من أسرته؛ فالوالدان هما القدوة التي يقتدي بها الطفل وبالتالي على الوالدين أن يسعيا للاستزادة من المعارف واكتساب المهارات بأنفسهم لتحسين أساليبهم في الشراء واستخدام النقود؛ ولهذا لابد من الاهتمام بمراقبة الطفل في أثناء استماعه أو مشاهدته للإعلانات التجارية وتوجيه سلوكه التوجيه السليم حتى يمكن أن نشارك بنصيب من الجهد والعمل في تنظيم الاستهلاك حيث إن كثيراً من المعلومات والبيانات المتعلقة بترشيد المستهلك وتكوين الاتجاهات السليمة لديه ليست فطرية بل هي مكتسبة فلا بد من دراستها وممارستها وربطها صحيحاً بجوانب الحياة اليومية ومتطلباتها ولما كان للتلفاز تأثير فإن بالإمكان استغلاله كوسيلة لزيادة وعي المستهلكين".
أما الدكتورة صفاء صبح فترى أن أمر التوعية والتحصين لا يقتصر على الوالدين فقط بل يتعداهما إلى الإخوة الكبار والمؤسسات الرسمية التي تتعامل مع الطفل، وتقول: " يجب أن يمارس المحيطون بالطفل نوعا من الرقابة والتوجيه لما يراه ويشاهده في التلفزيون ولما يقرؤه وأن يتم لفت انتباهه إلى مواضيع أكثر أهمية، وقد يكون من المهم مشاركة الأطفال ومحاورتهم حول الإعلانات وبيان الجوانب المقبولة والمنطقية وكذلك المبالغة أو السلبية .. إلخ. إضافة إلى الوالدين والإخوة يجب أن تسهم مؤسسات أخرى في توعية وإرشاد الأطفال ولاسيما المدرسة، ووسائل الإعلام ذاتها عليها أن تضع الأطفال في أولوياتها كثروة مهمة يجب الحفاظ عليهم وعلى صحتهم الجسدية والنفسية والعقلية وأن يكون هناك رقابة واعية على كل ما يتعلق بالطفل وألا يكون تحقيق الربح المادي هو الهدف الأول لها".
ويرى الأستاذ ناجي خليف أن على الأسرة إشباع رغبات أبنائها من خلال توفير ما يحتاجون إليه وتربيتهم تربية جيدة من أجل إنشاء جيل ذي شخصية قوية قادر على الوقوف في وجه المغريات، ويضيف الأستاذ ناجي قائلاً: "إضافة إلى دور الأسرة فإن للمؤسسات الحكومية المعنية مباشرة بهذا الشأن كوزارة التجارة وبعض المؤسسات الأخرى دورا كبيرا في ذلك من خلال منع الإعلانات التجارية التي تستهدف الأطفال مباشرة وعدم إعطائها تصريح بذلك، كما أن للمؤسسات التربوية والإعلامية دورا في تثقيف الأسرة وتوعيتها هي وأطفالها".