الأمانةُ مسؤوليّة كلِّ فردٍ منَّا نحوَ نفِسه وتعامُله مع ربِّه

الأمانةُ مسؤوليّة كلِّ فردٍ منَّا نحوَ نفِسه وتعامُله مع ربِّه

أوضح سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة أنَّ مِن تكريمِ اللهِ لابنِ آدمَ أن جعَله مؤهَّلاً لحَمل تِلكمُ الأمانةِ العظمى التي أبَت عن حملِها عظيمُ المخلوقاتِ السمواتُ السّبع والأرض والجِبال "إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً" [الأحزاب:72]. لم تمتنِع تلك المخلوقاتُ معصيةً لله، ولكن خوفًا مِن أن لا يقُمنَ بواجب تِلكم الأمانة. حَمَلها الإنسان على ظُلمِه وجهلِه وضَعفِه وعجزِه، ولكن تنوَّع بنو آدمَ في حملِ تلكم الأمانة، فالمؤمِنون حمَلوا الأمانةَ ظاهِرًا وباطِنًا، آمنَت قلوبهم وصَدّقت ألسِنتُهم وعمِلت جوارِحهم، والمنافِقون تظاهَروا بحملِها، لكن يعلَم الله أنّ المنافقين لكاذِبون. حملوها ظاهِرًا وهم منكِرون لها في باطِنِ الأمر، وغيرُهم من سائرِ الكَفَرة لم يَقوموا بحقِّ هذِه الأمانة لا ظاهِرًا ولا باطنًا، "لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا" [الأحزاب:73].
وقال سماحته إنّ مَعنى الأمانَةِ في شريعةِ الإسلام معنًى عَامّ يتضمَّن التكاليفَ الشرعيّة والواجباتِ الإسلاميّة، فالأمانة جزءٌ من الإيمان فلا إيمانَ لمن لا أمانةَ له. هذهِ الأمانةُ تكون معَ المسلمِ في معاملَتِه معَ ربِّه، وفي تعامُله مع نفسه، وفي سائرِ التّعامُل مع عبادِ الله.
ومضى يقول إنّ اللهَ جلّ وعلا ائتمَنَ المسلم على هذا الدّينِ الذي فطَره عليه، "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا" [الأعراف:172]، "أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ" [يس:60، 61]. تلكمُ الفِطرةُ التي فطَر الله الخَلقَ عليها، (مَا مِن مولودٍ إلاَّ يولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه)1[1]. إنَّ توحيدَ الله أمِرَ به العبادُ كلُّهم: "وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ" [البينة:5].
وحث على تحمل الأمانةُ وقال إن كنتَ مؤمنًا صادقًا، فكلّما قُمتَ بِواجبِ هذهِ الأمانةِ دلَّ على صفاءِ قلبِك وتمكُّنِ الإيمانِ مِنك، وكلّما ضعُف أداؤك للأمانةِ دلّ على ضَعفِ الإيمان في القلبِ. يقول أنسٌ رضي الله عنه: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يَقول: (لا إيمانَ لمن لا أَمانةَ له، ولا عَهدَ لمن لا دِينَ له)2[2]، فلا أمانةَ لمن لا إيمانَ له، فاقدُ الإيمان لا يمكِن أن يؤدِّيَ أمانة، فاقدُ الدّين لا يلتزِم عهدًا ولا يفِي بميثاق.
وقال إن الله أُمِرنا برعايةِ الأمانةِ وجُعَل المحافظةُ عليها من أخلاق المؤمنين: "وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ" [المؤمنون:8]، ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم يجعَل مِن صفاتِ المنافقِ خيانتَه للأمانةِ فيقول: (آيةُ المنافق ثلاث إذا حدّث كذب، وإذا وعَد أخلف، وإذا ائتُمِن خان)3[3].
وأن هذه الأمانةُ مسؤوليّة كلِّ فردٍ منَّا نحوَ نفِسه وتعامُله مع ربِّه وتعامُله مع عِبادِ الله. أمانةُ الفَرد مع الفردِ، أمانةُ الفردِ مع المجتمَع، أمانة ملقاةٌ على المجتمَع عمومًا؛ لأنّ هذا الدّينَ أمانةٌ في أعناقِ الأمّة، "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" [آل عمران:110].
وأهمس في أذن كل مسلم بأن يحرص على الأداء وأقول إن أمانتُك فيمَا بينَك وبينَ اللهِ إخلاصُك التَّوحيدَ للهِ، إفرادُك اللهَ بالعبادةِ، قَصدُك التقرُّبَ إلى الله، عِلمُك الحقّ أنه لا ينفعُك عمَل إلاّ إذا ابتغيتَ به وجهَ الله والدارَ الآخرة، "فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا" [الكهف:110]. أمانةٌ بينَك وبينَ اللهِ فيما أمَرك به مِن الأوامِر وفيما نهاك عنه مِنَ النواهي، فترعَى لتلكم الأمانةِ حقَّها.
الصلوات الخمس ائتمِنتَ على طهارتها، كما ائتمِنتَ على أدائها، فطهارتها أمانةٌ في عنقك، إن أخللتَ بشيءٍ منها كنتَ خائنًا لشيءٍ من أمانتِك. رأَى النبيّ بَعضَ أَصحابه تَلوح أعقابهم لم يصِبها الماء فنادى: (ويلٌ للأعقاب من النار)4[4].
أنتَ مؤتمَنٌ على صلواتِك الخمس مِن حيث الوقتُ، فتؤدّيها في الوقتِ الذي شَرعَ الله فيه أداءها، ولا تؤخّرها تكاسُلاً وتهاوُنًا فتكونَ من الخاسرين، مؤتمَنٌ على أركانها وواجباتها وجميعِ متطلَّباتها لتكونَ ممن أدّى الصلاةَ على الحقيقة.

الأكثر قراءة