متى نتسامح مع الأديان الأخرى؟
مقولة روسّو إنه "لا توجد الحرية إلا بمعرفة حدودها" تنطبق على المداخلات الجريئة التي عَزَفَتْ على أكثر من وتر حساس في الحوار الفكري الخامس "نحن والآخر" بحرية موضوعية فريدة. هذا الحوار كان فريداً من نوعه لأن معظم المشاركين فيه عبروا بحرية حدودها معروفة كما أنه لم يكن مثل الحوارات السابقة التي وُجِهَتْ فيها التهم والفتاوى يميناً ويسارا وانهمرت فيها دموع المشاركات الحيارى. سمعنا (وشاهدنا) في الحوار الخامس مداخلات جريئة عن أهمية تطبيق حقوق الإنسان وعن الولاء والبراء والجهاد والتجهيل ومن يحدد "النافع" من "غير النافع" في ترجمة الثقافات. لأول مرة تستعمل كلمة "تمكين" المرأة بدلاً من "تشجيع" المرأة ويثار موضوع الفصل بين الجنسين في المؤتمرات، وموضوع تدريس الفقه الجعفري وأهمية تفعيل العلاقة مع الحضارات. كل هذا يؤكد على أهمية قبول التنوع المذهبي والفكري من منطلق التعددية تحت مظلة الضوابط الشرعية والمصلحة الوطنية. النقطة الجديرة بالاهتمام هي المبادرة الجريئة بضرورة احترام الإنسان "الآخر" مهما كانت ديانته ومعتقداته.
قد تكون أول خطوة ملحة لتطبيق هذه المبادرة من منطلق الحرية الموضوعية هي ضرورة مراجعة وتطوير المناهج الدراسية وتنقية المؤلفات الأخرى والمنابر التي تدعو إلى الكراهية وتكفير أشخاص بعينهم أو مذاهب بعينها. الأهم من تطوير المناهج هو إعادة النظر في بعض الاجتهادات الفردية العشوائية وضرورة تغيير أسلوب "التلقين" إلى أسلوب الفهم ونشر الحرية الموضوعية والتسامح والمودة والسلام تحت مظلة الشريعة الإسلامية. بعض مناهجنا يشمل كماً كبيرا من العداوة للآخر وبعض منابرنا الأحادية الفكر مازال يشجع على الانغلاق وكره الآخر، بل والدعاء عليهم ليلاً ونهاراً. نحن بحاجة إلى تهذيب هذه الأفكار التي تسعى إلى فرض هيمنة الخطاب الواحد إذا أردنا أن نعيش مع بعضنا ومع الآخر بطمأنينة وأمن وسلام.
الإسلام حثنا على التعامل الحسن والاحترام للديانات الأخرى ولم يترك لنا الحرية المطلقة لقتل أو إقصاء من يختلف مع مذهبنا أو ديننا. الأمر بالمعروف لا يعني أن يضع هذا الفكر الإرهابي ومن يتستر وراءه نفسه في مكان الإفتاء دون أن يكون أهلا له.
إن الوصاية على حرية آراء الآخرين هي من باب الغلو والتطرف والتعصب والإقصاء. مازال بيننا من يدعو لبغض "الكافر" والبراء منه والنهي عن مودته من منطلق أن هذا "أصل من أصول عقيدة المؤمن". لا أعتقد أن هناك أي فرق بين هذا التفكير الأحادي وبين اعترافات أفراد القاعدة السابقين التي بثها التلفزيون السعودي الأسبوع الماضي عن نيتهم لإسقاط الدول "الكافرة". هناك الألوف مثل هؤلاء ممن تم التغرير بهم وتضليلهم وأعطيت لهم صكوك البراءة والرشاشات والحرية المطلقة لاستباحة دماء خلق الله دون وجه حق.
توقفت أيضاً عند رأي أحد المشاركين بالمطالبة بالاهتمام بجميع المذاهب الإسلامية وعدم الاقتصار على فئة معينة في مؤسسات المجتمع، وأهمية عقد لقاء بين المذاهب الإسلامية للتعايش والتفاهم فيما بينهم. حان الوقت لنبذ فكرة إقصاء المواطن "الآخر" من المذهب الشيعي أو الإسماعيلي أو غيرهم من فئات المجتمع، فنحن إذا اتحدنا بجميع ألواننا وأطيافنا نشكل نسيج هذا الوطن الكبير. ولا أعني هنا فقط نبذ التطرف ضد الأقليات في المجتمع، بل أيضاً ضرورة تكافؤ الفرص الوظيفية لجميع الشرائح بغض النظر عن انتمائهم المذهبي أو مرجعيتهم الجغرافية.
هل يُعْقَل أن بعضنا مازال اليوم ينادي بإقصاء الآخر لأن ذلك "الآخر" يختلف عنا؟ هل يعقل أن يحضر البعض بأجندة متشددة وقناعات معينة تدعو إلى إقصاء وتهميش كل ما هو "آخر"؟ أوافق تماماً مع مشاركة جريئة قالت إنه لا بد من تفعيل الدور المجتمعي لتعزيز ثقة احترام شعور الآخر. لا بد من تمكين، وليس فقط تشجيع، المرأة السعودية على المشاركة الفعالة في الهيئات والمؤسسات الداخلية والخارجية. لا بد من ترسيخ التعايش السلمي مع "الحجازي"، "القصيمي"، "الشيعي"، "الجاوي"، و"القطيفي" إذا أردنا فعلاً أن يحترمنا الآخر. يمثل هذا الحوار رؤية اجتماعية صحية ورغبة صادقة للتعبير عن كل الآراء لنبذ التمييز العنصري والدعوة إلى التعايش السلمي بين جميع أطياف الشعب بحرية موضوعية صادقة ومهذبة. ليس مهماً أن ينتج عن هذا الحوار أو غيره من حوارات المحاضرات المكررة التوصيات التفصيلية التي توضع برفق وحنية وحنان في الأدراج، بل المهم وضع آليات تنفيذ وبرامج عملية لتطبيق ما يُناقش وما يُتَفَقُ عليه في هذه الحوارات.
سؤال
بما أن المتحاورين اتفقوا على احترام "الآخر" بجميع أديانه وحضاراته وأوطانه، هل يتجسد هذا الاحترام بإعطاء "الآخر" حريته لأداء شعائره الدينية بما لا يتنافى مع الشريعة والمصلحة الوطنية بكل أمن وطمأنينة وسلام؟
كاتب اقتصادي
[email protected]