عبد الله الشباط .. أديب الأحساء ورائد صحافة الأفراد والطباعة في المنطقة الشرقية قبل نصف قرن
يُعد عبد الله بن أحمد الشباط أحد رواد صحافة الأفراد في السعودية ومن أوائل من أسس صحفاً ومجلات في الأحساء بشكل خاص والمنطقة الشرقية بشكل عام، كما كان من السبّاقين لإدخال الطباعة في المنطقة، وواجه الشباط مصاعب جمة في رحلته الطويلة مع الوظيفة والكلمة وانتهى مشواره الوظيفي بالفصل من العمل في رئاسة بلديات المنطقة المحايدة (ميناء سعود) قبل 40 عاماً، لأنه وجه انتقاداً لوكالة وزارة الداخلية لشؤون البلديات في إحدى الصحف، وفي ما يخص الكلمة فما زال يكتب منذ أكثر من نصف قرن واحتل مكانة رفيعة كأديب لامع يحمل روحاً أدبية وفكراً متوقداً، كتب في القصة والمقال وله أبحاث ودراسات أدبية محطوطة ومنشورة. في مقتبل عمره كان طموحه أن يصبح معلماً ليطلق عليه لقب "أستاذ"، وبالفعل وبعد أن نال الشهادة الابتدائية من مدرسة الهفوف الأميرية عام 1369هـ مارس مهنة التدريس وذلك لمدة أربع سنوات متنقلاً بين الدمام والقطيف، وأتاح له ذلك الالتقاء برموز الثقافة والأدب في هاتين المدينتين، وفي عام 1373هـ وهي بداية نهضة المنطقة الشرقية عاد للدارسة بالقسم الثانوي في المعهد العلمي بالأحساء وكان مديره آنذاك الشيخ عبد الله بن خميس الذي شهد المعهد في عهده نشاطاً ثقافياً لافتاً من خلال النادي الأدبي التابع للمعهد، وفي المعهد رأس صحيفة حائطية سجلت حضوراً في المنطقة وكانت تحمل اسم الضياء الجديد، وهو ما شجع المعهد على إصدار "مجلة هجر" وهو اسم الأحساء قديماً. ورأس تحريرها مدير المعهد الشيخ عبد الله خميس في حين تولى الشباط سكرتارية تحريرها، وقد صدر العدد الأول منها في شهر المحرم من 1376هـ بـ 43 صفحة وطبعت في مطابع المصري ببيروت، وأصدر الشباط في عام 1375هـ صحيفة أسبوعية حملت اسم "الخليج العربي" ثم توقفت لتعاود الصدور على هيئة مجلة شهرية ثم جريدة أسبوعية إلى أن توقفت نهائياً عن الصدور بعد إلغاء امتياز الصحف والمجلات التي كانت تصدر في جميع أنحاء المملكة. وتحويلها إلى مؤسسات أهلية وذلك عام 1383هـ.
ولد عبد الله أحمد الشباط في الأحساء عام 1353هـ وعمل في عدة وظائف وبرزت خصائصه الأدبية في سن مبكرة وقد اشتهر بابن الأحساء البار أو أديب الأحساء، وفي مقتبل عمره رمى نفسه في أحضان الصحافة وأصدر قبل أكثر من نصف قرن مجلة "الخليج العربي" التي تحولت إلى جريدة أسبوعية ومرت بمحطات مهمة من التوقف وتغيير مكان طباعتها بين الدمام، الخبر، الرياض، جدة، القاهرة.
يقول الشباط في رسالة إلى الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي مدير الشؤون الثقافية بمدينة الملك فهد الوطنية بالرياض والباحث والمؤلف المعروف، نشرها في كتابه "البدايات الصحفية في المملكة العربية السعودية" الذي تناول فيه بدايات الصحافة في المنطقة الشرقية. في عام 1369هـ نلت الشهادة الابتدائية من مدرسة الهفوف الأميرية فداخلين شعور بالزهو والاستعلاء ظناً أني بلغت من العلم غايته وهذا ما دفعني لقبول العمل في سلك التدريس لأتمتع بلقب أستاذ !! وكان ذلك بسعي المغفور له بإذن الله الشيخ عبد العزيز التركي معتمد المعارف بالأحساء آنذاك، وأمضيت الأعوام من 1370 إلى 1373هـ متنقلاً في مهنة التدريس بين الدمام والقطيف حيث التقيت خلال هذه الفترة بكثير من رموز الثقافة والأدب في القطيف والدمام، وشهدت بداية نهضة المنطقة الشرقية. وخلال هذه الفترة من 1373 إلى 1375هـ صدرت عدة جرائد ومجلات في المنطقة الشرقية مثل "أخبار الظهران"، "الفجر الجديد"، ومجلة "قافلة الزيت"، ومجلة "الإشعاع". وفي البحرين: "جريدة البحرين"، و"القافلة"، و"الوطن"، ومجلة "صوت البحرين". وكنت أكتب في بعض هذه الصحف والمجلات مقالات أدخلت في روعي أنني أصبحت بحق أستاذ الأدب والفكر، وفي عام 1373هـ عدت للدارسة بالقسم الثانوي بالمعهد العلمي الذي كان يقوم على إدارته الشيخ عبد الله بن محمد بن خميس، وشهد المعهد خلال فترة إدارته نشاطاً ثقافياً ملحوظاً، محاضرات وأشعارا وصحف حائط، وكان من ثمار تلك الأنشطة مجلة "هجر" التي كان لي شرف سكرتارية تحريرها. فلماذا لا أمد بصري إلى خارج أسوار المجلة لأتصل بمجلات: "الهدف" في بغداد، و"القلم الجديد" في عمان، و"السمير" في نيويورك".
ويضيف الشباط: في نهاية عام 1375 هـ تقدمت بطلب الترخيص بإصدار مجلة ثقافية في الأحساء تحت اسم "الخليج العربي" وصدرت الموافقة برقيا من الديوان الملكي، وبكل غرور الشباب وحماسه أصدرت مجلة "الخليج العربي" مجلة ثقافية تصدر بالأحساء، مدير تحريرها الشيخ إبراهيم بن عبد المحسن العبد القادر، وسكرتير التحرير عبد العزيز بن سليمان العفالق. وكان ذلك أسوأ مقلب شربته في حياتي، حيث توقفت بعد ستة أعداد صدرت غير منتظمة لأسباب مادية ومهنية لنقص الخبرة وعدم التخطيط للمستقبل وعدم الإلمام أساسا بمهنة الصحافة. وكانت المجلة تطبع في المطبعة السعودية التي أسسها المرحوم خالد الفرج في الدمام. توقفت المجلة فذهبت إلى الدمام للبحث عن عمل، فالتقيت بالأستاذ محمد أحمد فقي رئيس المرور بالمنطقة الشرقية آنذاك فعرض علّي أن يتولى رئاسة التحرير مقابل التمويل فقبلت على الفور، وحيث كانت مطابع الخط في الدمام مشغولة بطباعة أخبار الظهران توجهت إلى الشيخ حمد الجاسر رحمه الله طالبا منه العون بطباعة الجريدة في مطابع الرياض بشارع المرقب، فمد لي يد العون وأعلن استعداده لطباعة الجريدة حيث لا تكلف سوى أجور العمالة وقيمة الورق، على أن أوكل شخصا يشرف عليها ويتولى استلامها بعد الطبع، وكانت لي علاقة بالأخ حمود البدر، وكان يدرس في الرياض فطلبت منه القيام بهذه المهمة فلم يتأخر، فكان يستلم المقالات إما مناولة مني شخصيا عندما أحضر إلى الرياض أو أن أرسلها بواسطة أحد المسافرين في القطار وبعد الطبع يشحنها بالقطار بعد أن يستبقي النسخ المخصصة للرياض. ويشحن النسخ المخصصة إلى جدة.
ويسترسل الشباط في وصف تجربته المثيرة مع الصحافة والوظيفة بقوله: بعد أن ابتعث البدر للدراسة في مصر قام مكانه الكاتب السوداني عثمان شوقي - رحمه الله - وفي هذه الفترة بدأت الإعلانات تسلك طريقها إلى الجريدة حيث لم يعد المردود من التوزيع يشغل تفكيرنا. كانت مطابع الرياض تقوم بطباعة "الخليج العربي" طوال عامي 1377- 1378هـ وفي عام 1378هـ كان لا بد من تحديث الجريدة وإدخال بعض الألوان بناء على طلب بعض المعلنين. وهو أمر لم يكن متوافرا لدى مطابع الرياض لأنها مشغولة بطباعة جريدة "اليمامة" الأسبوعية فنقلت طباعتها إلى مطابع الأستاذ محمد حسين اصفهاني ابتداء من أول عام 1379 هـ تحت إشراف الأستاذ عبد العزيز فرطوشي واستمر هذا الوضع إلى نهاية العام حيث استطعت توفير بعض المال لشراء مطبعة قديمة طراز 1945 من البحرين واستأجرت القبو الذي تحت بناية البلدية بالخبر مقرا للمطبعة التي قامت بطباعة الجريدة من بداية عام 1380 هـ، وفي نهاية هذا العام نقل امتياز الجريدة إلى علي أبو خمسين لأسباب عديدة ولعل أهمها اختلافي مع الشيخ عبد الله بلخير مدير عام الإذاعة والصحافة والنشر حول بعض القضايا. وبذلك أفلست وبعت المطبعة إلى أبو خمسين بمبلغ سددت به ما علي من ديون. في أول عام 1381هـ رشحت لوظيفة مساعد رئيس بلدية الخبر إلى نهاية عام 1383هـ، وفي 1/1/1384هـ رشحت لرئاسة بلديات المنطقة المحايدة (ميناء سعود) إلى عام 1387 هـ حيث فصلت من الوظيفة لأنني اتهمت بالاختلاس من أموال الدولة مبلغا يقرب من ثلاثة آلاف ريال على مدى خمس سنوات بالاشتراك مع آخرين، وهي حجة تذرع بها المسؤولون في وكالة وزارة الداخلية لشؤون البلديات لأنني وجهت انتقادا للوكالة في جريدة "اليمامة" فيما يتعلق بمؤتمرات رؤساء البلديات التي يفاجئوننا بها دون استعداد أو تحضير.
ألفّ الشباط على مدى أربعة عقود كتبا في الأدب والقصة والتاريخ منها: أبو العتاهية دراسة، أدباء الخليج، أحاديث بلدتي القديمة، الفقيه الشاعر عبد الله علي آل عبد القادر، دراسات خليجية شاعر الخليج: صفحات مجهولة من أدب خالد الفرج، صفحات من تاريخ الأحساء، حمدونة (قصص)، الخبر: عروس الشرقية، الأحساء: أدبها وأدباؤها المعاصرون، بالإضافة إلى مقالات ودراسات ينشرها في الصحف السعودية، ويملك الشباط دار نشر في الخبر.