كيف يزيد الوالدان من الوعي الاستهلاكي لدى الأبناء؟
كثيرا ما تعاني بعض الأسر من السلوك الاستهلاكي لأبنائها، فتجد بعض الآباء يشكو من إلحاح طفله على شراء سلعة رآها في إعلان تجاري وتمكن حبها من قلبه فعقد العزم على شرائها مهما حصل، كما يشكو آخرون من تمادي أبنائهم في الطمع وحب التملك، أو من جهلهم بالتعامل مع السوق ولو في أبسط الأمور مما يعرضهم للوقوع في شراء السلعة الخطأ أو الوقوع ضحية سهلة للغش والتلاعب.
إلحاح الأطفال
ويعتبر إلحاح الأبناء على شراء ما يرغبون مشكلة دائمة يعاني منها كثير من الآباء، ويكشف هؤلاء الآباء عن عجزهم عن القضاء على هذه المشكلة نهائيا، وترى الدكتورة صفاء صبح أستاذة علم النفس في كليات البنات في محافظة المزاحمية أن الطفل الذي يلح على شراء سلعة ما في الغالب هو طفل اتخذ من الإلحاح وسيلة للحصول على ما يريد وهذا ما يسمى في علم النفس "... الوسيلي"، وتقول الدكتورة صفاء: "من الطبيعي ألا تُلبى كل حاجات الطفل، وفي الوقت نفسه هناك حاجات لا مانع بل من الضروري أن تلبى للطفل ولا سيما إذا كانت حقا من حقوقه أو عاملا مساعدا على نموه كحق الطفل في اللعب والسؤال، وما يجب أن يلبى للطفل أو لا يلبى يرتبط بمدى فهم الوالدين الخصائص النمائية للمرحلة العمرية التي يعيشها الطفل ومتطلبات هذه المرحلة". وتؤكد الدكتور صفاء على ضرورة قيام الوالدين بتوضيح السبب في عدم تلبيتهما رغبة معينة للطفل كما أن عليهما عدم الرضوخ لإلحاحه حتى لا يجعل منه أسلوبا يستخدمه كلما أراد شيئا".
ويقول الدكتور عبد الرحمن الصالح أستاذ مادة علم النفس التربوي والنمو: "ينبغي أن يعلم الوالدان أن التنشئة السليمة هي التي تقوم على التفاهم والحوار، وأن الأبناء لهم عقول يمكن أن ننميها من خلال الحوار فإذا نمت استطاع الطفل أن يختار الاختيار السليم ولن تحتاج إلى الدخول معه في شجار وإلحاح عقيم أو على الأقل نخفف من ذلك".
ويضيف موضحا: "إننا مثلا يمكن أن نتحاور معه عن السلع التجارية المغشوشة الرديئة والسلع الجيدة وكذلك عن السلع الضارة المزعجة والسلع الممتعة المأمونة ومن ثم تكون لديه قناعة ذاتية تجعله يختار السلعة المعقولة وقد يخطئ بعض الآباء في التدخل الزائد في تحديد نوع اللعبة ولونها وكأنه هو الذي سوف يلعب بها ويحرم ابنه من متعة الاختيار والتعلم والتدريب على حسن الاختيار والاعتماد على النفس والثقة بها"، ويضيف الصالح: "إن التنشئة السليمة هي التي تقوم على الحوار وإعطاء الأبناء فرصة الاختيار في الحدود المعقولة وليست هي التي يغدق الآباء على أبنائهم بالمبالغ الطائلة التي تجعلهم لا يدركون قيمتها ولا حرمانهم من كافة احتياجاتهم وما يتمتع به أقرانهم من أشياء معقولة تحقق لهم السعادة والارتياح".
وترى الدكتورة موضي النعيم الوكيل المساعد للإشراف التربوي في وزارة التربية والتعليم في الرياض أن هناك احتياجات أساسية ترتبط بتنمية عقلية أو اجتماعية في نفس الطفل وهذه الاحتياجات لابد من توفيرها له، أما إذا لم تكن السلعة التي يرغب فيها من ضمن هذه الاحتياجات فيمكن معالجة الأمر عن طريق تهيئة الأطفال ذهنياً ونفسياً والتخطيط معهم قبل الذهاب معاً للتسوق ويكون الوالدان قدوة في عملية الشراء من خلال التحاور الهادئ المعتمد على الثقة والإقناع وضرب الأمثلة، إضافة إلى عدم اللجوء إلى التوبيخ وإهانة الطفل أمام الآخرين مما يزيد في إصراره وإلحاحه على الشراء أو خذلانه وشعوره بالنقص دونما مبرر.
ويرى الأستاذ ناجي خليف الخلف, مشرف توجيه وإرشاد ورئيس وحدة الخدمات الاجتماعية في إدارة التعليم في الرياض أنه من الممكن القضاء على إلحاح الأطفال من خلال تعويد الطفل وتربيته التربية المتكاملة التي تراعي جميع الجوانب وأن ندخل إلى قلوب أبنائنا وننمي المحبة المتبادلة، إضافة إلى إعطاء كل طفل مبلغا محددا ليشتري به ما يحتاج إليه مع التأكيد عليه أن المبلغ لا يمكن زيادته.
معالجة الطمع وحب التملك
يلاحظ البعض على أطفالهم رغبة في الاستيلاء على كل ما يرغبون، فيعتدون على أقرانهم بأخذ ألعابهم مدعين أنها لهم، وهذا الطبع له دور كبير في زيادة الإنفاق الأسري لقيام الوالدين بشراء اللعبة نفسها التي رغب فيه الطفل، وقيام الوالدين بهذا الأمر يؤدي بالتالي إلى نشوء طفل متصف بالطمع والمادية المفرطة وتؤكد الدكتورة صفاء صبح أن الدلال المفرط وتقديم ما يلزم وما لا يلزم للطفل وتلبية جميع رغباته يزرع في نفس الطفل بالإضافة إلى الاتكالية اعتقادا بأن كل ما يحيط به ملكه وتحت تصرفه ويمكنه الحصول عليه، لذلك على الوالدين تعليم الطفل احترام ملكية الآخر والملكية الخاصة.
ويقول الدكتور الصالح: "على الوالدين تدريب الطفل على استعمال النقود كأن يعطيه والده مبلغا معينا يشتري به هدية النجاح ـ مثلا - بحيث يحس بقيمة النقود ومقدارها وأنها هي التي حققت له امتلاك تلك اللعبة أو ذلك الجهاز ومن ثم يقتنع به لأنه حقق طموحه. بل إنه سيحافظ على تلك اللعبة أو ذلك الجهاز لأنه أحس أنه دفع فيه مبلغا من المال كان يمتلكه".
لكن الدكتورة صفاء تلفت النظر إلى ضرورة التعامل بحكمة في مسألة مكافأة الطفل فتقول: "يجب أن تكون المكافأة للطفل مستمرة بشرط ألا نكافئ الطفل على كل فعل جيد يقوم به, هناك واجبات على الطفل يجب عليه القيام بها كواجباته المدرسية وغيرها فلا نكافئه مثلا كل يوم. ربما في الشهر مرة أو لتميزه الواضح في مجال ما، ويجب ألا تكون المكافأة مادية دائما "هدية مادية" هناك نوع آخر من المكافآت وهو المكافأة المعنوية "الرضا, المديح, والشكر" إضافة إلى ذلك على الوالدين إبعاد الطفل عن الأنانية وحب التملك وتعويده على التعامل ومشاركة الآخرين في اللعب وغيره".
وترى الدكتورة موضي النعيم أن إعطاء مصروف محدد للطفل يعطيه فرصة للتعليم، والتفكير وفي أفضل الطرق لاستخدامها ولا سيما وهو يعلم أن عليه أن يلتزم بما لديه من مصروف.. ولا يعني هذا تقيد الطفل والتشدد معه، وإنما مناقشة المواقف والاتفاق مع الطفل على مقدار ما يحتاج إليه، وتقول الدكتورة النعيم: "لا شك أن مقدار المبلغ يجب أن يتلاءم وسن الطفل وكذلك الدخل وحجم الأسرة وتركيبها.. وتجدر الإشارة إلى عدم استخدام النقود كوسيط للثواب والعقاب، وهذا أخطر ما يمكن أن يفعله الوالدان.. أو تحذيره بالعبارات التالية: "اصرف بحذر فالوالد يتعب للحصول على النقود" أو "النقود لا تأتي بيسر حافظ عليها" وغيرها من العبارات التي من شأنها أن تشعر الطفل بالذنب. على أن الطفل يجب أن يدرك أهمية النقود وأهمية معرفة قيمة النقود".
وتضيف النعيم: "لا بد من تعويد الطفل على التوفير بتزويده بحصالة من الزجاج أو البلاستيك الشفاف إذ عندما يرى الطفل ارتفاع سطح النقود في الحصالة يتحمس لتوفير المزيد منها واستخدامها وقت الحاجة وليس حباً فيها".
الطفل والتعامل مع السوق
قد ينظر أحدنا بحسد أو بـ "بغبطة" إلى ابن لأحد أصدقائه عندما يراه يخاطب البائع بكل جرأة ويسأله عن سلعة معينة أسئلة تنم عن وعي هذا الطفل بكيفية التعامل مع السوق بكل ما فيه من سلع وباعة ومحلات، وهنا يسأل الأب نفسه: كيف يكون ولدي مثل هذا الطفل؟
يحدد ناجي خليف بعض النقاط الأساسية التي تسهم في زيادة الوعي لدى الطفل في تعامله مع السوق، وهي:
- إعطائه مبلغا محددا بسعر السلعة التي يشتريها.
- تدريبه على عملية الشراء مع مراقبته وتوجيهه.
- مرافقته أثناء عملية الشراء.
- توجيهه ببعض الأخطاء والصعوبات التي قد يواجهها أثناء عملية الشراء.
- تبصيره بالتعرف على قيمة السلعة قبل التوجه للمحاسب.
- تبصيره ببعض الأضرار الصحية لبعض المنتوجات.
- توعيته وتثقيفه بأهداف الإعلانات الدعائية التجارية وأضرارها.
- تعويده بأن لا يشتري إلا الأشياء التي يحتاج إليها وتعتبر ضرورية له.
- تدريبه على أن يفكر جيداً قبل أن يقدم على شراء السلعة وهل يحتاج إليها أم لا ومقارنتها بسلعة أخرى ومدى الحاجة إليها والأولوية لها.
وتقول الدكتورة صفاء: "إن التعامل مع السوق والباعة من المهارات التي يتعامل معها الطفل ويتعلمها تدريجيا أي أن وعيه بهذه المهارات يزداد بازدياد النمو العقلي وبازدياد خبراته وتجاربه.
واكتساب هذه المهارات يتم من خلال التنشئة الاجتماعية خاصة أسلوب الضبط الوالدي أو الثواب والعقاب، فعادة يلجأ الوالدان إلى دعم "إنابة" سلوك يقوم به الطفل ويكون مقبولا بالنسبة لهما ومتماشيا مع ثقافة المجتمع ويعاقب الطفل على سلوك ما عند رغبة الوالدين في كف هذا السلوك لأنه غير مقبول بالنسبة لهما.
وحتى يكون هذا الضبط ناجحا فمن المفروض أن يكون عادلا بمعنى أن يكون متناسبا ثوابا وعقابا مع حجم الفعل الذي قام به الطفل, والأهم من هذا أن يكون تعليميا أو إيضاحيا, أي أن يبين للطفل ونشرح له لماذا نرغب في أن يقوم بفعل ما أو أن يتجنب سلوكا ما, وهذا ينمي لديه القدرة على الاستقراء والمحاكاة والاستقلالية ونمو الشخصية والقدرة على التواصل بنجاح مع محيطه الاجتماعي ومن ضمن ذلك السوق والباعة.
ولا ننسى أن الطفل يتعلم من خلال ملاحظاته كيف يتعامل مع الآخرين كالوالدين والإخوة الكبار وكذلك الراشدين بشكل عام مع الباعة وأن يتذكر الوالدان باستمرار أن يكونا القدوة الحسنة للطفل باستمرار لأن الأفعال أقوى تأثيرا من الأقوال".
ويركز الدكتور الصالح على نقطة تنبه الطفل للغش التجاري وكيفية تدريب الطفل على اكتشاف أساليبه فيقول: " إننا إذا استخدمنا أسلوبا تربويا سليما في تربية الابن يقوم على الحوار والنقاش في مواضيع عدة حول أنواع الغش وأشكال البضائع المغشوشة وأساليب الباعة في الغش وتفاوت الأسعار وأساليب البيع، ونقوي بذلك العلاقة بيننا وبينهم ونكسبهم المهارة في ذلك ونؤثر في نفوسهم. كما أنه لا بد أن نعطيهم الفرصة لشراء السلع التي تناسبهم حتى يتدربوا على البيع والشراء واكتشاف أساليب الغش التجاري".