المصطلح والمفاهيم
.. لم يكن للنقد الأدبي من وجود ما قبل القرن العشرين في الجزيرة العربية ما عدا الذي كان يدور في دور العلماء من مناقشات لغوية فيما يتعلق بالتركيب اللغوي النحوي، والمعنى المتطابق مع مقصد الشاعر، وما الشعر في ذلك الوقت إلا مقطوعات شعرية تقليدية خاوية المعنى.
.. وقد كان هناك شعر النظم والألغاز النحوية والنظم الفقهي، وكان التعليم في ذلك الوقت قائم على التلقين والحفظ.
.. وكان النقد يتحاشى الدخول في السياسة.
.. كان النقد عبارة عن إظهار للعيوب إذ كان يقتصر على المدح والهجاء ولم تكن هناك نصوص إبداعية تستحق النقد.
.. وإن كان هناك نقد، فكان يتناول اللفظ وجماليات اللغة المسموعة، وتأثير النبرة الصوتية على المتلقي وحسن العبارة وبلاغتها ووضوح الصورة للتعبير عن مقصد الأديب والشاعر.
.. ومن الملاحظ أن النقد تبع للإبداع، فهو يرتفع بارتفاعه وينخفض بانخفاضه، وكان الشعراء والنقاد يجلسون في مجالس الخلفاء والولاة ينشدون الشعر وينقدون الشعراء.
.. ولقد كان النابغة الذبياني يجلس في خيمته، في سوق عكاظ، ينقد الشعر نقدا انطباعيا وكان النقد مقصورا على الشعر إذ كان الشعر مسيطرا على ثقافة النخبة وكان الشعر عند العرب يغنى، ويردد في المجالس وكانت القبلية تعد الشعار المتحدث الرسمي والمدافع عنها ويفخر بها.
.. ولما انحط الشعر العربي بعد سقوط بغداد على أيدي التتار عام 656 للهجرة موافق 1258 للميلاد، ضعف النقد وصار الشاعر نظاما غير مبدع، حيث كان ينظم على منوال من سبقه من الشعراء، وكان بعضهم ينظم المنظومات التعليمية، وفي عصر النهضة تأثر النقد في الجزيرة العربية بالأدب العربي، في مصر والشام، وبلاد المهجر، حيث بدأت الثورة عطية الأدب، فظهر فريق محافظ وغريق وسط فريق مقلد للنقد التقليد، وفريق مقلد للنقد الحديث.
ما قبل النقد الأدبي الحديث
1- الفكر التقليدي:
.. كان الشعر العامي هو السائد في جزيرة العرب وكانت الكتاتيب هي المدارس، وكان الأدب عبارة عن نظم ومدائح إخوانية، وليس هناك نقد ينقد ذلك والشعر الذي وصلنا كان شعرا منتقى من قبل النقاد.
.. وإن كان هناك فهو منصب على اللغة كشكل لا مضمون والنقد كان امتدادا لابن طباطبا وأسامة بن منقذ أو القاضي الجُرْحَاني.
.. وفي نهاية العصر العباسي كان الشعر تقليديا بعد أبي تمام والبحتري والمتنبي.
.. وكان النقد عبارة عن شروحات للشعر الجاهلي وشعر صدر الإسلام والعصر الأيوبي، المملوكي والتركي كان الشعر تقليديا، وكان النقد عبارة عن تصويبات لغوية وتعديل في جغرافية المكان وإنكار ما ينفي العرف والتقاليد، وكان الهجاء أو المدح، وكان الأدب عبارة عن نصوص مكررة اللفظ والمعنى، وليس فيها من التجديد من شيء وكان النقد عبارة عن ذوق قيمي خاص.
.. وكان مصدر الثقافة قبل عصر النهضة العربية الحديثة محصورا في الطريقة التقليدية التعليمية المتمثلة في الحفظ، لحفظ الشعر، النحو والصرف، علم المعاني والبديع، فالطالب لا يناقش بل يكرر المعلومات وتقليد من سبقه فهو لن يتعدى النظم والتقليد في المعنى والمبنى.
.. وكان نقد الشعر هو المصدر الوحيد، وغياب النقد الأدبي مثل عصر النهضة العربية أدى إلى قلة الإنتاج الأدبي، وغياب النقد الأدبي سببه غياب التعليم الحديث والتعليم الحديث عاصر الفكر المستنير في بلاد الشام ومصر، حيث ظهرت الصحافة في مصر بعد أن هاجر إليها المثقفون الشوام، وفي الصحف ظهرت التيارات الجديدة والمدارس الفكرية النقدية، والمدارس الحديثة أدت إلى تحسين الأدب، وقد أثرت المدرسة المهجرية على المدرسة المصرية، وعلى رأسها مدرسة ميخائيل نعيمة ومدرسة جبران خليل جبران.
.. والتأثير يأتي من كثرة القراءة, والقراءة المتعددة تخرج صاحبها من دائرة التقليد العتيقة إلى فضاء التفكير الرحب.
.. والنقد، لغة: هو العيب، ولهذا السبب يكره العربي النقد، وتطور النقد العربي بسبب ظهور الفنون الجديدة في عصر النهضة الأدبية التي قدمت من أوروبا التجديد في المضمون.
2- الفكر الحداثي:
.. وفي الثلث الأول من القرن العشرين ظهرت مدارس الأدب الحديث وزال معها هيمنة الفكر التقليدي والإنشائية في الأدب.
.. ومدارس النقد الحديث أوروبية الأصل، وهذه المدارس هاجمت التقليد بكل أشكاله.
.. في العقود الأولى من القرن العشرين انقسم المثقفون إلى ثلاثة فرق: فريق يرى تقليد الغرب، وفريق يريد التمسّك بالفكر التقليدي، وفريق يرى بأخذ الأحسن ويترك الأسوأ ويسمى بـ "الفريق المعتدل" والفريق الأول هو الغالب على المثقفين.
.. وفي النصف الثاني من القرن العشرين ظهر تيار الحداثة تعني الثورة على الفكر التقليدي.
.. والتيار الرائد هو "التيار التأويلي" وهذا التيار يعتمد على العلوم الإنسانية والاجتماعية، مثل: على علم النفس، والتاريخ، الأنثروبولوجيا (الإناسة)، وهو تفسير للعمل الإبداعي اعتمادا على العلوم الآنفة الذكر، وغيرها لتفسير العمل وإزالة الغموض عنه، وهو الذي سيكون له أكبر الأثر كما يؤكد النقاد العرب، وميزة هذا التيار اعتماده على كل العلوم الإنسانية والاجتماعية، كما أنه ينطلق من داخل النص متجها إلى الأعلى، كما أن النقاد يجب ألا يكون مقيدا بتيار أو مذهب نقدي محدد، أو حتى مذهب أدبي واحد، فالناقد يتحرك في نقده مع كل التيارات التي تتماشى مع الإبداع نفسه، فالنقد تابع للإبداع، وتقيد الناقد بمذهب واحد قد يجعله في واد والعمل المنقود في واد آخر، وهذا دليل على هضم الناقد لقراءة العمل من عدمها.