كلمة مخجلة .. لا تلغي الشريعة ولا يجوز العمل بها في حالات الظلم
البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل" عبارة تنتشر في كثير من المحلات التجارية بمختلف أنشطتها وأحجامها، هذه العبارة تثير سخط كثير من المستهلكين الذين ينظرون إليها على أنها سيف مصلت على جيوبهم، فالعبارة تضعهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تشتري أو لا تشتري، حينها يسائل المستهلك نفسه: وإذا ظهر لي فيما بعد أن السلعة غير صالحة، أو ليست بالمواصفات التي أريد ماذا أفعل؟! المستهلكات بدورهن أكثر تضررا من هذه العبارة وخاصة عند شرائهن الملابس، فإحداهن تشتري "فستانا" أعجبها وتذهب لقياسه في البيت -حيث إن غالب المحلات لا يوجد فيها أماكن للقياس- وتفاجأ المسكينة في المنزل أن الفستان لا يناسب جسمها، وقد تكون ذات حظ سعيد إن كان المحل قد تراخى في عبارته تلك ليسمح باستبدال البضاعة خلال مدة مشروطة، لكن الحظ العاثر قد يعود إليها إن لم تعثر في المحل ذاته على المقاس الذي تريد، حينها تقع بين نارين: إما أن تستبدل الفستان الذي أعجبها بفستان لا ترغبه، وإما أن تعود بالفستان الأول لتهديه لإحدى قريباتها وسط صراخ زوجها الذي غضب بسبب هدرها مالا دون فائدة.
عبد العزيز الحميضي أحد الذي يترددون -وبشكل مستمر- على محلات الملابس الرجالية يرى أن عبارة "البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل"، تطرد الكثير من الزبائن وخاصة الشباب، حيث إنها تجعل الزبون في حيرة من أمره حين يرغب في شراء أي سلعة من المحل، ويقول:" عندما أدخل المحل وأجد العبارة أمامي أتوقف وأردد في نفسي: هل أنا فعلا بحاجة إلى شراء شيء!!".
أصحاب المحلات: الزبائن يستغلوننا
البائعون وأصحاب المحلات لهم حجتهم، فهم يؤكدون أن تصرفات بعض المستهلكين أجبرتهم على اشتراط هذا الشرط، ويقولون إن بعض المستهلكين يستغلون عدم وضع هذه العبارة في شراء سلع لاستخدامها مؤقتا ثم إعادتها بحجة عدم صلاحيتها لهم. ويقول أحمد طالو -عامل في أحد محلات الملابس الرجالية التي وضعت العبارة - :"بعض الزبائن يشتري سلعة معينة من المحل، ويسافر بها إلى أحد المدن المجاورة للرياض، إذ إنها تلبث عنده ما يقارب ثلاثة أيام، ثم بعد ذلك يعود ويجادل طالبا استرجاع تلك السلعة، متعذرا بقول "إنها لا تناسبني" وهي في الحقيقة خلاف ذلك".
ويزعم طالو أن بعض الزبائن (خصوصا ممن يعانون ضعفا في الدخل المادي) يشتري قميصا رجاليا باهظ الثمن لاستخدامه لمقابلة إحدى الشخصيات المهمة، وبعد انتهاء اللقاء يأتي هذا الزبون طالبا إرجاع هذه الملابس مختلقا أعذارا وهمية.
محمد حبيب يعمل في محل آخر يؤكد أيضا أن ما أجبر صاحب المحل على وضع العبارة هو التلاعب الكبير الذي ينتج من معظم الزبائن.
العبد العالي: تقوى الله هي الأساس
الدكتور عبد العالي بن إبراهيم العبد العالي المدير العام لإدارة مكافحة الغش التجاري في وزارة التجارة في الرياض يوافق ـ مبدئيا - أصحاب المحلات في حجتهم فهو يلقي اللوم على بعض المستهلكين الذين يستغلون عدم وجود هذه العبارة قائلا: إن هناك ـ وللأسف ـ بعضا من حالات التلاعب يمارسها العديد من الزبائن، كقيام بعض السيدات بشراء "فستان" ورده في اليوم التالي ويكتشف البائع بعد ذلك أن "الفستان" قد تم استعماله، وكذلك تجد أن هناك شخصا يشتري سيارة بقيمة 180 ألف ريال، ويأتي بعد أيام لردها مختلقا بعض الأعذار الوهمية غير المقنعة، ويكتشف البائع بعد ذلك أن السبب في استرجاعها أحد أصدقائه حينما قدم له النصائح بشراء نوع آخر من السيارات.
لكن العبد العالي يرى في الوقت نفسه أن الشرط مجحف بحق المستهلك، ويؤكد أن هذه العبارة غير صحيحة خصوصا إذا كانت عملية الرد أو الاستبدال تمت في فترة زمنية وجيزة، ويرى العبد العالي أن الخوف من الله تعالى هو أساس كل شيء سواء من المستهلك أو البائع من أجل أن يدوم العدل بين الطرفين.
للشرع كلمته
ومن جانبه أكد الشيخ عبد الله المطلق عضو هيئة كبار العلماء في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، أن الأصل في هذه العبارة أنها شرط، والأصل في الشروط الصحة، لقوله صلى الله عليه وسلم "المسلمون على شروطهم"، لكن الشيخ استدرك كلامه مبينا أن هذه العبارة لا تلغي ما أوجبته الشريعة وجعلته وسيلة لرفع الظلم مثل خيار الغبن، والعيب، والتخبير في الثمن "أي الخداع في السعر والكذب في ثمن المرابح".
وأضاف الشيخ المطلق أن العبارة لا تمنع الرد في هذه الحالات، لأن الشرع أعطى كل مظلوم ما يرفع به ظلمه، فإذا تضمنت هذه العبارة وقوع الظلم فإنه لا يجوز العمل بها.
المحامي الدكتور عمر الخولي أستاذ القانون في جامعة الملك عبد العزيز، أكد أن صاحب المحل إذا وضع هذه العبارة في مكان بارز بحيث يتاح للجميع العلم بهذا الشرط ورؤيته، أو إذا دونه على الفواتير الصادرة من المحل للزبون، فحينها تصبح العبارة جزءا من التعاقد، ويغدو لازما واجب الإعمال ما لم تكن السلعة المبيعة معيبة، فهنا يبطل الشرط ويؤول الحكم إلى القواعد العامة التي تلزم البائع بضمان العيوب الخفية.
واعتبر المحامي الخولي أن هذا الشرط جزء من عقد البيع، حيث إن من قبل به أبرم العقد واشترى، ومن لم يقبل به لا يشتريه، موضحا أنه إذا ما علم الشخص بالشرط وقبل الشراء فإنه يكون قابلا للشرط، وبالتالي يصبح الشرط لازما له تسري عليه مفاعلة فلا يحق له بعد ذلك إعادة السلعة أو طلب استبدالها.
وأوضح الخولي أن في المملكة إمكانية لإعادة أو استبدال البضاعة المشتراة، ما لم يشترط البائع عدم الإعادة أو الاستبدال، حيث إن مصدر هذه الإمكانية ليس هو التشريع أو القانون، وإنما هو العرف شبه الملزم، وقال:" نجد أن الوضع مختلف في كثير من الدول الأخرى، إذ يكون القانون هو مصدر الالتزام فتوجد قوانين تلزم البائع أو بالأحرى تمنح الحق للمستهلك في إعادة السلعة المعيبة أو منتهية الصلاحية أو التي لم يقتنع بها إلى البائع مقرونة بما يثبت الشراء خلال مدة زمنية معينة من تاريخ الشراء، وله أن يسترد ثمنها أو يستبدلها بسلعة أخرى مماثلة أو غير مماثلة، ولا حظنا ذلك في الولايات المتحدة، وبريطانيا التي توجد فيها أنظمة متقدمة لحماية المستهلك".
عبارة مخجلة
ومن جانبه يرى الخبير التسويقي محمد العمير أن هذه العبارة تخجل منها الأسواق في المملكة، مقارنة بالأسواق الخارجية التي تعطي للعميل فرصة طويلة لاسترداد هذه البضاعة، ويرى كذلك أن وضع مثل هذه العبارة دليل على عدم ثقة البائع ببضاعته، وعدم ثقته بزبائنه معتقدا –أي البائع- أن الزبون يأخذ البضاعة ويستخدمها ثم يقوم بإرجاعها والواقع عكس ذلك.
وأوضح العمير أن هناك شركات كبيرة في المملكة سعت في إطالة مدة إرجاع البضاعة، وبدأت تتعامل مع الزبائن بالنظام المعمول به في الخارج، حيث إنها بذلك الفعل تكسب أكبر قدر ممكن من الزبائن، ويضيف العمير:" نحن نسهم في تعديل سلوك المستهلك، ولو أعطيناه أساسا الثقة لكان ما نطلب".
وشدد العمير على أهمية توعية الطرفين "البائع والمشتري" من خلال وسائل الإعلام وغيرها، وأن تشيد تلك الوسائل بالشركات التي عملت على تمديد فترة الاسترجاع على الرغم من أنها دعاية لها، ولكن المهم بالدرجة الأولى هو التوعية والإرشاد ليتم معالجة الأمر في أقصر فترة ممكنة.