الأسهم السعودية وبورصة الخليج الموحدة
إن المراقب لسوق الأسهم السعودية بشكل خاص والأسهم الخليجية بشكل عام يلاحظ التذبذب الذي لا يقوم على أسس معروفة في سوق المال، ففي الوقت الذي يجب فيه أن ترتفع نراها تنخفض وفي الوقت الذي يجب فيه أن تنخفض نراها ترتفع، حيث لا تحكمها عوامل اقتصادية ولا كـوارث طبيعية أو حروب، فهي تعمــل حســـب قواعدهــا الخاصــة ومزاجــها الذي يصنعه لهـا (هوامير السوق) أو المتحكمون فيها.
وقد يتساءل القارئ: كيف يتمكن هؤلاء من التحكم في السوق؟ والجواب واضح كل الوضوح وهو صغر حجم السوق فهو كالورقة التي تلعب بها الرياح، وقد ذهب الكتاب والمفكرون مذاهب شتى في تحليل هذه الظاهرة فاقترحوا العديد من الحلول وكان الحل الإيجابي المناسب الذي طرحوه لهذه المشكلة هو توسيع قاعدة السوق وذلك بزيادة عدد الشركات المتداولة في السوق، وبالفعل فقد بدأت هيئة سوق المال بتسريع وتيرة طرح هذه الشركات للاكتتاب العام لإدراجها في السوق، إلا أن هذا الحل الذي ســيحقق طـرح ست إلى ثماني شــركات ســنوياً قــد لا يكون مناســباً مع الزيــادة المتوقعة (النمو المتوقع) في سيولة السوق، حيث إن معدل نمو السيولة المتوفرة في السوق قد يتعدى النمو المتوقع لعـدد الشــركات (عدد الأســـهم المتــاحة للتداول)، لـذا فإنني أرى أن هذا الاتجاه قد لا يكون الأنجع.
إذاً ما الحل الذي نراه مناسباً؟
الحـل يكمن في عــلاج واحد يشفي الســوق الســعودية والأسواق الخليجيـة وذلك عن طــريق دراســـة دمج جميــع أســواق الخليــج في ســــوق واحــدة تســمى "بورصة الخليج" بحيث تكون هذه البورصة متاحة لجميع المتعاملين في دول الخليج من مواطنين ومقيمين وشـــركات وتصبــح الســــوق الســـعودية والأســواق الخليجية الأخرى فروعاً لـ "بورصة الخليج"، ويتــم تكويـــن مـجلس لإدارة بورصة الخليج بحيث يكون رؤســاء هيئات سوق المال في دول المجلس أعضــاء في مجلس إدارة الســوق المالية الموحــدة، على أن تــكون رئـاســة المجلس تـــداوليــة (كل 2ـ3 سنوات مثلاً).
إن دمج أسواق الخليج في سوق واحدة له ما يبرره، بل إن تسريع الدمج المدروس مواتٍ لأن طبيعة هذه الأسواق تكاد تكون متشابهة والشركات المطروحة فيها متماثلة إلى حــد مـا وطبيعة المتـداولين تكـاد تــكون عـاداتـهم واتجـاهاتـهم الماليــة وطبائعهم واحدة.
عند دمج الأسواق في سوق واحدة فإن عدد الشركات المعروضة للتداول قد تتجاوز 500 شركة وقيمة السوق المالية قد تتجاوز ثلاثة آلاف مليار ريال (قيمة الأسهم السوقية) وهذه القيمة الجديدة الضخمة للسوق ستجعل التحكم فيها من قبل المضاربين في السوق فيه كثير من الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً.
العملة الموحدة
ومن الممكن تطبيق هذه الفكرة عن طريق تثبيت سـعر صرف عملات الخليج وذلك بالتنسيق الكامل فيما بين البنوك المركزية في دول الخليج، وسيساعد هذا الإجراء على تعجيل الاتفاق على عملة خليجية موحدة.
إن عملية تثبيت سعر صرف العملات أمر ممكن جداً حيث إن المراقب لأسعار صرف عملات دول المجلس لم يلاحظ أي تغيير جوهري في سعر الصرف خلال السنوات العشر الماضية بل تكاد هذه العملات أن تكون ثابتة كما أن تثبيت سـعر الصــرف سيشكل المنـطلق الرئيسـي للعملـــة الخليجيــة الموحـــدة التي ينتظرها مواطنو دول المجلس بفارغ الصبر، ويجوز حينذاك للمختصين تحويل جميع أسعار أسهم الشركات في دول المجلس لعملة الخليج الموحدة.
الإجراءات اللازمة
من الضروري الاتفاق على بعض التعديلات، والإجراءات التنسيقية لبعض الأسواق الخليجية مثل:
* توحيد القيمة الاسمية لكل الشـــركات المطروحة في الســوق التي قــد تـطرح
مستقبلاً في السوق الموحدة.
* توحيد شروط إدراج الشركات الجديدة في السوق الموحدة.
* توحيد أســلوب الاكتتاب في الشــركـات الجـديــدة مع إتاحة الاكتتــاب في كل دول المجلس.
* إيجاد لجان مراقبة مركزية لكافة فروع السوق الموحدة في دول المجلس.
* توحيــد الغرامات والجزاءات التي يصـدرها مجلس الســـوق.
* إصدار نظام موحد للشفافية في دول المجلس.
* إصـدار نــظام موحـد للتدقيق والمراجعة المحاسبية على الشركات المدرجة.
الفوائد من الدمج
سيحقق إيجاد سوق موحدة للأسهم في دول المجلس فوائد ضخمة منها أنه سيعود بالنفع العظيم على أبناء دول المنطقة والمقيمين فيها كما سيعود بالفائدة الكبرى على اقتصاديات المنطقة من خلال ثبات السوق وإلغاء التذبذبات العشوائية، وسيدعو هذا الإجراء إلى الثبات و الاستقرار الاقتصادي والثقة التي تعزز النمو، كما سـيكون بإمكان مواطني دول المجلس والمقيمين فيه بعد توحيد البورصــة شـراء سهم أي شركة في دول المجلس دون الحاجة إلى السفر إلى تلك الدولة الموجودة فيها الشركة أو الاضطرار إلى فتح حساب في تلك الدولة كما أن توحيد البورصات سيشكل نقلة نوعية حقيقية لوحدة دول المجلس ومواطنيها.
القرار القيادي
إن التوجيه بدراسة فكرة توحيد أسواق الأسهم في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في سوق واحدة يجب أن تأتي بقرار من قادة مجلس التعاون الخليجي ويمكن عند تطابق ووضوح الرؤية لدى قادة مجلس التعاون على الاندماج التوجيه باختيار هيئة استشارية عالمية لوضع الشروط والسياسات والأنظمة والإجراءات المثلى لإتمام عملية الاندماج.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.