"حوكمة الشركات" حقيقة بعد طول انتظار

<p><a href="mailto:[email protected]">f.albuainain@hotmail.com</a></p>
بإعلانها عن مشروع لائحة "حوكمة الشركات" تكون هيئة السوق المالية قد أسست للأطر القانونية التي يمكن لها أن تحكم تصرفات جميع الأطراف ذات العلاقة بالشركات المساهمة، والتي تسهم في رفع مستوى "الإدارة الرشيدة" على أسس من الوضوح والشفافية، والمعرفة التامة بالحقوق والواجبات.
لسنوات طويلة، عانت بعض الشركات المساهمة من قصور إداري فاضح دفع ببعضها إلى حافة الانهيار في سوق مفتوحة سجلت فيها شركات أخرى أعلى معدلات النمو والربحية. لم تحسن بعض المجالس الإدارية استثمار أموال مساهميها بالشكل المطلوب، ما أدى إلى خسارتهم جزءا لا يستهان به من استثماراتهم، إضافة إلى خسارتهم الفرص البديلة.
خلال السنوات الماضية، مارست بعض مجالس الإدارات أنواع الوصاية على الشركات المساهمة، وتعاملت معها على أساس الملكية الخاصة، فأصبحت تتصرف في إدارة تلك الشركات بحرية تامة دون قيود أو ضوابط، ما أدى إلى تدهور أوضاعها المالية والإدارية. لم يكن للمساهمين دور فاعل في وقف تجاوزات بعض المجالس الإدارية، ولم يحرص غالبيتهم على حضور الجمعيات العمومية، ونستثني من هذا التعميم تكتل مساهمي بعض الشركات المساهمة الذين طالبوا بحقوقهم المشروعة بكل قوة وثبات، وكانت لهم الأسبقية في مطالبة بعض الإدارات غير المنتجة بالتنحي وإتاحة الفرصة للآخرين.
أشعر بالدهشة والأسى حين أقارن بين النجاح الباهر الذي تحققه بعض الشركات الوليدة في دول الجوار وبين فشل شركاتنا العريقة ذات النشاط المماثل!. أو حين أقارن ربحية إحدى المؤسسات الفردية، بخسائر تتكبدها شركة مساهمة يزيد حجم استثماراتها على مليار ريال سعودي!، وأتساءل عن الجهة الرقابية التي يمكن لها أن تقف بحزم أمام التصرفات غير المسؤولة التي تؤدي إلى إحداث مثل هذه الفوارق الفاضحة.
قطعا هناك جهات رقابية مختلفة يمكن لها أن تساهم في إصلاح وضعية الشركات المساهمة، ومن ضمنها الجمعيات العمومية التي يفترض أن تستغل الاستغلال الأمثل في مراجعة أداء أعضاء مجالس الإدارات، ومحاسبتهم، أو حجب الثقة عنهم. هناك الكثير من الأدوات التي يمكن استخدامها من أجل الوصول إلى أنموذج " الإدارة الرشيدة"، إلا أنها تبقى مبهمة لكثير من المساهمين.
إصدار هيئة السوق المالية مشروع "حوكمة الشركات" يعتبر بحق أحد أهم المشاريع الحيوية الداعمة للسوق المالية وللشركات المدرجة فيها. لائحة "حوكمة الشركات" ستكون الأداة الفاعلة التي يمكن من خلالها إصلاح وضعية الشركات المساهمة، ووقف تجاوزات المجالس الإدارية، على اعتبار أنها توضح الحقوق والواجبات التي تتحملها جميع الأطراف ذات العلاقة بالشركات المساهمة
بصدور اللائحة الجديدة أصبح هناك وضوح تام في الفصل بين ملكية الأسهم والإدارة التنفيذية، بعيدا عن تداخل المصالح، واستغلال الصلاحيات في غير محلها، وتبيان حقوق المساهمين وواجبات المجالس الإدارية، إضافة إلى إقرار مبدأ التصويت التراكمي لاختيار أعضاء المجالس الإدارية. أما موضوع الإفصاح والشفافية فقد أُفردَ له باب مستقل لما يمثله هذا الموضوع من أهمية بالغة للشركات المساهمة، ولسوق التداول.
ما زال مشروع لائحة "حوكمة الشركات" في مراحله النهائية، ويحسب لهيئة السوق المالية تأجيل إقرار المشروع حتى يتسنى لها تلقي اقتراحات وملاحظات المختصين حول اللائحة التي تم نشرها يوم أمس الأول، لذا أتمنى أن لا يبخل المختصون بآرائهم ومقترحاتهم من أجل الوصول إلى التصور النهائي لمشروع "حوكمة الشركات".
أعتقد بأن مشروع " حوكمة الشركات " يمكن له أن يكون أداة فاعلة لعلاج معظم المشاكل الإدارية والمالية التي تواجهها الشركات المساهمة، شريطة أن يتفاعل معه الجميع، خصوصا المساهمين الذين يفترض أن يكونوا أول المستبشرين بإقراره.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي