الخميس, 29 مايو 2025 | 1 ذو الحِجّةِ 1446


هل ما زالت الإنترنت سلاحا علينا؟

<a href="mailto:iqtisad@fantookh.com">iqtisad@fantookh.com</a>

حينما ينصب حديثنا على مسألة التأثير الفكري في الشباب ودور الإنترنت في ذلك، فإننا نتحدث عن ظاهرة تبرز كقفزة مفاجئة لعلمين من أخطر العلوم وأكثرهما سرية، أولهما: علم غسل الدماغ، وهو مفهوم نشأ في أول النصف الثاني من القرن العشرين وتطورت وسائله وأدواته، وثانيهما: علم التشفير وفك الشفرات.
وإذا كان كل مجال من هذين المجالين قد وجد في الإنترنت وعلوم الحاسب بيئة مناسبة للانتشار والتوسع وممارسة التأثير، فلا شك أن الآثار الناتجة عن تزاوج هذين العلمين تفوق كل تصور، خاصة إذا كان المجتمع المستهدف يعاني من قصور ما يمكن استغلاله في تمرير الأفكار الهدامة.
وقد تطور مفهوم غسل الدماغ من مجرد إحلال أفكار جديدة محل الأفكار القديمة التي تنتزع بوسائل عديدة من عقل الشخص المستهدف، ليكون عملية متطورة ومعقدة تستهدف أيضا استثمار معتقدات الشخص واستخدامها في تنفيذ أهداف ليست أهدافه، وإعادة تشكيل تصرفاته بالشكل الذي يخدم خطة كبرى لا يعلم عنها الضحية شيئا.
وفي المقابل تطورت وسائل التشفير وفك الشفرات، بالشكل الذي يشير إلى حرب خفية غير صاخبة تدور بين منظمات تختلف في المنطلقات والأهداف يتجسس كل منها على الأخريات، وتلجأ إلى تغيير محتوى الرسائل المشفرة بما يخدم مصالحها وينحرف بها عن مسارها الأصلي.
ولكن إلى أي مدى يمكن أن ندرس هذا التأثير فيما يتعلق بعالمنا العربي ومجتمعنا المحلي، إن الإجابة عن هذا السؤال من الصعوبة بمكان في ظل غياب البيانات والإحصائيات التي تتعمق في طبيعة نشاط المستخدم العربي وتفاصيله وتأثير ذلك في سلوكه داخل مجتمعه، ولكننا في الوقت ذاته يمكن أن نلاحظ تزامنا يصعب تجاهله بين نمو استخدام الإنترنت في العالم العربي، ونمو وتشجيع الفكر الضال إذا تجاوزنا عن الخلاف حول هذا المفهوم، وهو ما يشير إلى علاقة ما بين الإنترنت كمرجعية جديدة ووسيلة بث أفكار سريعة المفعول، وبين أنماط فكرية أجمع المفكرون والمحللون على اعتبارها غريبة ودخيلة في مجتمعات تعتنق أصلا ثقافة التسامح والسلام رغم محاولات البعض اليائسة ربط هذا الفكر الضال بالمناهج التعليمية أو علماء الإسلام ودعاته. إن مثل هذا التهور في الأحكام وهذه السطحية في الطرح لا يدلان فقط على الجهل والسطحية بل إنهما يعتبران من الاستفزازات التي تدفع لانتشار الأفكار الضالة.
لقد استخدم دعاة الأفكار الهدامة الإنترنت بكثافة طوال السنوات القليلة الماضية لبث أفكارهم وتجنيد عناصر تنفذ مخططاتهم، وعبر وسائل تقنية متطورة نجحوا في عمليات غسل دماغ واسعة المدى وعميقة التأثير، وعلى الجانب الآخر كانت علوم التشفير والتعمية وسيلة ناجحة في نقل الرسائل والبيانات بما حقق نقلة نوعية في وظائف الإنترنت لا يمكن تجاهلها. إن المشكلة تتعاظم ويزداد الغموض إذا كنا نعتد بمصادر المعلومات القادمة من جهات ومنظمات لم تثبت براءتها من المخطط الشامل لبلبلة مجتمعاتنا.
وقد كان للتقصير الأساسي في عدم إدراكنا الإنترنت، ومعاملتها كأي سلعة مستوردة، وأسلوب الانتقاء بالمنع والسماح دون خطة طموحة لبناء محتوى وطني مناسب، وإهمال سماتها التفاعلية، الدور الأكبر في انتشار هذه الظواهر المؤسفة، وإذا كانت هذه حقيقة واقعة، فإن ضوءا بدأ يبزغ في الأفق من خلال دور أكثر حيوية تبنته وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد تحت عنوان "حملة السكينة". وعلى الرغم من النتائج المبهرة لهذا الاتجاه، إلا أنه لا يزال غير كاف لاستئصال ظاهرة استغلال الإنترنت في نشر الفكر الهدام من جذورها، حيث لا بد من أن يتسع ليصبح حركة اجتماعية عامة لا تتسم بالرسمية.
ما زال أمامنا طريق طويل، ولكننا بدأنا فيه أولى الخطوات المشجعة، هذا الطريق الذي يعتمد على مواجهة فكرية تتخذ من الأفكار سلاحا، ببيان الزيف وتفنيده، وبالتحصين الديني والتحصين الفكري، وليس مجرد الاعتماد على الحماية المباشرة من التيارات المناهضة بغض النظر عن الوسائل غير المباشرة التي يتبعها دعاة الفكر الهدام والتي تؤدي إلى نتائج مضمونة في وقت قصير!
وقبل ذلك كله التصدي لهذه الظاهرة بالبحث والدراسة، وإجراء الإحصائيات المحلية الدقيقة غير المتحيزة التي يمكن الاعتماد عليها في معرفة علاقة ظاهرتي الإرهاب وانتشار الإنترنت، وإبعاد الأطراف التي تحاول أن توسع من دائرة الخطر ليشمل كل ملتزم بدينه حتى لا تظل هذه الظواهر جانبا مظلما من حياتنا نلعنه ولا نعرفه إلى الأبد.

الأكثر قراءة