عندما يصبح التخصص عائقا وليس ميزة للمنظمة

عندما يصبح التخصص عائقا وليس ميزة للمنظمة

<p><a href="mailto:[email protected]">wkaidw@ipa.edu.sa</a></p>

التخصص في وظائف العاملين لدى أي منظمة من الأشياء الجميلة التي استطاع الفكر الإداري تعميقها في أذهاننا، والذي ينسبه المهتمون بالكتابات الإدارية ونظريات الإدارة إلى حركة الإدارة العلمية وتحديداً إلى آدم سميث عام 1776م، وهو بلا شك (التخصص) يخدم المنظمة ويزيد من قدرتها التنافسية من خلال رفع كفاءة العاملين لديها في المجالات الإدارية المختلفة.
ويتفق عدد كبير من المهتمين بالفكر الإداري على أهمية التخصص للعاملين في منظمة ما؛ ولكن المشكلة تكمن في "تقديس" بعض المنظمات للتخصص بشكل مبالغ فيه. وهذا التقديس يحرم المنظمة من آراء غير المختصين من المنتسبين لها أو من خارجها، فقد يكون رأي غير المختص له ما يبرره ويمكن تبنيه وقد يحقق للمنظمة نتائج ومزايا لم ينتبه لها المتخصص في الموضوع نفسه. والحقيقة أن هذه المشكلة إما أنها متبناة من قبل المنظمة وقادتها، أي أنها في ذاكرة وذهن المنظمة ولكنها (المنظمة) مقتنعة بأن فوائد الركون للمختص فقط تغني عن الانشغال برأي غيره من غير المختصين، وإما ألا تكون في ذهن المنظمة ولكنها خاضعة لها وبشكل لا إرادي، أي أنها تجهل وجود هذه المشكلة! وفي كلتا الحالتين تعتبر مشكله تحتاج للتأمل والتفكير.
ولعلي أضرب مثالاً يقرب هذه الفكرة: ولنفترض أن أباً لديه ثلاثة أولاد، وقام هذا الأب بتوزيع مجموعة من المهام على أولاده لإدارة احتياجات الأسرة، وقال لابنه الأول؛ إنك مسؤول عن جلب الطعام، وقال للثاني إنك مسؤول عن اتصالات الأسرة، وقال للثالث إنك مسؤول عن حماية الأسرة، وأكد لهم أن كل واحد منهم مسؤول عن عمله. وبعد بضعة أيام رأى الابن الثاني ـ المسؤول عن اتصالات الأسرة - جرثومة خطيرة في الأكل الذي جلبه أخوه (المسؤول عن جلب طعام الأسرة) فقام على الفور بإخبار الأب بهذه الجرثومة الخطيرة، ولكن الابن فوجئ بأن أباه يقول له إنك مسؤول عن اتصالات الأسرة، وهذه المهمة من مسؤولية أخيك الأول، فلماذا تتدخل في أكل الأسرة؟! ويمكن أن نتخيل خطورة تصرف الأب إذا كان كلامه ناتجا عن انفعال لحظي، وخطورته كذلك إذا كان كلامه عن قناعة ولا يرجى تغيير موقفه في المدى القريب!

إن إدراك المنظمة لأهمية التخصص يجب ألا يحرمها من جمال الأفكار التي قد تخرج من غير المختص، ونحن نرى في واقعنا التنظيمي وحياتنا الاجتماعية بل وفي فكرنا الأصيل الكثير من الأفكار الجميلة التي تأتي ممن ليس له علاقة بالموضوع المطروح أو له علاقة ولكن ليس متعمقا فيه. ويكفي أن نستشهد بمقولة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - المشهورة (أصابت امرأة وأخطأ عمر). ومن المهم أن تدرك المنظمة ما قد يسببه الفصل التام بين التخصصات، وألا تكون النظرة للتخصص سلبية تعوق الفكر السليم الذي يبحث عن ضالته ويسعى إلى تحقيق أهدافه بجدية.
وقد لا يكون من السهل على المنظمة في بيئة العمل، والوظائف المتخصصة، إدارة المعرفة أو الآراء التي يمتلكها كل واحد من منسوبيها أو المتعاملين معها، فإدارة تلك المعرفة حقل يحتاج إلى أن تضع المنظمة له اهتماما خاصا لكي تتمكن من جني الثمار من خلال الاستفادة والاستثمار في الخبرات المتراكمة لديها وإن كانت تلك الخبرات غير متخصصة.

عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة في الرياض

الأكثر قراءة