حرية الاتحاد الأوروبي للخدمات الإنتاجية حبر على ورق
مضى عامان على اقتراح المفوضية الأوروبية بفتح أسواق الخدمات دون قيود في دول الاتحاد الأوروبي كافة. حينها بدا أعضاء البرلمان الأوروبي من حزب الشعب البروتستانتي المحافظ متحمسّين للفكرة التي دعت أخيرا إلى ضمان الحرية في قطاع الخدمات الإنتاجية. ولكن قبل أسبوع واحد فقط من تصويت البرلمان الأوروبي (ومقره ستراسبورج) بدا و كأن أعضاء الحزب المحافظ رضخوا لضغوط معارضي التوسع الأوروبي وتوصل المحافظون مع الاشتراكيين إلى حل وسط في هذه القضية رغم الصورة التي يروجونها لأنفسهم على أنهم داعمون للنمو الاقتصادي.
وإذا أقر هذا الحل الوسط و تحول إلى قانون سيظل قطاع الخدمات معزولا إلى حدٍ كبير فوق القانون، ولن يتم سوى إلغاء العقبات الأكثر صرامة فقط أمام تحرر الأسواق فمثلا سيتم إلغاء مطالبة الدولة للسلطات المحلية بفحص كل آلة من الآلات قبل أن يتم تركيبها مما يعني إضفاء مزيد من التيسير على عمل شركات التزويد التي تسعى لمد خدماتها إلى خارج نطاقها الوطني. كما لن يتم التقيد بذكر أن فني الدهان هذا جاء من مدينة آنخن مثلاً، أو أن المهندس ذاك من مدينة أوسنابروك. ولكن يبقي القول إن كل هذا ما زال حتى الآن حبرا على أوراق عقود الاتحاد الأوروبي.
ولا يزال أعضاء الحزبين الاشتراكي و المحافظ على الأخص في نزاع حول جوهر مبدأ القانون التشريعي حيث يسمح ذاك المبدأ لشركات التزويد بالعمل في الخارج بالاعتماد جذرياً على نص القوانين التشريعية السارية هناك. والآن يواجه تزويد الخدمات الإنتاجية في الخارج، ضمن نطاق دول مختلفة من الاتحاد الأوروبي، خطر التضارب مع إحدى القواعد غير المعروفة. وترتفع الأسعار في الغالب جرّاء محاولة توضيح مثل هذا النوع من القواعد الخاصة بالدول الأخرى عن طريق صنع بعض الالتزامات مع إحدى الشركات الصغرى. حيث تستلزم الاستشارات القانونية الضرورية نحو مائة ألف يورو. ولو تم إلغاء مبدأ الدولة الأوروبية الأصل، لتحركت شركات تزويد الخدمات الإنتاجية في الخارج بحرية أكبر ، إضافة إلى ذلك فإن هذا يؤدي إلى زيادة ضعف فتح الأسواق الطموحة، ولابد أن حجم الاستثناءات سيرتفع. ويؤدي إلى حتمية سقوط وسائل القطاع الصحية إجمالاً، والخدمات الاجتماعية، و الخدمات التأمينية. وحتماً سيكفي أن تجعل الدول حماية البيئة، والمصالح العامة، سارية لإجبار شركات التزويد على إتباع جميع القواعد الخاصة بكل دولة من الدول المستضيفة.
واحتدت المناقشات السياسية حول فتح أسواق الخدمات الإنتاجية منذ بدايتها وقاد أعضاء حزب الشعب المحافظ هذا الجدل. وينظر المجتمع المهني والديمقراطيون الاشتراكيون إلى هذا الاتجاه على أنه رمز للعولمة عديمة الرحمة، التي تتجاهل حقوق الموظفين. ويقولون إن هذا بعيد عن الاقتراح الفعلي الذي قدمه (فريتس بولكشتاين) مفوّض السوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي السابق حيث لم يتم وضع مبدأ الدولة الأصل بهذا الشكل من قبل، الذي يسمح بالتملّص من قوانين البيئة الوطنية، أو القواعد الصحية. بالإضافة إلى أنه لم يتم تهذيب قانون الدول، بإعطاء معايير قياسية للإنتاج الاجتماعي والأجور ضمن قانون تفويضي واحد، عن طريق الاتجاه.
وما كانت خطة المفوضية لتسمح بالإغراق البيئي، والاجتماعي، والأجور، الشيء الذي يتم تقليصه حالياً إلى حدٍ كبير. وكذلك تسهيل الدخول إلى الأسواق الألمانية من قبل شركات التزويد القادمة من دول الاتحاد الأوروبي الجديدة. ولفُرِضت مواجهة المنافسة القادمة من دول الاتحاد الأوروبي المختلفة على الاقتصاد الألماني بقوة محلياً. ومن ناحية أخرى، لو حدث ذلك لتمكّنت الشركات الألمانية من تأسيس حقول تجارية جديدة في الخارج. ولكن لم يكاد يطرح أحد السؤال التالي بعد: هل كان من الممكن أن يحقق الميزان التجاري عقب كل خطى الانفتاح السابقة إجمالاً معدلات إيجابية بالنسبة إلى دولة التصدير ألمانيا، وكذلك للموظفين؟ ولكن مع القيود المفروضة على الاتجاه سيتم حرق المزيد من التأثيرات الإيجابية. وسيصبح ثمن ضمان إحدى فرص العمل في قطاع المهن الحرفية، أو مصانع إنتاج اللحوم، باهظاً بفعل خسارة فرص السوق والنمو. وهذا يتصادم مع أكثر من خمسة ملايين عاطل عن العمل في ألمانيا.
وتنقص النواّب عامةً الشجاعة الكافية لمواجهة الوسائل العامة الموجّهة عن المجتمعات المهنية والمؤيدين لحماية الإنتاج الوطني ضدهم. وتخلّوا عن المحاولة في إقناع الناس بالقدرة الكامنة، التي تتوارى خلف فتح الأسواق. وعلى ما يبدو أن الرمية الكبرى التي كان مخططاً لها، ستُسحَق داخل طواحين مجالس البرلمان الأوروبية. وفقط في حالة اعترض جزء من الجناح المحافظ على الأقل بالتعاون مع آخرين من الحزب الحر، وغيرهم من النواب المنفتحين من دول الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لفتح الأسواق، ضد الحل الوسط حينها من الممكن أن تختلف وُجهة الأمر.
و لكن الأمور حاليا لا يبدو أنها تسير في هذا الاتجاه.