ضربـة اقتصادية موجعة لأسواق "وول - مارت" الأمريكية خارجيا

ضربـة اقتصادية موجعة لأسواق "وول - مارت" الأمريكية خارجيا

في النهاية لم تكترث كبرى شركات تجارة التجزئة في العالم وول- مارت Wal-Mart" بجهودها المستثمرة في ألمانيا حتى لصياغة تصريح صحافي جديد. فحين إعلان سلسلة الأسواق المركزية الأمريكية الضخمة، وول مارت" عن انسحابها من السوق الألمانية، اختارت لهذه المناسبة تقريبا الكلمات نفسها التي استخدمتها في أيار (مايو) الماضي، عندما ودّعت "وول مارت" سوق كوريا الجنوبية. فقد صرح نائب رئيس مجلس الإدارة "مايكل ديوك"، المسؤول المباشر عن قسم التجارة العالمية لدى المجموعة بقوله "وفقا لتركيز نشاطاتنا على القطاعات التي نأمل فيها الخير وفقا لاستراتيجية نمونا، توضح لنا أكثر مع الوقت، بأنه في ظل الظروف الاقتصادية السائدة حاليا ألمانيا أصبح من الصعب على الشركة تحقيق النتائج والكميات التي نسعى إليها". وقبل أشهر صار في الإمكان قراءة العبارة نفسها تقريبا، وذلك عندما أعلنت "وول مارت" عن انتهاء نشاطاتها في كوريا الجنوبية -فهي تكاد تكون العبارة نفسها، لكنه عوضا عن "كوريا الجنوبية" حلت محلهـا "ألمانيـا".
منذ بداية نشاطاتها ظلت ألمانيا قريبة من المصابين المنسيين في مجموعة "وول - مارت" الدولية. ففي عام 1997 قدم الأمريكيون إلى ألمانيا بشرائهم سلسلة الأسواق الاستهلاكية "فيرت كاوف - Wertkauf"، وكانت هذه الخطوة صغيرة فعلا، حيث إن الشركة التي مقرها مدينة "كارلسروه" وضعت بين أيدي "وول مارت" فقط 21 فرعاً في أنحاء ألمانيـا بأجمعها. لكن على الرغم من ذلك، أثار دخول الأمريكيين إلى السوق الألمانية قلق قطاع تجارة التجزئة، فقد كان يُتوقع أن تلتهم الشركة الدخيلة جميع معالم تجارة التجزئة في ألمانيا. وبالفعل، فبعد عام تلت الخطوة الأولى خطوة ثانية تمثلت في شراء 74 فرعاً كبيراً من سلسلة أسواق بيع التجزئة المعروفة "شبار - Spar"، حيث باعت الأخيرة الأمريكيين فروعها من سلسلة "انترشبار - Interspar".

وبهذا الشراء دعمت "وول مارت" سلسلة هجماتها على السوق الألمانيـة. وغدت محتارة في الأعوام التالية في محاولة التربع على مكانة جيدة في السوق الألمانية من خلال فروعها المنتشرة، إلا أن الحظ لم يحالفها هذه المرة. ومن الأسباب المتعلقة بذلك تسلم "وول مارت" من شبكة الـ "أنترشبار" فروعاً في مواقع غير تجارية ألبتة. وحاول الأمريكيون أن يرفعوا من حجم مبيعاتهم، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل وأخذت الخسائر الفادحة تواجههم ولهذا لم تعلن عن أي أرقام حول حجم التعاملات في السوق الألمانية. وأقرت الشركة الأم بأنها لم تحقق أرباحا تذكر. وبدلا من التوسع في تجارتها أخذت "وول مارت" بالتخلي عن فروعها. ويذكر أنها أعلنت في شهر شباط (فبراير) الماضي عن إغلاق ثلاثة مواقع أخرى. وفي النهاية بلغ عدد المواقع المتبقية تحت سلطة "وول مارت" 85 موقعاً. وببيعها لهذه المواقع المتبقية للشركة الألمانية الضخمة في تجارة بيع التجزئة والجملة "مترو Metro AG"، فإنها تكون قد أعلنت عن ثاني انسحاب لها بعد انسحابها من كوريا الجنوبيه خلال ثلاثة أشهر.
تريد "وول مارت" الإشارة هنا إلى أنها لا تريد التمسك بالتوسع في الدول الأجنبية بأي ثمن كان، هذا على الرغم من أن التوسع الخارجي يمثل أهم الأولويات في سياسة الشركة. ومع ذلك فإن انتشار سلسلة "وول مارت" واشتهارها في أرجاء العالم يعتبر ضئيلاً إذا ما قورن بالشركات العالمية الأخرى مثل سلسلة الأسواق المركزية الضخمة "كاريفور Carrefour" الفرنسيـة. ففي الربع الأول من السنة المالية 2006 / 2007 (31 كانون الثاني) ساهم حجم المبيعات لفروعها في البلاد الأجنبية بما يقارب من 22 في المائة من حجم مبيعات الشركة الأم كليا. وحاليا توجد فروع "وول مارت" في 14 سوق أجنبية، الكثير منها حالفها النجاح كما في أمريكا الجنوبية وكندا. من جانب آخر تعتبر السوق الصينية محط أنظار "وول مارت" للتوسع في البلاد الأجنبية، حيث توظف حاليا هناك نحو نحو 30 موظفاً في ما يقارب 60 فرعاً. هذا وقد أعلنت "وول مارت" أنها تريد زيادة الكادر الوظيفي في الصين خلال الأعوام الخمسة المقبلة إلى 150 ألف موظف.
الشركة الفرعية الوحيدة المتبقية في أوروبا، وبالتحديد في بريطانيا، لم تبد أي ردة فعل عكسية تجاه قرار "وول مارت" الانسحاب من ألمانيا. فعلى لسان سلسلة الأسواق المركزية البريطانية "أسدا - Asda" قال أحد المديرين "لا يوجد لدينا ما يستدعي دراسة وفحص نشاطاتنا في بريطانيا". "أسدا" انضمت إلى إمبراطورية "وول مارت" في عام 1999، ويقع مقرها الرئيسي في المدينة الصناعية "ليدز". وحسب رأي المدير، تتمحور مشاكل "وول مارت" في ألمانيا حول أوضاع وطباع السوق المحلية هناك، فالسوق الألمانية في هذا القطاع تمتلك طابع السوق المشبع بحروب الأسعار والتي لا تدر أرباحا كافية بالمقارنة مع السوق البريطانية في هذا القطاع.
وقبل سبعة أعوام اشترت "وول مارت" الأمريكية "أسدا" البريطانية بـ 1.9 مليار جنيه استرليني. وعلى خلاف ما فعلته الشركة الأمريكية في ألمانيا، حيث عملت "وول مارت" منذ البداية تحت اسمها الأمريكي، ولم يتم تغيير هوية العلامة التجارية لشركة الأسواق المركزية البريطانية على الإطلاق. وفي المقابل استثمرت "وول مارت" نحو 500 مليون جنيه استرليني (ما يعادل 730 مليون يورو) في تحسين حركة النقل الداخلي طبقا لأسس الشركة الأم، ولربط الشركة الفرعية في بريطانيا بها عبر شبكات الاتصال. لكن على الرغم من تلك الإنجازات العظيمة ، وقعت مخططات "وول مارت" في غزو السوق البريطانية في مطب أصعب مما كان متوقعاً. صحيح أن الشركة الفرعية البريطانية بفروعها الـ 289 وإجمالي كادرها الوظيفي الـ 145 ألف موزع ما بين دوام كامل ودوام جزئي، والتي استطاعت قبل نحو عامين من إحراز المرتبة الثانية في تجارة التجزئة متفوقة بذلك على المنافس المحلي "سينبوري Sainbury"، إلا أن المسافة ما بين "أسدا"، التي تحتل 16.5 في المائة من السوق البريطانية، والأسواق الاستهلاكية المركزية "تيسكو"، التي تحتل 32 في المائة وتتربع منذ منتصف التسعينيات على عرش قطاع تجارة التجزئة في بريطانيا، مازال شاسعـا حتى اليوم.

الأكثر قراءة