أمريكا العصور الوسطى: المرحلة الأخيرة للإمبراطورية!
يناقش الكتاب الانهيار المتوقع للاقتصاد الأمريكي وتآكل الديموقراطية الأمريكية التي كثيرا ما وصفت بالمثالية، وظهور ماكينة الدعاية المتكاملة التي تدمر الحوار القومي، لدرجة أن الأمريكيين يغرقون حاليا وسط الضباب الإعلامي.
في هذا الكتاب يشبّه الكاتب والمؤرخ الثقافي موريس بيرمان، الولايات المتحدة بروما القديمة في نهاية عصور ازدهارها الذي تلاه عصرا من الاضمحلال انتهى بوقوعها مع القارة الأوروبية كلها في العصور المظلمة لعدة قرون.
فعلى المستوى الجغرافي تتسم الولايات المتحدة بأنها إمبراطورية عدائية ممتدة على مساحة كبيرة، وتعاني أوجها مختلفة من العجز واقتصاد على وشك التعرض للاهتزاز. يضاف إلى هذا احتمال تعرضها للمزيد من الهجمات الإرهابية أو الأسوأ من هذا هو الانهيار إذا ما قررت الدول المقرضة لها التخلي عنها.
يمتد هذا الاضمحلال كما يراه الكاتب ليشمل الجوانب الثقافية والروحية أيضا: فقد صار الأمريكيون باردين متباعدين مغتربين عن بعضهم وعن الآخرين، وتتحكم فيهم النزعات الاستهلاكية المستعرة، ويسجنون أنفسهم داخل أسوار العزلة التي تفصلهم عن العالم الخارجي، ويعيش كل منهم في حالة من اللامبالاة بالمصلحة العامة.
من الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع: العولمة والتطور التكنولوجي والأنانية والنزعة الاستهلاكية التي كادت تصير حجر الأساس في الهوية الأمريكية. ولأن الحضارة الأمريكية متكاملة لا يمكن فصل عناصرها كل عن الآخر يعتبرها مؤلف الكتاب غير قابلة للإصلاح إلا إذا تم تناولها ككل وليس كل من أجزائها على حدة.
يحاول الكتاب ربط كل النواقص والعيوب الأمريكية بالأمراض المستشرية في المجتمع من الخواء الروحي، ما يجعل الكاتب يربط مجموعة من القضايا المهمة التي يراها على صلة وطيدة ببعضها، مثل الفقر وفضائح سجن أبي غريب وغيرها من القضايا التي قد يراها القارئ غير ذات صلة ببعضها، وإن كانت تعبر جميعها عن الخواء الروحي الذي بدأ يعتري الأمة الأمريكية.
يناقش الكتاب الانهيار المتوقع للاقتصاد الأمريكي وتآكل الديموقراطية الأمريكية التي كثيرا ما وصفت بالمثالية، وظهور ماكينة الدعاية المتكاملة التي تدمر الحوار القومي، لدرجة أن الأمريكيين يغرقون حاليا وسط الضباب الإعلامي. القضية الأساسية التي يناقشها الكتاب هي التفاصيل الدقيقة للطريقة التي يحيا بها الناس أي قيمهم وسلوكهم اليومي والتي أدت إلى هذه الحالة بلا أمل في رجعة قريبة.
يدرك المؤرخون اليوم أن سقوط روما وما تلاه من بداية العصور المظلمة الأوروبية لا يمكن نسبه إلى سبب واحد. فالحقيقة هي أن روما في آخر أيامها لم تعد تعرف كيف تعيش وكان انحدارها ناتجا عن ضعف هيكلي عام تنامى مع الوقت. يرى مؤلف الكتاب موريس بيرمان أن هذا هو الحال في الولايات المتحدة اليوم. فقد دخلت أمريكا في طريق اللاعودة.
يربط الكتاب بين عوامل الانهيار القومي واسعة المجال مثل النظام الاقتصادي الذي تجاوز طاقته القصوى والسياسة الخارجية المدمرة للداخل والتدهور الواضح في الحياة اليومية للمواطنين والذي يتسم بالتسارع المبالغ فيه لإيقاع العمل وتآكل المعايير الأخلاقية والاجتماعية وتراجع مستويات أداء وسائل الإعلام. يتزامن هذا مع انتشار النزعات الاستهلاكية التي تزيل الكثير من المعاني السامية في الحياة بدون أن تطرح بدائل مناسبة.