اقتصاديات الوعي: الطراز والمادة في عصر المعلومات
إذا ما كان علم الاقتصاد يتعلق بتخصيص الموارد، فما هي أهم الموارد وأكثرها قيمة في اقتصاد المعلومات الجديد؟ لن تكون (المعلومات) هي الإجابة عن هذا السؤال بالتأكيد حيث إننا نكاد نغرق تحت السيل المنهمر منها. ولكن ما نفتقر إليه هو الوعي بكيفية فهم هذه المعلومات واستخراج قيمة ما منها.
يتتبع مؤلف الكتاب ريتشارد لانهام في هذا الكتاب انتقال العالم من اقتصاد الأشياء والسلع إلى اقتصاد الوعي. تبعا لما يقوله ريتشارد، فإن السلعة الأساسية لعصر المعلومات الجديد ليست هي الأشياء وإنما الطراز، والمقصود بالطُرُز هنا هو ما يتنافس على جذب انتباهنا وسط السيل الإعلامي الجارف المحيط بنا من كل جانب.
في هذا العالم، ستصبح الفنون والكلام أكثر أهمية من الهندسة والعلوم الفيزيائية وعلم الاقتصاد كما يمارس بصورته التقليدية. حيث ستحظى الملكية الفكرية بمكانة مركزية في الاقتصاد أكثر من الملكية الحقيقية. فهي التي تنظم امتلاك واستثمار الأفكار وتداولها وتحويلها إلى سلع أو خدمات تباع وتشترى.
يحاول الكتاب وضع خريطة للحدود التي وضعتها تكنولوجيا المعلومات بتطوراتها المتلاحقة. بالنسبة لريتشارد فإن الفنون والكلام هي المجالات التي تختص بدراسة تخصيص الوعي وتشكيل رأس المال الثقافي وتداوله. ففي اقتصاد الوعي نجد أن الطراز والمادة قد تبادلا الأماكن واحتلت كل منها مكانة الأخرى وأهميتها. يؤكد الكتاب أن تغليف وتعبئة السلعة في عصر المعلومات صار أهم من السلعة نفسها.
لذلك فإن هناك مجموعة جديدة من رجال الأعمال ستظهر في عالم الأعمال وهم مختلفون عن المديرين التنفيذيين أو مديري الاستثمارات المألوفين في الماضي. فهم رجال الأعمال جدد يتميزون بفهمهم لأسس المبادئ الإنسانية والفنون الابتكارية. ويتميزون بالتخلص من قوالب التفكير التقليدية الجامدة التي اعتاد المديرون تقنين أنفسهم بها.
على مدار آلاف السنوات من الحضارة الإنسانية على سطح الأرض، كانت التغيرات والتطورات تأخذ وقتا طويلا لتترسخ في أذهان الناس. فقد استغرق الأمر ألفي عاما من التطور ليصل الإنسان إلى اللغة المكتوبة المعروفة حاليا، فهل يمكن الشك في سرعة التطور المستمر لطرق تعبئة وترشيح واستهلاك المعلومات في العصر الحالي، إن التطور الآن يحدث بأسرع مما قد يمكننا ملاحقته أو حتى فهمه واستيعابه.
يستعرض الكتاب تطور علم الاقتصاد في عصر المعلومات، ملقيا الضوء على مشكلة الاقتصاد المعلومات، ومؤكدا أنها ليست هي النقص في المعلومات وإنما التعامل مع الكم الهائل منها. ومع انتقالنا من عصر يتعامل مع الأشياء المادية إلى عصر يتعامل أساسا مع المعلومات تنشأ الحاجة إلى وجود مرشحات تنقي المعلومات وتنتقي منها ما يتناسب مع الموقف الحالي.