مَنْ المستفيد من استهداف آبار النفط وضرب الاقتصاد؟
<a href="mailto:[email protected]">f.albuainain@hotmail.com</a>
التعمق في الفكر الإرهابي ذي الأبعاد الدينية يقود الإنسان إلى عالم آخر من الضلال والتضليل المتعمد، عالم آخر مليء بالأفكار الغريبة التي لا يمكن أن تنسجم مع التعاليم الدينية السمحة. مجموعة من التناقضات تصيب كل من يحاول التعمق بها بانفصام الشخصية. كيف يستطيع المسلم أن يريق دم المسلم؟، وكيف له أن يستحل عرضه وماله ودمه؟، وقد علم بحرمة ذلك في دين الله الحنيف. يسعون في الأرض فسادا، يقتلون ويروعون ويدمرون. قال تعالى "وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد".
شهور مضت اعتقدنا خلالها بانحسار موجة الإرهاب، ولا سيما بعد قتل قادتهم والتضييق عليهم وإفشال مخططاتهم التدميرية. فبعد أن كانوا يبادرون بالقتل والتفجير أصبحوا هدفا لضربات رجال الأمن الاستباقية ما جعلهم أكثر ضعفا وتشرذما من أي وقت مضى، وهو ما جعلنا نعتقد بانحسار شرهم. وكم كنا مخطئين في ذلك الاعتقاد، حيث ظهر الإرهابيون بوجوههم القبيحة وأياديهم القذرة الملطخة بالدماء، فقتلوا الأنفس الطاهرة، وكادوا لولا لطف الله ورحمته، ثم يقظة رجال الأمن، أن يدمروا مدينة بأكملها ويجعلوا منها مقبرة لسكانها المسلمين. مجموعات الفئة الضالة أقرب ما تكون للمجرمين الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله "وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون".
كيف يفكر هؤلاء؟ وما أهدافهم الحقيقية أو أهداف محركيهم، على وجه الدقة؟. وكيف لهم أن يعيدوا تشكيل خلاياهم الإرهابية على رغم الضربات القاتلة التي توجهها لهم قوى الأمن؟ ومن الذي يكفل لهم الدعم ويمدهم بالمال والسلاح؟ وكيف لهم أن يحددوا أهدافهم المنتقاة بحرفية لا تتوافر إلا لجهات استخباراتية متطورة؟. أسئلة كثيرة تدخل الإنسان في دوامة من الصراع الفكري لا يمكن له الخروج منها بحقائق ملموسة تعينه على كشف الأوراق وفضح المتآمرين أمام العالم أجمع. إلا أن تتابع الأحداث، وتسلسل الوقائع، يمكن لها أن تقود الإنسان إلى معرفة ما خفي من أمور الإرهاب.
حاولت جاهدا أن أربط بين هروب إرهابيي القاعدة من السجون اليمنية في الثاني من شباط "فبراير" الماضي، وبين عملية بقيق الفاشلة، ثم بين استهداف المجمع الصناعي الذي يعالج أكثر من سبعة ملايين برميل من النفط يوميا (70 في المائة من إنتاج المملكة تقريبا) وإعلان الرئيس الأمريكي إمكانية الاستغناء عن نفط الشرق الأوسط، وبين المتفجرات المستخدمة وطريقة الهجوم وأسلوب التخطيط وبين الخطط الاستخباراتية المتقدمة وإمكانيات الدول لا الأفراد وجماعات الإرهاب. ملاحظات متفرقة يخيل للمطلعين استحالة ربطها ببعضها البعض، وإن كنت أرى عكس ذلك تماما. من حقنا أن نتعمق في الأحداث، وأن نجمع بين المتباعدات المتشابهة من أجل الوصول إلى الحقيقة التي تعيننا على التفكير الأمثل ووضع خطط مكافحة الإرهاب بناء على معطياتها الحقيقية وصولا إلى رأس الأفعى، المحرك الحقيقي للعمليات الإرهابية داخل السعودية.
ليس هناك اختلاف البتة، في كون المنفذين من الفئة الضالة، التي أضلها الشيطان فأصبحت دمية بين أصابعه يحركها كيف شاء، بعضهم من المراهقين المغرر بهم، وبعضهم من خريجي السجون وأصحاب السوابق، وبعضهم من معتنقي الفكر التكفيري، والعياذ بالله. هؤلاء جميعا اجتمعوا على محاربة الله ورسوله ومحاربة ولي الأمر، وسعوا في الأرض مفسدين، زين لهم الشيطان سوء عملهم فرأوه حسنا. لكنهم مجتمعون لا يمتلكون المقدرة الفائقة التي تمكنهم من مواجهة الأجهزة الأمنية المنظمة، أو أن يبلغوا مبلغا من بناء أنفسهم بعد كل تلك الضربات القاتلة، دون تدخل من جهات أخرى، ولا يمكنهم في الوقت نفسه من تحديد الأهداف الإستراتيجية ووضع خطط مهاجمتها بمعزل عن الدعم اللوجستي، إذا ما أخذنا في الاعتبار توافر الحماية المكثفة وغير الطبيعية من قبل قوات الأمن والأنظمة الأمنية المتطورة لجميع المرافق الحيوية وخصوصا المجمعات النفطية. أما المواد المتفجرة والأسلحة المتطورة التي يستخدمها الإرهابيون فهي أمر آخر أكثر إثارة للشكوك من باقي الملاحظات.
لا أريد أن أوجه الاتهامات المباشرة، ولكن فقط أريد أن أفسح المجال للخيال كي يصل إلى نقاط التفكير المحرمة التي لا نجرؤ أن نصل إليها بسبب ما نتمتع به من حسن نية، وصفاء سريرة، وحرص على العلاقات، تجعلنا بعيدين كل البعد عن مناقشة الأمور من جميع جوانبها.
أليس من الغريب حقا أن يتمكن أعضاء القاعدة الموقوفون في السجون اليمنية من الهرب بطريقة "جيمس بوند" الشهيرة بالرغم من أنهم أخطر المجرمين على الإطلاق؟، ما يعني خضوعهم لإجراءات رقابية أمنية غير عادية يتعذر معها إمكانية الهروب، وما يثير الريبة فعلا، تصريحات الرئيس الأمريكي حول الموضوع نفسه، ثم السكوت المطبق عن ملاحقتهم، وهم الذين أرسلوا طائراتهم الحربية لقصف أعضاء القاعدة داخل الأراضي اليمنية بعد التهديدات التي وجهت لأعضاء السفارة الأمريكية في اليمن وللسفن الأمريكية. هل هناك رابط بين الهروب وبين عملية بقيق الفاشلة؟ خصوصا وأن الفارق الزمني بين الهروب وبين تنفيذ العملية لا يتجاوز 25 يوما. وهل كانت عملية الهروب الجماعي عملية خاصة بالسجناء أم أنها عملية خطط لها من خارج السجن؟ لا نعلم، ولا نتهم . لكننا نفكر بصوت مسموع وننشط الذاكرة لعلنا نصل إلى الحقيقة. ننتقل إلى رابط آخر لا يقل أهمية عن الرابط الأول، وهو استهداف معامل بقيق التي تضم أكبر مرافق معالجة الزيت في أرامكو السعودية وأكبر معمل لتركيز الزيت الخام في العالم التي تزيد طاقتها الإنتاجية على سبعة ملايين برميل في اليوم. أليس غريبا بالفعل استهداف هذا المرفق الحيوي في هذا الوقت بالذات، ولماذا لم يستهدف من قبل عندما كانت القاعدة وأعضاؤها أكثر قوة وتنظيما من وقتنا الحالي؟. هو أمر محير بالفعل، يثير الدهشة والاستغراب، ويبعث على تطبيق النظرية التآمرية التي طالما اتهمنا بتبنيها دون الآخرين. عندما ضرب الإرهاب برجي التجارة العالمية، فرضت علينا أمور كثيرة لا يقبلها عقل إنسان، ووجهت لنا التهم، وأصبح المواطن الأمريكي البسيط يقيم الدعوى دون وجه حق وبدعم من اللوبي اليهودي، واليمينيين المتطرفين، لأتفه الأسباب. لم يتركوا بابا للتشفي والتشهير إلا وولجوه، وهم أكثر العارفين بسلامة موقفنا من قضيتهم المزعومة. فهل نلام إذا ما حاولنا قراءة الأحداث بأسلوبهم الاستخباراتي؟.
استهداف مجمع بقيق النفطي لم يكن استهدافا عرضيا، بل هو استهداف مقنن وموجه نحو تدمير أكبر مرافق معالجة الزيت في السعودية، وأكبر معمل لتركيز الزيت الخام في العالم، بغرض تدمير الاقتصاد الوطني، وتدمير اقتصاديات دول العالم، التي تعتمد على صادرات النفط السعودية، باستثناء الاقتصاد الأمريكي الذي بدأ يعتمد كثيرا على النفط العراقي. استهداف مجمع بقيق النفطي هو استهداف مباشر للاقتصاد الوطني الذي يعتمد اعتمادا كليا، بعد الله سبحانه وتعالى، على عوائد الواردات النفطية، وهو مخطط استخباراتي إستراتيجي لا يمكن للعقول الظلامية أن تصل إليه، وإن كانت على مستوى متقدم من الإرهاب والفكر الإجرامي. كشف المخططات الاستخباراتية قد يساعد كثيرا في الحد من الفكر الضال. يجب أن تعي الفئة الضالة أنها لا تعدو كونها أداة استغلها أعداء الأمة من أجل ضرب الأمة الإسلامية من الداخل، فحرابهم المسمومة إنما يوجهونها إلى قلب الإسلام والمسلمين. ستبقى هذه الأمة مصونة محفوظة بإذنه تعالى، وستبقى قبلة للإسلام والمسلمين، وواحة للأمن والأمان، وبعيدة بإذنه تعالى عن مكر الماكرين. قال تعالى "وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ".