لوائح ناضجة في سوق ناشئة

لوائح ناضجة في سوق ناشئة

من خلال اللقاء الذي أجرته القناة الأولى في تلفزيون المملكة مع جماز السحيمي تبين أن السوق السعودية تندرج ضمن فئة الأسواق الناشئة إن لم تكن أقل من ذلك فهي تعاني من مشاكل هيكلية تتمثل في غياب أو حداثة المؤسسات الوسيطة، وضحالة السوق، وارتفاع نسبة المستثمرين الأفراد على حساب المؤسسات، وأخيرا بحسب السحيمي اختلال سلوكي، وأضيف إليها حداثة هيئة السوق المالية كسبب رئيسي لتصنيف السوق السعودية بالسوق الناشئة أو ما دون الناشئة إذا جاز التعبير.
اختلالات هيكلية لسوق ناشئة تعالج بوصفات علاجية مستوردة من أسواق ناضجة وخاصة الغربية منها التي نشأت وتطورت مع التطور الاقتصادي في مجالاته كافة في تلك البلدان، أظن أنها غلطة استراتيجية أسهمت مساهمة كبيرة في الصعود الحاد والهبوط الأكثر حدة في سوق الأسهم السعودية بشكل أفقد ثقة المستثمرين بها وخلفهم الآلام التي تحتاج إلى سنين عدة لمداواتها.
نعم التشابه لا يعني التماثل فكلنا نتشابه في الأجساد ولكننا نختلف في المقاسات ولا يصلح أن نلبس ثيابا بمقاسات واحدة رغم تشابه الثياب، فكل جسد يحتاج إلى مقاسات خاصة به والعمل بخلاف ذلك سيجعل الثوب لا يقوم بمهمته بل سيكون مثارا للضحك والسخرية، وهذا ما قامت به الهيئة التي تطلب منا التريث في الحكم عليها لأنها فتية، وفي الجانب الآخر تستورد أنظمة الأسواق الناضجة وتطبقها بمعاييرها العالية على أطراف سوق الأسهم دون الأخذ في الاعتبار حداثة هذه الإطراف هي الأخرى في العمل بسوق الأوراق المالية، رغم أن التدرج في التطبيق سنة الهيئة رسخها الدين الإسلامي في ثقافتنا.
تطبيق أعلى معايير الإدراج المستوردة من الأسواق الناضجة على الشركات المساهمة المقفلة أخر أدراجها وعزز ضحالة السوق الذي تعتبر خللا هيكليا بحسب السحيمي، أيضا تطبيق النظام القائل بضرورة مرور الشركات بالفترة النظامية رغم حاجتنا الشديدة إليها خاصة في القطاعات المهمة مثل الصحة والتعليم والنقل والترفيه والإسكان عزز هو الآخر ضحالة السوق.
هدف استراتيجي وهو معالجة ضحالة السوق بإدراج المزيد من الشركات القادرة على امتصاص السيولة المالية وتحويلها إلى شركات عملاقة في القطاعات المهمة ليكون أكثر عمقا بما يحمي السوق المالية من الذبذبة العالية يواجه بتكتيكات عكسية تعزز الضحالة، سلامة مقصد تواجه بسوء منهج، فسوق فتية ناشئة تعمل في بيئة فتية تلبس ثياب سوق ناضجة تعمل في بيئة أكثر نضوجا، أليس هذا خطأ استراتيجيا؟
ولكن كما نقول دائما ليس عيبا أن نخطئ ولكن العيب أن نستمر في الخطأ، وعلينا أن نعيد النظر في قضية معالجة ضحالة سوق الأسهم في بلادنا التي تغص بالسيولة والمتوقع لها أن تزيد في ظل زيادة أسعار النفط، ضيعنا سنتين فلا نمعن بالخطأ، لنعيد النظر لاستثمار الأموال المقبلة لتوسيع قاعدة الاقتصاد الكلي، كيف؟
خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - أعلن عن قيام بنك برأسمال 15 مليار ريال يكتتب المواطنون بنسبة 70 في المائة من رأسماله، وهذا حل أكثر من رائع لتحويل هذه الأموال إلى بنك يسهم في التنمية، هذا الحل يمكن استنساخه في مجالات أخرى مهمة كما المجال المالي، يمكن استنساخه في التعليم الذي يعاني من ضعف مشاركة القطاع الخاص فيه 6.5 في المائة، كما يمكن استنساخه في الصحة التي يعاني المواطن من ضعف خدماتها بالانتظار لفترات طويلة للحصول على موعد، ويمكن استنساخه في القطاع الإسكاني حيث يعاني المواطن من طول مدة الانتظار للحصول على سكن يقيه وأبناءه جور الزمان، وهكذا في قطاعات أخرى مهمة تسعى الدولة إلى مشاركة القطاع الخاص مشاركة فاعلة لتنميتها، وهذا الخيار رقم واحد في تعميق سوقنا الفتية.
الخيار رقم اثنين هو الإدراج دون اكتتاب، فالكثير من يتهم هيئة السوق المالية ومن تتعاون معهم من مستشارين ماليين في المبالغة في تحديد علاوة الإصدار للشركات المساهمة التي وافقت الهيئة على إدراجها حيث يتهم البعض الهيئة بأنها مكنت المؤسسين من تحقيق أرباح مهولة على حساب المواطن المكتتب وذلك ببيع 30 في المائة من أسهمها مع الاحتفاظ بـ 70 في المائة من أسهم الشركة، وهذا يمكن تفاديه بالإدراج دون اكتتاب بما يوفر الوقت والجهد ويقصي الشك بحيث تترك الحرية للمستثمرين بعد نشر القوائم المالية للشركة بتحديد السعر المناسب للسهم، وهذا يمكن تطبيقه وفورا ليحقق عدة أهداف، تعميق السوق، توفير الجهد، اختصار الوقت، عدم إتاحة الفرصة لأصحاب الشركات المساهمة من تحقيق أرباح خيالية على حساب المكتتبين الذي يصدقون رأي الهيئة في علاوة الإصدار من ناحية ويتهمونها بالتلاعب في ذلك من ناحية أخرى حسب الظروف والمعطيات.
ختاما أقول سوقنا ناشئة أو دون الناشئة وتحتاج إلى لوائح معدلة من لوائح مستوردة من أسواق ناضجة، يتم التدرج في تطبيقها في مراحل حتى ترتقي السوق المالية بمتعامليها لمرحلة النضوج لنطبق عليها اللوائح المستوردة كما هي في بلد المنشأ، أما أن نعمل على حرق المراحل بالقفز بالمتعاملين من القاع إلى القمة فأظن النتيجة حرقا للمتعاملين وليس حرقا للمراحل.

الأكثر قراءة