المملكة تعاني غياب الاستراتيجية المحددة للتنمية المستدامة
<div align="right"> <br>
التنمية المستدامة حلم يراود كل وطن وكل أمة لإسعاد الإنسان وتطوير الأرض وصيانة البيئة بكل عناصرها ومكوناتها، من خلال استراتيجيات تعالج الفجوة بين بناء الإنسان وبناء المكان من منظور متكامل اقتصادي واجتماعي وبيئي يضمن للأجيال الحالية حقوقها ورفاهيتها دون إضرارا بحقوق الأجيال القادمة، وإذا كان من حق الحاضر أن يستثمر الموارد التي وهبها الله للوطن، فلا ينبغي أن يكون ذلك على حساب المستقبل. كيف نحقق تلك المعادلة، وكيف نوازن بين الحقوق؟ هذه هي قضية التنمية المستدامة وهاجسها. ما دور الدولة ومؤسساتها؟ وأين المملكة من التنمية المستدامة؟ كل هذه التساؤلات وغيرها مما يمهد الطريق نحو بلوغ هذا النوع من التنمية، وضعتها "الاقتصادية" أمام نخبة من الخبراء والمتخصصين السعوديين عبر هذه الندوة، فكانت تلك هي الحصيلة: </div><div align="right">بداية نود تقديم تعريف لمفهوم التنمية المستدامة.<br>
أبو زنادة: التنمية المستدامة تعني التنمية في مختلف الجوانب في الدولة، أخذاً في الاعتبار المحافظة على البيئة بكل عناصرها من منظور تنمية مستدامة. <br>
عبد الرحمن: التنمية المستدامة هي تحقيق برامج التنمية الوطنية الشاملة في النواحي البشرية والاقتصادية والصناعية والزراعية، بصورة اقتصادية متوازنة ودون إحداث أي آثار سلبية على النواحي البيئية أو الاقتصادية والاجتماعية.<br>
عارف: من مفاهيم التنمية المستدامة، أن نوفر للأجيال الحالية ما يمكن توفيره من الموارد دون أن نتجاهل متطلبات الأجيال القادمة، في جوانب كثيرة متعددة ومترابطة.<br>
القروان: التنمية المستدامة هي أن يسعد الإنسان، وتلبى احتياجاته باستثمار الموارد والثروات الطبيعية التي وهبها الله للوطن، مع عدم ترك أي أثر سلبي غير قابل للإصلاح في البيئة أو استنفاد أي مورد من الموارد بحيث لا يبقى منه شيء للأجيال القادمة.<br>
الخضيري: التنمية المستدامة هي الاستغلال الأمثل للموارد والإمكانات التنموية المتاحة، بما في ذلك الموارد البشرية والمادية والطبيعية، بشكل يضمن التوازن بين متطلبات الحاضر والمستقبل، ولا يؤثر في حقوق الأجيال القادمة في التنمية.<br>
العيسى: التنمية المستدامة تتطلب تكاملاً واستمراراً، وألا يكون هناك تأثير في جانب دون جانب.</div><div align="right">أين تقع التنمية المستدامة في منظومة التنمية الشاملة في المملكة؟<br>
أبو زنادة: أهتم بالبُعد البيئي، وهذا الجانب لا يزال يحتاج إلى المزيد ونحن في المملكة على الرغم من النمو الكبير في مختلف جوانب التنمية، إلا أن هذا الجانب لم يحظ بعد بالعناية والاهتمام اللازمين، لا بد أن تكون لدينا استراتيجية محددة للتنمية المستدامة، والحقيقة أن هذه الاستراتيجية غير موجودة في المملكة.<br>
عبد الرحمن: مفهوم التنمية المستدامة هو مفهوم حديث أخذ البعد الجدي قبل نحو عشر سنوات، وتبلور بصورة أكبر بعد مؤتمر جوهانسبرج للبيئة والموارد البيئية، والآن أصبح مفهوم التنمية المستدامة لا يقتصر فقط على البيئة، ولكن يمتد أيضا إلى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والقوى البشرية.<br>
عارف: التنمية المستدامة، تتبناها المنظمات الدولية، وخاصة منظمة الأغذية والزراعة العالمية "الفاو"، وفي المملكة كانت كل جهة في الدولة، تعمل منفردة دون وجود استراتيجية واضحة للتنمية المستدامة.<br>
القروان: من أكبر المشاريع التي أنجزناها في التنمية المستدامة، المجمعات الصناعية في الجبيل وينبع، أعمال "أرامكو السعودية"، وأعمال التحلية، وهذه هي التي يمكن أن يطلق عليها المشاريع العملاقة في المملكة.<br>
الخضيري: ننظر إلى التنمية المستدامة في المملكة من ثلاث مراحل: الأولى كانت مرحلة الاستقرار وهي التي سبقت مرحلة خطط التنمية الخمسية الشاملة، في محاولة لإيجاد نوع من الاستقرار السكاني، إيجاد بنية قوية للمدن والهدف منها توطين الاستثمارات والسكان وبناء قاعدة اقتصادية قوية.<br>
ونمو هجرة السكان إلى المدن الكبيرة، أصبحت ككرة الثلج تنمو بشكل كبير على حساب التنمية المتوازنة في بقية مناطق المملكة.<br>
إذا فهمت أسباب الفقر في القرى والمدن الصغيرة، فما أسبابه في المدن الكبرى والرئيسية؟<br>
الخضيري: أسبابه أنك سمحت بهجرة أناس من مدنهم وقراهم إلى المدن الرئيسة بحثا عن فرص التعليم أو الصحة أو العمل، فهؤلاء السكان المهاجرون الجدد الذين جاءوا إلى المدن الرئيسية أدى وجودهم المكثف إلى العيش في أحياء فقيرة أو عشوائية، حتى إن بعض مدننا الرئيسية، يتجاوز سكان المناطق العشوائية فيها نحو 60 في المائة من سكان المدينة، وهذه ظاهرة خطيرة جدا، إذ أصبح لدينا تكدس سكاني عال في عدد محدد من المدن الرئيسية، على حساب المناطق الأخرى، وهذه المرحلة تم التنبه لها والتعامل معها، حيث نلاحظ أنه خلال السنوات الأربع الماضية حدث اندفاع كبير نحو إنشاء جامعات في المدن في المناطق المختلفة، فقفزنا بالجامعات من سبع إلى 17 جامعة، فهذا كان مؤشراً على أن الدولة بدأت تستوعب خطورة استنزاف الموارد والهجرة العالية للسكان، ومحاولة جادة لمعالجة التنمية من المتوازنة إلى المستدامة. وأعتقد أننا لم ندخل حتى الآن في المملكة مرحلة التنمية المستدامة بالمفهوم الشامل المتكامل.<br>
متى تعتقد أننا سندخل مرحلة التنمية المستدامة؟<br>
الخضيري: متى ما استوعبنا مفهوم التنمية المستدامة، وطبقت أجهزتنا المختلفة مفهومها ودورها، لأنه لا يزال هناك من يعمل في نطاق مسؤولياته، وباستقلالية شبه تامة عن الآخر، ولكن المؤشرات قوية واضحة من ناحية دعم إنشاء المدن الصناعية في المناطق الأقل نصيبا، ودعم نشر الجامعات، وفصل بعض الأجهزة عن بعضها مثل الزراعة عن المياه، الاقتصاد عن المالية. <br>
العيسى: الفترة الحضارية التي مرّت بها المملكة، تعد قفزة فريدة في تاريخ البشر وليس فقط في تاريخ الحضارات الحديثة، ومن جوانب التنمية التي مرت بها المملكة كان الجانب المادي هو أسرعها وأكبرها، وقد يكون أساسها إذا توافرت المصادر سواء كانت طبيعية أو اقتصادية.<br>
أما بخصوص الجانب التشريعي، فقد تلا ذلك وهو مكمن أساسي للتنمية المستدامة، ولكن في غياب الجانب الثقافي تصبح التنمية مشوبة بالقصور، وفي هذه المرحلة نحتاج إلى زخم كبير للجانب الثقافي، وتقليص الفجوة الثقافية بين الأجيال وتناقل الخبرة وتناغمها مع محيط الحياة مفقود، واللغة بين الأجيال أيضا مفقودة.<br>
القروان: فقدان لغة التخاطب بين الأجيال، يميز التسارع الشديد في التنمية في المملكة عن غيرها، كما أن التنمية تتم بأيدٍ وطنية في أغلب الدول، بينما نحن في السبعينيات والثمانينيات، نفذنا الكثير من المشاريع الضخمة بعمالة مستوردة بطريقة أو بأخرى، والجيل الموجود الآن لم يشعر بمعاناة البناء، بينما في البلدان الأخرى، فإن الطفرات التي حدثت فيها كانت صناعة محلية كاملة، والقوة الشرائية العالية في المملكة أدخلت كثيرا من الناس في غفوة، ففتحوا عيونهم ليجدوا التطور من حولهم، هذه تفقدهم قيمة الشيء وتجعلهم لا يقدرونه.<br>
الخضيري: يجب أن نعترف أن لدينا فجوة بين بناء الإنسان وبناء المكان، قد يكون اهتمامنا بالمكان كان أكبر من اهتمامنا ببناء الإنسان، وتفاعله مع معطيات التنمية التي بنيت خلال الـ 30 سنة الماضية، ولو كانت التنمية متوازنة بين الإنسان والمكان، لاستطاع الإنسان أن يقود التنمية، فمثلا تعاملنا مع السيارة، نحن لم نشارك في صناعتها، ولهذا تعاملنا معها بكثير من الإيذاء لقائد المركبة والآخرين، وهذا أحد المؤشرات الكثيرة لتعاملنا مع معطيات التنمية والتي لم تصل بعد إلى التنمية المستدامة.<br>
عارف: أغلب الدول ارتكبت أخطاء في حق شعوبها ومواردها، ثم تنبهت للأخطاء وسعت لمعالجتها، والآن نحن جاءتنا فرصة من العالم الخارجي، فعندما ننظر إلى وضعنا سواء وضع الموارد الطبيعية، نجده ضعيفا وهشا، وبالتالي فإن هذه فرصة لكي نسعى لصياغة استراتيجية واضحة للتنمية المستدامة.<br>
أبو زنادة: الفجوة بين الأجيال بين المتعلم وغير المتعلم، واستخداماتنا للموارد المختلفة ومعرفتنا لمعطيات التنمية، كل هذه تصب في جانب آخر مهم جدا يتعلق بالتوعية والتعليم البيئي، ومن المهم إبراز الجوانب التي تؤثر في التنمية المستدامة، سواء كانت موارد في الصناعة أو الزراعة أو موارد أخرى استهلاكية، إضافة إلى جوانب التوعية البيئية والتعليم البيئي.<br>
عبد الرحمن: الفجوة التي حدثت بين الأجيال خلال الـ 30 عاما الأخيرة، نتجت عن تركز الكفاءات والمهارات في بعض مناطق المملكة، على سبيل المثال، المنطقة الشرقية، أو الظهران التي تعتبر من أكثر المدن التي يحمل عدد سكانها مؤهلات عالية في مرحلة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه نتيجة تركز صناعة النفط والبتروكيماويات في المنطقة الشرقية، كما نتج عن ذلك أيضا الهجرة من الريف إلى بعض المدن واستنزاف الكفاءات والمؤهلات العلمية والخبرات، ومن ثم خلق فجوة في المؤهلات العلمية والتربية والبرامج التربوية، فحصلت الفجوة.<br>
العيسى: قصدت بالفجوة الثقافية بين الأجيال، كمؤشر فقط للقفزة الحضارية، وليس معياراً لموضوع التنمية، بل عندي قد تكون نظرية عجيبة، في رأيي، أن المستوى العلمي والتعليمي والمعرفي فيه تطور كبير جدا، وأحصرها فيما يعرف بخزانات المعرفة أكثر من توظيف المعرفة، وهذا ما نعانيه ونحتاج لتفعيله بشكل آخر في منظومة التعليم. ولكن المستوى الثقافي للأجيال ما قبل الجيل السابق في أجدادنا، قد يكون أكثر ملاءمة لحضارتهم من المستوى الثقافي في جيلنا على ما نحن فيه من تنمية وتقدم، وذلك يعود إلى أن ما صاحب التنمية المادية وما تلاها من تنمية تشريعية ولا تزال، يعود إلى تخلف في تنمية الجانب الثقافي في التعامل مع معطيات الواقع.<br>
وأعطي مثالا، الأجيال السابقة كان لديها استثمار للمصادر الموجودة بشكل مثالي جدا، النخلة لا يرمى منها أي شيء، بينما نحن نستنزف مواردنا الآن بشكل غير مقبول، مثلاً المياه واستنزافها بشكل كبير سواء غير المتجددة "الجوفية" أو المكلفة مياه التحلية، في رأيي موضوع البترول ومصادر الطاقة الأخرى، وإن كان هناك الآن توجه كبير للاستغلال الأمثل، إلا أننا نحتاج إلى زخم أكبر مما نعيشه الآن.</div><div align="right">تحدثت عن المستوى الثقافي لجيل الأجداد الذي لم يكن يقرأ أو يكتب، كان أعلى من المستوى الثقافي للجيل الحالي.. كيف؟<br>
العيسى: أقصد التعامل مع معطيات الحياة والبيئة حولنا، التعامل في السابق كان أمثل من التعامل في حاضرنا أو وضعنا مع معطيات الحياة، لا نهتم بالبيئة مثلما كانوا يهتمون بها، لا نهتم بالمصادر المتاحة لنا مثلما كانوا هم يهتمون بها، الآن الجانب المادي غلب على الجانب التشريعي، والتشريعي غلب على الجانب الثقافي، وأرجو أن يكون ذلك في محور اهتمام الدولة في خططها المقبلة.<br>
أبو زنادة: سكان الجزيرة العربية القدامى تعاملوا ومارسوا حياتهم بشكل مستدام جدا نابع من البيئة والثقافة العربية والإسلامية، الآن نحن نتحدث عن الجيل الحالي، فحتى وإن كان لديه من الدرجات العلمية العالية جداً ومثقف، لكن ممارساته وسلوكياته مختلفة عن الماضي، فأعتقد فعلا أن الثقافة التقليدية مهمة جدا ولا بد أن نعود إلى المعين الإسلامي والعربي.<br>
عارف: ما نتحدث عنه في مجال التنمية، ممارسة مؤسسات، وهي التي أحدثت هذه الفجوة، لكن إذا تحدثنا عن الجيل السابق، فنقول إنها كانت عبارة عن ممارسة أفراد أو جماعات، وقد يكون الآن هناك مشروع معين ننفذه أحيانا دون تخطيط ودون دراسة للتقويم البيئي، يمكن أن يقام مشروع في وادٍ من أفضل الأودية أو منطقة غابات دون تقويم بيئي، ومن ثم تحدث الفجوة أو الكارثة، أي الممارسة الخاطئة.<br>
ما الجهود الدولية في إطار التنمية المستدامة؟<br>
أبو زنادة: الجهود الدولية في هذا المجال بدأت من مؤتمر ريو دي جانيرو، وما تمخض عنه من جدول أعمال 21، وهو في حد ذاته يعتبر استراتيجية مهمة جدا، ولو أن الدول أخذت بالجدول، لتكون لديها استراتيجية أو مرجعية قريبة من الاستراتيجية التي تفتقر إليها المملكة حاليا، تبع ذلك مؤتمر جوهانسبرج للتنمية المستدامة، وعلى الرغم من مشاركاتنا في هذه الفعاليات الدولية، إلا أنه في رأيي أنه مازلنا نطمح إلى أن يتحقق منها الشيء الكثير.<br>
عبد الرحمن: أعتقد أن التنمية المستدامة لها بُعد إقليمي وبُعد دولي، نحن نعيش الآن في عالم صغير، فمفهوم التنمية المستدامة على المستوى العالمي، ناتج عن الآثار السلبية التي تحدث نتيجة الأنشطة الصناعية والعمرانية وخلافه على الأرض التي نحيا عليها، فمثلا النهضة الصناعية التي تحققت في أوروبا والطفرة التي حدثت في أمريكا خلال القرن الماضي أدت إلى آثار سلبية كبيرة ليس في أمريكا وأوروبا فحسب، إنما امتدت آثارها إلى غابات الأمازون وآسيا وإفريقيا، والتصحر الذي حدث والتغيرات المناخية التي شاهدناها خلال السنوات العشر الأخيرة، تشير إلى الترابط بين دول العالم، لذلك فالجهود الدولية، خصوصا بعد "ريو"، وجوهانسبرج، التي تقوم بها منظمات عالمية مثل الفاو، اليونسكو، تحاول بقدر المستطاع أن تؤثر على برامج التنمية المحلية والوطنية وربطها في شبكات مع التنمية العالمية للمحافظة على البيئة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.<br>
ألا يجب أن يكون تطبيق التنمية المستدامة شاملاً دول العالم كافة؟<br>
عبد الرحمن: نعم، ويجب أن يكون هناك ترابط بين الدول كافة، فمثلا بالنسبة لمشكلة انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون، في دولة أو عدة دول يؤثر على الأمطار الحمضية في الدول الأخرى، إضافة إلى تأثيرات التصحر.<br>
أبو زنادة: إن ما يحدث هنا في المملكة، مثلا قد تتأثر به دول أخرى، ومن هذا المنطلق تكونت لجنة من مؤتمر "ريو" لإعداد ما يعرف بـ "المستقبل المشترك للعالم"، وشاركت المملكة في صياغة هذا المفهوم، وكان الدكتور صالح العذل رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية" أحد أعضائها.<br>
القروان: الاتفاقيات الدولية تؤتي أكلها عندما يكون هناك إلزام ورقابة من خلال وسائل مختلفة عن طريق تحليل العينات في معامل دولية، لكن في معظمها القضايا التي تعالج الفقر وتوفر الكهرباء والاستخدام الأمثل للطاقة، والقضايا التي تصب في مصلحة الفرد وتطويره وتنميته، تظل مشاريع الأمم المتحدة نوعا من التشخيص ووصفة تعطى للعلاج، والطبيب عندما يشخص ويصف العلاج، لا يتأتى العلاج إلا بأخذ الدواء، وتبقى مسؤولية كل دولة أن تستخدم الدواء.<br>
الخضيري: الجهود الدولية، تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث بدأ العالم يفكر في إشكالية التنمية، وبالذات مفهوم التنمية المستدامة، وبالتالي فالمفهوم ليس جديدا، واستند العالم في البداية كمؤشر إلى تحقيق هذه التنمية على الناتج الوطني للفرد من خلال قياس النشاط الاقتصادي، وما يشمله من مجموعة من البضائع والخدمات، ثم وجدوا أن ذلك لا يحقق مفهوم التنمية المستدامة، ومن ثم اتجه التفكير لقياس مستوى المعيشة، وما إذا كانت التنمية المستدامة تساعد على تحقيق مستوى معيشي أفضل، ونظروا إلى الحاجات الأساسية التي تساعد الإنسان على تلبية متطلباته الأساسية مثل الغذاء، الصحة، التعليم، واستغلال الوقت والأمن.<br>
بعدها تم النظر إلى موضوع التنمية المستدامة، من منظور التنمية نفسها، من خلال الاحتياجات الأساسية التي يمكن التركيز عليها مثل التنمية السكانية والتقدم الاجتماعي، والتطور التكنولوجي والنمو الاقتصادي، ووجدوا أن النموذج هذا ينحاز إلى اللدول المتقدمة، وهل حققت تنمية مستدامة أم لا؟<br>
كل هذا أدى إلى دعوة دول العالم إلى التفكير بشكل جماعي لتحقيق التنمية المستدامة، ولما وجدوا المعايير الثلاثة التي وضعت خلال الثلاثين عاما السابقة غير ناجحة، اتجهوا إلى مؤتمر ريو دي جانيرو 1992، ودعوا العالم كله إلى الحديث المشترك بين الدول الغنية والفقيرة، وخرجوا بمجموعة من التوصيات غير الإلزامية، كما وجدوا بعض الثغرات فيها، فعادوا في عام 1996 إلى الاجتماع في إسطنبول، وقالوا دعونا نحث على التنمية المستدامة المتوازنة وتنمية مستدامة من خلال إدارة التنمية نفسها، لأنهم وجدوا رغم كل الجهود المبذولة فجوة في الممارسة، ووجدوا أن الأفكار والمبادئ التي وضعت لم تمنع الزحف العمراني على المناطق الخضراء، واستنزاف المياه، والهجرة العالية للمدن.<br>
ماذا تحقق في التنمية المستدامة من خطوات؟<br>
أبو زنادة: أعتقد أنه تحقق الكثير بالنسبة للتنمية المتوازنة في المملكة، وهناك أمثلة عندما نتحدث عن التنمية الصناعية نعرف أن أقطاب التنمية الصناعية في المملكة أرامكو السعودية، الجبيل وينبع، وغيرها تؤكد الاعتبارات البيئية، ولكن التنمية المستدامة هي جهود وطنية لا أستطيع أن أقول إن مراعاة "أرامكو" أو الهيئة الملكية للجبيل وينبع للاعتبارات البيئية، معناه أننا حققنا التنمية المستدامة، أعتقد أن علينا أن نهتم أكثر بالتنمية المستدامة، وهذا لا يتأتى إلا من خلال قيام وزارة التخطيط وغيرها من الجهات المختلفة بوضع استراتيجية وطنية تمارس وتطبق بشكل متكامل بين جميع قطاعات المجتمع لنصل للتنمية المستدامة الحقيقية.<br>
عبد الرحمن: أعتقد أن المملكة حققت التنمية المستدامة في بعض المجالات الصناعية والاقتصادية، ولكن أنا أنظر إلى التنمية المستدامة كمنظور شمولي وطني لكل النواحي المتعلقة بالتنمية، ولذلك لا بد من ضم هذه الجهود وعدم تبعثرها من خلال استراتيجية وطنية شاملة، ويجب خلق أيضا أطر مؤسساتية لتنفيذ آليات الاستراتيجيات التي تحقق التنمية المستدامة، أيضا نحن بحاجة إلى أطر تشريعية وآليات لتنفيذ هذه التشريعات والقوانين، ولكننا ننظر إلى التنمية المستدامة للمستقبل المشرق أن يكون جهدا وطنيا شاملا من خلال استراتيجية نستطيع تنفيذها من خلال الإدارة المتكاملة التي تنظر إلى النواحي المؤسساتية والتشريعية والتنظيمية والتطبيقية، بشكل جماعي سيكون الناتج هو بيئة متكاملة بمواردها المائية والحياة الفطرية والصحة العامة، بتوازن ما بين الاقتصاد والنواحي الاجتماعية يستطيع أن يعيش فيها المواطن والأجيال المقبلة على هذه الأرض بصورة آمنة.<br>
عارف: القوانين في مجال حماية البيئة، وما تبنته رئاسة الأرصاد وحماية البيئة من إصدار اللائحة التنفيذية لحماية البيئة، المحميات التي اعتمدتها هيئة حماية الحياة الفطرية وإنمائها، ترشيد استخدام المياه، والتقليل من زراعة القمح، كانت من أهم القوانين التي وضعت لحماية الموارد الوطنية وتحقيق تنمية مستدامة.<br>
القروان: لعل أكبر ما قطعناه في الجانب التشريعي، وهو عكس الترتيب الصحيح في ظني، وحتى تصبح التنمية المستدامة ثقافة في بلادنا، فلا بد من غرس هذه القضية كمفهوم تربوي يبدأ من المدرسة، المسجد، الشارع، والمجتمع بكل مؤسساته، فإذا تم تربية الأجيال على هذا المفهوم، حينئذ يأتي الجانب التشريعي، ويتكاتف الاثنان لتصبح التنمية المستدامة ثقافة.<br>
الخضيري: لو رجعنا إلى جهود المملكة في مجال التنمية، فإن المملكة تدخل الآن المرحلة الثالثة للتنمية وهي المتعلقة بالتنمية المستدامة، وأتمنى أن تكون قد استوعبت مفهومها وأهدافها، فالتنمية لم تعد فقط التركيز على البُعد الاقتصادي وإنما الأبعاد المختلفة للتنمية مع التركيز على الإنسان كعصب للتنمية، وانطلاقاً من تخصصي العلمي، أقول إن أكبر إشكالية تواجهنا الآن لتحقيق التنمية المستدامة، هي إدارة الأرض والحفاظ عليها والانتقال بها من عنصر استثمار إلى وعاء تنمية، لأنه حقيقة الكثير من مناطق المملكة تشكو من قضية استملاك الأراضي.<br>
أحد المؤشرات الأساسية للتوجه نحو امتلاك الأرض في مناطق الغابات والغطاء النباتي ألا يكون فيها نبات، حتى تستطيع المحكمة أن تعطيك صكا لامتلاكها، فتجد الشخص يسعى لإزالة ما على الأرض من غطاء نباتي حتى يتملكها، فانتقلت الأرض من وعاء للتنمية إلى أصل استثمار، بمعنى أنها أصبحت إحدى القنوات الرئيسية للإثراء، وأصبحت الهجمة قوية على الأرض في جميع المواقع، في الجبال، على الساحل، في الصحراء، وهذه ثقافة يجب إعادة النظر فيها والأنظمة المرتبطة بها.<br>
ومسألة الهجرة العالية للسكان والتوسع الكبير للمدن، والحد من تركز السكان العالي، من القضايا المهمة لتحقيق الاستدامة التنموية، دعونا ننظر إلى حجم النفايات الناتجة عن المدن السعودية مقارنة بالدول الأخرى، حيث تشير بعض الإحصاءات إلى أن مدننا الرئيسية ينتج الفرد فيها تسعة أضعاف ما ينتجه الفرد في نيويورك، مخلفات النفايات وعدم تدويرها "إعادة استخدامها" من المؤثرات المباشرة على عملية التنمية، السلوكيات الاجتماعية ومحاولة انتقالنا من العمل بالنهار إلى الليل، وانقلاب ما يسمى الساعة البيولوجية لدى الأفراد، هي مؤشرات على عدم استدامة التنمية.<br>
وهذه الأمور كلها والتغير السلوكي للمجتمع من المؤشرات التي تقلقني كثيرا في قدرتنا على استيعابها، ولابد أن نشخص المشكلة بصدق ونضع الحلول ولا أسميها جلد الذات، فإذا وضحت مشاكلنا وعرفنا الخلل في إدارة التنمية في المملكة، فسيسهل جداً علينا وضع رؤية مستقبلية تساعد على وضع أجندة قوية ثم الانتقال إلى عمل مؤسسي متكامل، فما نشاهده اليوم حقيقة هي جهود فردية أكثر منها جهود مؤسساتية، للأسف إنها جهود مجتزأة وغير متكاملة، كلما جاءت "أمة لعنت أختها"، وكلما جاء مسؤول قال سآتي بما لم يأت به الأوائل، فعجزنا أن ننتقل إلى المرحلة التالية التي يمكن أن نسميها التنمية المستدامة، ويجب أن نبدأ ببرنامج برؤية مستقبلية وبخطط واضحة تحقق التوجه التنموي، وأنا أعتقد أننا اليوم في المملكة أقدر بالخبرات المتوافرة من الجنسين على المعرفة الكاملة.<br>
العيسى: التنمية المستدامة هي الاستمرار في التنمية، أود أن نركز أكثر على المزايا النسبية للمملكة، سواء كانت سلبية أو إيجابية، السلبية منها قلة المياه، نحتاج إلى استراتيجية أمن المياه وإدارة مصادرها وترشيدها، وإن كانت ظهرت بعض الجهود المشتتة، فالترشيد عامل مهم، وإدارة مصادر المياه، ليس بالكم فقط، حتى في النوع لدينا مياه بمستوى جودة عالية ومكلفة للدولة بشكل كبير، واستمرارها بهذا المستوى يكلف جوانب أخرى من التنمية، لأنه يستنفد مصادرنا الاقتصادية في أمور ربما لا نكون في حاجة ماسة إليها.<br>
أدخل في جزئية، مصادر المياه تصل في مستوى ملوحتها في بعض المناطق، الرياض مثلاً 300 جزء في المليون، تشبه المياه المعبأة إلى درجة كبيرة، هل نحتاج إلى هذا المستوى من النوعية، بالإضافة طبعا إلى الكمية، الميزة طبعا سلبية، أما الميزة الإيجابية مثلا، فهي تتمثل في الطاقة، والميزة الإيجابية التي لم ينظر إليها نظرة جادة الطاقة الشمسية، والتخطيط يجب أن يعكس الواقع وليس الواقع يعكس ما نخطط له، كأننا نريد أن نربط الواقع بالتخطيط، أود أن نكون جادين في تنفيذنا للخطط، ولتنمية مستدامة أفضل، لا بد أن نقيس إنجازاتنا بشكل أكثر دقة، كون لدينا جهة في الدولة للتخطيط، قد يكون من الأنسب أن تكون هناك جهة مستقلة لقياس هذا التخطيط، وليس الجهة نفسها.<br>
هل فهم الأوائل التنمية المستدامة مثلا في قصة قريش عندما ركزوا على التجارة كتنمية وعمل؟<br>
العيسى: بالضبط، ومن أجل هذا ظلوا في بيئة قاحلة، محط الرحال تأتي الأمم إليها، سواء كانت ميزة نسبية دينية تتمثل في وجود مكة المكرمة والبيت الحرام، والمستوى التعليمي ليس في حد ذاته مقياسا للتنمية، وإنما البعد الثقافي هو المقياس الحقيقي الذي ننتظر أن يكون بعدنا الجديد في المراحل المقبلة.</div><div align="right">هل هناك تنسيق بين الجهات المعنية في تطبيق مفهوم التنمية المستدامة؟<br>
أبو زنادة: إذا اتفقنا على أنه لا توجد لدينا في المملكة خطة أو استراتيجية للتنمية المستدامة، فبالتالي لا يوجد تنسيق كامل بين الأجهزة، أنا أحاول هنا أن أشخص المشكلة الحقيقية للتنمية المستدامة، والتنسيق لا يتأتى إلا من وضع الأولويات، والخطط وتطبيقها، هذه إحدى معاناتنا، لو كان لدينا قدر من التنسيق، فعلينا أن نسعى إلى المزيد، لأن التنمية الشاملة لا تتأتى إلا من خلال قيام كل جهة ومؤسسة بدورها المتوائم مع المؤسسة الأخرى في إطار استراتيجية محددة.<br>
عبد الرحمن: أعتقد أن هناك إنجازات مستدامة في كثير من قطاعات الدولة، فهناك جهود في كل الوزارات، وأيضا هناك تنسيق بين الوزارات، ولكن أرى ضرورة وجود استراتيجيات شاملة تربط هذه الأنشطة.<br>
عارف: التنسيق موجود بين بعض الجهات ذات الارتباط مثل المياه والزراعة والبلديات، لكن أعتقد أن أكبر مشكلة تواجه تطبيق التنمية المستدامة هي النواحي المالية.<br>
الخضيري: في تقديري أن التنسيق بين الجهات المعنية ضعيف، لأن المفهوم أصلا للتنمية المستدامة غير موجود في المملكة، هناك إحساس بإشكالية التنمية المستدامة، وإشكالية استنزاف موارد، وإذا فرقنا بين التنمية المتوازنة والمستدامة، وأن فيه محاولة لمعالجة إشكالية التنمية المتوازنة من خلال نشر الجامعات، إنشاء المشاريع العملاقة في المناطق المختلفة، وكذلك من خلال استفادتنا من الشركات العملاقة مثل: "أرامكو"، "سابك"، والخطوط السعودية التي تستطيع أن تحقق التنمية المستدامة من خلال إنشاء عدد من المشاريع، إنما التنسيق مازال ضعيفا ولا يرقى إلى المستوى الذي نتمناه.<br>
العيسى: أعتقد أن التنسيق موجود، والعائق، في تقديري راجع لتداخل الصلاحيات والمهام بين الجهات وفقدان بعض المهام أن تتولاها بعض الجهات في مناطق الثغرات المتداخلة ومواقع مفتوحة لا تجد من يغطيها، نحتاج إلى تنمية مستدامة أفضل أن تستمر الدولة بجهود أكبر في إعادة تنظيم مؤسساتها.<br>
والتنسيق كروح موجود في طبيعتنا كشعب وكأمة، لكن نريد أن تكون في ثقافة إدارية أوسع من اهتمامات فردية.</div><div align="right">هناك طرح دولي عن الطاقة البديلة، ما هذه الطاقة؟<br>
عارف: الطاقة البديلة هي البديلة للطاقة الأحفورية "النفط"، والعالم بدأ يتنبه إلى أن هذه الطاقة ناضبة وأصبح عمرها قريبا على النفاد، وبالتالي فكروا في أمرين، الأول يتعلق بالنضوب المحتمل للنفط، والثاني يتعلق بمسألة التلوث البيئي، ومن ثم بدأوا يفكرون في الطاقة البديلة، ومن أهمها الطاقة الحيوية.<br>
القروان: إذا كان الحديث عن الطاقة في معرض الحديث عن التنمية المستدامة فليس فقط يكون الكلام عن طاقة بديلة، وإنما طاقة متجددة تتواءم مع التنمية المستدامة، وهناك بدائل عديدة للطاقة، ومن أكثر ما يتلاءم مع التنمية المستدامة في نظافته وعدم تلويثه للبيئة وعدم التأثير على حقوق الأجيال المقبلة هي الطاقات الطبيعية: الشمسية، طاقة الرياح، الأمواج.<br>
الخضيري: الطاقة البديلة، لكل دولة أو إقليم لديه طاقات معينة يمكن الاستفادة منها، لو تحدثنا عن المملكة، فهناك الطاقة الشمسية التي تعد أحد المصادر البديلة للطاقة، لدينا الطاقة النفطية "الأحفورية"، ونحن نتميز بها ويحسن استثمارها، ونستطيع أيضا أن نستفيد من محطات تحلية المياه الاستفادة الكبرى في إنتاج الكهرباء.<br>
العيسى: أود أن أضيف في هذا المجال مفهوما يمكن أن يختلف، وهو ما يسمى الطاقة الأساسية والطاقة المساندة، وأعتقد أننا نحتاج إلى أن نركز على الطاقة المساندة في جوانبها المختلفة، والأساسية معروفة، سواء كانت من الغاز أو النفط أو الطاقة النووية، بعضها ناضب، مثل الغاز والنفط والفحم الحجري، لكن الطاقات المساندة، هي طاقات متجددة مثل الرياح، الطاقة الشمسية، هناك جوانب كثيرة منها لدى المملكة ميزة نسبية لكنها لم تستثمر مع الأسف، ولم تبحث بشكل واسع، إنتاج الهيدروجين من الطاقة الشمسية يعتمد على المياه، التنسيق بين المجالات والمصادر المختلفة.<br>
عبد الرحمن: بالنسبة إلى الميزة النسبية للطاقة في المملكة لدينا، أعتقد أنها في مصدرين مهمين جدا، الأول الطاقة النفطية، وبالنسبة للمصادر البديلة الطاقة الشمسية كأعلى مستوى لها في العالم في المملكة وشبه الجزيرة العربية، هذه ميزة نسبية لا بد أن نستفيد منها بشكل مناسب. </div><div align="right">ما الإدارة المثلى في التنمية المستدامة في المياه سواء في الزراعة أو الصناعة؟<br>
عبد الرحمن: استعمال الموارد المائية من المصادر التقليدية وغير التقليدية بطريقة تحقق برامج التنمية وتحافظ على استدامة الموارد للأجيال المقبلة مع الأخذ في الاعتبار العوامل الاقتصادية والاجتماعية، وبدون إحداث أي آثار سلبية على البيئة.<br>
وما تحقق في المملكة في هذا المجال أستطيع أن أقول إنه حدثت بعض السلبيات بالنسبة لاستخدامات المياه في مجالات الزراعة والصناعة والمجالات السكانية، حيث كانت إحدى مشاكل المياه في المملكة فقد إدارة المياه، حيث بلغ ما تم استنزافه في حقل البسيطا خلال الـ 20 عاما الماضية، و التوسع في الزراعة فيه ، استنزفت منه مياه جوفية عذبة جدا وحفر أكثر من 1500 بئر في بسيطا لضخ مياه جوفية عذبة صالحة للشرب ربما أحسن من مياه الزجاجات المعبأة، ثم استنزاف نحو 50 مليار متر مكعب منذ نحو عام 1405هـ حتى الآن، وهو ما يعادل نحو ثلاثة أضعاف أو 3.5 أضعاف ما أنتج من التحلية منذ إنشائها نحن صرفنا على مياه التحلية نحو 100 مليار ريال، وأنتجنا نحو ثلث ما استنزف للزراعة من حقل البسيطة، إذن المشكلة كانت تكمن في الإدارة وتحقيق التنمية المستدامة في شتى القطاعات، خصوصا في قطاع حساس جدا كالمياه.<br>
عارف: من الأشياء المهمة في تقديري أن نركز على الزراعة النسبية، خصوصا أن المملكة قارة مترامية الأطراف، وبالتالي يمكن ألا نركز إنتاجنا الزراعي في مناطق وتستهلك المياه فيها، ونترك مناطق أخرى، كذلك استخدام بعض المحاصيل المناسبة في بعض المناطق دون الأخرى، واستخدام المحاصيل ذات المقاومة للجفاف واستخدام التقنية في مجال الري، والإدارة المتكاملة في الزراعة.<br>
الخضيري: الإدارة المثلى للمياه أعتقد أنها اتخذت الكثير من القرارات، التي تتلافى أخطاء وسلبيات الماضي، فيما يتعلق باستنزافنا للمياه ونوعية الصناعات التي اعتمدنا عليها سواء الزراعية أو الصناعية، وهناك مجموعة من الأمور التي يتعين علينا التركيز عليها من أهمها، ما يتعلق بالتوسع في منح الأراضي الزراعية التي تتطلب حفر أراضي واستنزاف مياه، وأوقفت هذه السياسة للغرض هذا.<br>
العيسى: بودي أن أعلق على المياه وليس مؤسسة المياه، موضوع المياه أكبر في نظري من مؤسسة المياه، رغم وجود التطور الكبير في مؤسسة المياه، الذي أعتقد أنه سيساعد كثيرا في تنظيم وإدارة المياه في المملكة. و تشتت مهام المياه كان أحد الأبعاد أو السلبيات التي تلافيناها في الوقت الحالي، لكن هناك قضايا حيوية جدا، فيما يتعلق بإعادة استخدام مياه الصرف الصحي ومعالجتها، هذا البعد له جوانب تتعلق بالتنمية المستدامة، ومنها الجانب الصحي على الأقل وليس فقط كمصادر للمياه، واهتمام الدولة على أعلى مستوى فيما يتعلق بمعالجة مياه الصرف الصحي، من جانب البعد الصحي للإنسان، وينبغي علينا أن ننظر لهذا الجانب ببعد أكبر.<br>
في رأيي هناك جوانب ماسة تتعلق بصناعة تقنية المياه وليس صناعة المياه، فصناعة تحلية المياه نحن في حاجة مهمة إلى تبني صناعة تقنية التحلية، ويجب أن تكون المملكة خاصة أنها تنتج تقريبا 30 في المائة من الإنتاج العالمي للمياه المحلاة، وهذا يدفعنا لكي تكون المملكة رائدة في صناعة تقنية التحلية، وهذه ميزة نسبية لنا، نحن نحتاج إلى هذا البعد وأن نتجاوز مرحلة صناعة المياه المحلاة فقط، وهذا ما كان يحدث في مرحلة سابقة في حاجة كبيرة إلى المياه، وتجاوزتها الدولة بدرجة كبيرة.<br>
نحن نحتاج أيضا إلى صناعة التقنية بمفهومها العام وصناعة الأغشية المناسبة لتقنية المياه، لو نظرنا إلى الجانب التعليمي، أنا لا أرى في أي من جامعاتنا سواء الخاصة أم الحكومية تخصصات مياه, أنا أتصور أنه يجب أن يكون لدينا كلية للمياه, تشمل جوانب الهيدرولوجية, كلية حتى في أقسام الهندسة الكيماوية التي لها أقرب علاقة مع المياه لا تجد هذا البعد موجودا ومازالوا مستمرين فيه, في تقديري يجب أن يكون هناك تنسيق بين وزارة التعليم العالي وبين الجهات الأخرى فيما يتعلق باستراتيجية الأمن المائي على الأقل والتنمية المستدامة أيضا.<br>
هناك أبعاد كثيرة في هذا الإطار, تشريعات ذكرت لكن تحتاج إلى قوة التنفيذ.<br>
كيف نطبق التنمية المستدامة في مجالات الغابات والمراعي, البترول والغاز والذرة؟<br>
عبد الرحمن: بالنسبة إلى التنمية المستدامة في مجال الغابات والمراعي، أعتقد أنه بالنسبة إلى جهود المملكة في الحفاظ على الغابات والمراعي هناك جهود متميزة ولكن حدثت بعض الآثار السلبية خلال السنوات العشرين بالنسبة للغابات في بعض مناطق المملكة من خلال التحطيب وسوء استغلال الغابات, والرعي الجائر, أود أيضا أن أشير إلى نقطتين: وجود تشريعات شاملة, ومشكلة تنفيذها, على هذه المسببات للرعي الجائر أو تدهور الغابات سواء مسببات طبيعية أو بشرية.<br>
بالنسبة إلى النفط والغاز أعتقد أن هناك سياسات وطنية بشأن استثمار مصادر النفط والغاز في خدمة التنمية المستدامة, ولكن لا بد من تلبية احتياجات الأجيال الحاضرة ولكن ليس على حساب الأجيال المستقبلية, يجب أن نحقق أهداف التنمية المستدامة, باستثمار ما لدينا من نفط وغاز مع مراعاة حاجات الأجيال المقبلة, أخذا في الاعتبار العوامل الاقتصادية والاجتماعية للمملكة.<br>
وبالنسبة للذرة أنا أعتقد أن من حق المملكة حسب المعاهدات الدولية ومثل جميع دول العالم استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية وطبعا متى نتجه إلى استثمار هذه الطاقة في الأغراض المدنية في المملكة خصوصا في إنتاج الطاقة, وهي تستخدم حاليا في مجالات البحوث العلمية في الجامعات مثل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن, هناك مفاعل نووي, هناك تستخدم أيضا في الطب في مجالات كثيرة, ولكن استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية, هذا حق من حقوق المملكة يترك لها الحرية في أن تستخدمها في الوقت الذي تريد بما يخدم أهداف التنمية, ويجب أن نراعي أيضا أن استخدام الطاقة الذرية في المملكة يتأثر باستخدامات الطاقة الذرية في دول الجوار, وهذا يدخلنا في ضرورة وجود الغطاء الدولي لتنظيم استخدامات الطاقة النووية, خصوصا في الأغراض السلمية بما يحافظ على البيئة وبما يضمن استمرارية الموارد البيئية في المملكة وبتأثرها بأنشطة دول الجوار.<br>
عارف: بالنسبة إلى موضوع الغابات والمراعي تبلغ مساحة الغابات في المملكة 0.91 من المساحة الكلية من المملكة, وما تعرضت له الغابات من عمليات القطع والهجرة ودخول أنواع نباتية غريبة عن أرض الغابات، وكذلك كان للسياحة دور كبير خاصة على مناطق الغابات مثل السودة وغابة رغدان والطائف, مما كان له تأثير كبير في هذه المناطق, أما بالنسبة إلى المراعي فكان هناك الرعي الجائر والحمولة الرعوية، حيث نجد عدداً كبيراً من رجال الأعمال يستعمل قطعان الأغنام ويتركها فوق المراعي الهشة, حيث إن الكثير من أنواع الأغنام التي استوردتها المملكة هي من النوع "العدواني" الذي ينزع جذور النبات مما تسبب في القضاء على كثير من أنواع النباتات وأصبحت أراضينا الآن فقيرة, وهي ممارسات مازالت تحدث إلى الآن, إضافة إلى عملية الرعي من قبل بعض دول الجوار, نحن نحترم الجوار والتنسيق وعدم الإضرار بالمراعي السعودية, وللأسف هم يشترون عدداً كبيراً من الجمال ثم يدخلونها إلى المراعي ولنطرح سؤالا الآن: هل يمكن استزراع الغابات أو تجديدها؟ أعتقد أنه يمكن استخدام تقنيات المياه الجافة في المملكة وهي منتج أمريكي آمن غير ملوث للبيئة ويمكن استخدامه في مناطق الغابات ونستطيع إنشاء غابات في السنوات الأولى من عمر النبات, ثم بعد ذلك يترك للطبيعة إكمال النمو, وأعتقد أن هذه التقنية سيكون لها مردود كبير وتكلفتها أقل بكثير من تكلفة المياه, وبالتالي يمكن أن تستخدم في مناطق وعرة في مجال الغابات والمراعي وهناك توجه كبير من الدولة, وبعد أن أصبحت وزارة الزراعة مختصة الآن بمجال النبات والحيوان فبالفعل سيتحقق النجاح في مجال الغابات والمراعي.<br>
القروان: فيما يتعلق بالغاز والنفط فمن المعلوم أن المملكة تمتلك احتياطيا ضخما من النفط وهو نحو 261 مليار برميل, وأرامكو السعودية هي الثالثة من حيث الإنتاج اليومي, والأولى من حيث التصدير, المعدل السنوي يؤكد احتياطي جديد هو في حدود ثلاثة مليارات برميل, و"أرامكو" تسعى حثيثا لتعويض كل ما ينتج من خلال استكشافات جديدة هذا له علاقة بالتنمية وتطمين الأجيال المقبلة في المستوى القريب, لكن شئنا أم أبينا النفط هو ثروة ناضبة، ولهذا لا بد من دخول نادي الأبحاث العلمية في الطاقة المتجددة من باب العلم بالشيء والاستعداد له، وحتى لو استحدثت بدائل جديدة للطاقة فلا يعني ذلك أن البترول سيفقد قيمته، بل ربما سترتفع قيمته لأن هناك صناعات تحويلية كثيرة، ربما تصبح بعدها المملكة رائدة في صناعات القيمة المضافة للبترول.<br>
أما عن قضايا الطاقة الذرية فهناك تطبيقات للطاقة النووية في الطب، في الدراسات البيئية والمائية في الصناعة وفي الأمن، هذه ضرورية لنا وضرورة للتنمية المستدامة، لأنها تساعد وربما تستخدم للحفاظ على البيئة والموارد وحقوق الأجيال المقبلة، وبالتالي هي تساعد وتعضد التنمية المستدامة، لكن الجانب الآخر المتعلق باستخدام الطاقة النووية في توليد الطاقة الكهربائية، يمكننا الآن أن ننعم بطاقة أحفورية ضخمة، ولكن يجب أن تكون لدينا الكوادر القادرة على سد الثغرات عندما تظهر. <br>
الخضيري: بخصوص الغابات والمراعي والأودية، فإن التصرف الجائر في مجال استملاك الأراضي في هذه القطاعات التي ذكرتها، والتدمير البيئي لها والزحف العمراني عليها، وتحولها إلا أرض للاستثمار أكثر مما هيأها الله سبحانه وتعالى له، ومن القضايا المعيقة للتنمية المستدامة في الغابات والمراعي الاحتطاب الجائر وخصوصا في المناطق الجنوبية من المملكة الغابات، وتأتي أساسا من العمالة المتسللة أو المتخلفة، التي تعتمد عليها كمصادر للدخل، والتي تجد للأسف مساعدات من بعض المواطنين في مساعدتهم على القيام بمثل هذه الأعمال، مما أدى إلى الإضرار الكبير بهذه المناطق وتعرضها للتصحر العالي، وكان هناك العديد من الدراسات التي أجريت لمعالجة إشكالية كثير من النباتات مثل نبات العرعر، ووجد أخيرا أن الجفاف كان أحد الأسباب الرئيسية في التصحر.<br>
أما فيما يتعلق بتطبيق التنمية المستدامة في مجال النفط والغاز، فيجب أن تبدأ المملكة برامجها وهي بدأت بالفعل في بعضها والانتقال من بيع النفط أو الغاز كمادة خام إلى المواد التحويلية والاستثمار في المنتج النهائي من البترول والغاز، وأعتقد أن هذا تحد حقيقي لنا.<br>
العيسى: للمملكة ولسنوات طويلة ميزة نسبية فيما يتعلق بالنفط والغاز، والجانب التعليمي فيهما ضعيف، مثلا قسم للنفط في جامعة الملك سعود هو من أضعف الأقسام إقبالا من الطلبة، بل هناك اتجاه لإلغائه، نتيجة عدم قبول الصناعة لخريجي هذا القسم لسبب أو لآخر، وحتى بالنسبة لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، لا يوجد ما يوازي الميزة النسبية في النفط والغاز، نحتاج في الحديث عن النفط والغاز أن نشير إلى مراعاة هذه المزايا النسبية في مجال التعليم.<br>
أما فيما يتعلق بالذرة لا يوجد في التعليم الحالي ما ينمي التقنية في هذا المجال، معظم الموجود خبرات أو عمالة وافدة، والخبرات السعودية محدودة وغير مبرمجة أو ممنهجة لتنمية مستدامة في هذا الإطار، ونحن نستشعر هذه الأهمية في المجال الطبي، فلو لاحظنا الفنيين الذين يقومون بإجراء الأشعة الطبية إكس ري أو الأشعة السينية، فسنجدهم غير سعوديين، لا توجد جامعة تدرس الفيزياء الطبية، إلا بداية قريبة في جامعة الملك فهد للبترول في برنامج ماجستير فقط وجامعة أم القرى.<br>
أرى أن هناك حاجة للاستفادة من برامج التعليم بما يوافق حاجات التنمية المستدامة،<br>
والتطبيقات أيضا في مجالات غير إنتاج الطاقة وهي مجالات مهمة جدا، نحن ننتج القمح وهو غال في قيمته سواء الاستراتيجية أو الإنتاجية، ونحتاج إلى الحفاظ عليه من الحشرات، بتقنية الطاقة الذرية وكذلك نحافظ على الغذاء، القمح، التمور، البصل، البطاطس، أيضا الطاقة الذرية في إنتاج الكهرباء تعمل على صناعة تعقيم المنتجات الطبية، وطبعا لدينا صناعات البترول والنفط، أيضا الطاقة الذرية تساعد على تحسين خصائص المواد، وأصبح لها صناعات بالمليارات في العالم.<br>
في اليابان على سبيل المثال، المواد المركبة الجديدة، هذا الاتجاه نحتاجه ونبذل فيه بُعداً أكبر سواء المستوى التعليمي ولا التطبيقي ولا المؤسسي، هو يرتكز على اهتمامات فردية، وهذه الاهتمامات الفردية لا تتلاءم مع متطلبات التنمية المستدامة.<br>
وفيما يتعلق بإنتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة الذرية، لدى رؤية شخصية، هذه حاجة ملحة في ظل نضوب الطاقة الأحفورية البترول، وإن كانت المملكة لديها ميزة نسبية فيها، لكن مشكلة الطاقة الذرية تتمثل في أبعادها السياسية، إلا أن بناء الخبرات في هذا المجال يحتاج إلى بدايات مبكرة، أيضا لا يمكن استيراد هذه الكفاءات، وحتى منشآت الطاقة الذرية تستغرق سنوات لا تقل بشكل من الأشكال عن 8 ـ 9 سنوات لبناء محطة طاقة نووية، ومن هنا فمن ناحية الإنشاء وتكوين الخبرات تحتاج إلى وقت طويل وتحتاج إلى تخطيط فعلي.<br>
ووفقا للإحصاءات تستهلك المملكة سنويا وبشكل متنامٍ 7 في المائة الكهرباء، نحتاج أن نلتفت لموضوع إنتاج الطاقة وسياسة ترشيدها واستغلالها، وإذا قارنا بين ما توفره الطاقة النووية من كهرباء، وما نحتاجه لإنتاج نفس الطاقة بالطرق التقليدية النفط أو الغاز فإن المقارنات والحسابات مغرية جدا، جوانبها البيئية مغرية جدا، وجوانبها الاقتصادية قد لا يكون هناك بديل آخر دائم للطاقة بعد نضوب الطاقة الأحفورية، البديل المستقبلي الذي يتحدثون عنه الآن، هو الطاقة الاندماجية، لكنها لم تتحقق حتى الآن على أرض الواقع، وإن تحققت فهي عكس الطاقة الانشطارية انشطار الذرة والاندماجية كما يحدث على سطح الشمس اندماج نواة الذرة الصغيرة، طبعا هذه نظرة بشرية ستغير جيولوجية الطاقة, ولا أرى أنها قريبة التحقق خلال عشرات السنين المقبلة.<br>
أعتقد موضوع التوجه نحو الطاقة الذرية، تحكمه أعراف سياسية وأخطاء في المفاهيم حتى على المستويات السياسية الدولية، والمملكة بفضل الله توجه سياساتها نحو الطاقة السلمية، فهي من الستينيات عضو في إحدى المنظمات المتخصصة في الطاقة الذرية الوكالات الدولية للطاقة الذرية، وهي إحدى منظمات الأمم المتحدة, كما وقعت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وما يتعلق بها من معاهدات واتفاقات.</div><div align="right"><table style="width: 696px; border-collapse: collapse; height: 217px;" bordercolor="#000000" cellspacing="0" cellpadding="3" width="696" bgcolor="#66ccff" border="1"><tbody><tr><td valign="top" width="100%"><div><div align="right"><strong>التوصيات:<br>
1- ضرورة إيجاد إستراتيجية تهتم بالإنسان والمكان وتراعي حقوق الأجيال القادمة من منظور اقتصادي واجتماعي وبيئي.<br>
2- توفير وإيجاد فرص العمل والجامعات والمعاهد في المناطق الأقل نصيبا لوقف الهجرة إلى المدن الكبيرة وإيجاد تنمية مستدامة فيها.<br>
3- دراسة أسباب فقد لغة التخاطب بين الأجيال لمعالجتها ونقل الخبرات بوسائل محددة ومفهومة وسلسة.<br>
4- مراجعة قوانين تملك الأراضي البور حتى لا نشجع على إزالة الغابات.<br>
5- وضع برنامج وطني لتدوير النفايات بكل أشكالها ووضع جهاز خاص بها.<br>
6 - التركيز على المزايا النسبية للمملكة سواء السلبية أو الإيجابية ونهتم بما نحتاجه شرط أن يتلاءم مع بيئتنا وقدراتنا.<br>
7 - البدء في برنامج الطاقات البديلة بشكل سريع ومتقن وآني وتوفير إستراتيجية طويلة الأمد له.<br>
8 - استخدام برنامج التقنيات الجافة لإعادة استزراع الغابات في عسير والمرتفعات كافة وحمايتها من الاحتطاب بطرق قوية ورادعة.</strong></div></div></td></tr></tbody></table></div>