المواطن الخليجي يسدّد فاتورة أمنه

<a href="mailto:[email protected]">alamiaa@yahoo.com</a>

ظهرت ملامح الفرح والابتهاج على وجه المذيعة الحسناء وهي تبشرنا عبر شاشة التلفزيون مطلع هذا الأسبوع أن سوق الأسهم السعودية قد تحسنت لأنها انخفضت بمقدار 800 نقطة فقط لا غير خلال ساعتين! هي طبعاً محقة لأن السوق انخفض في وقت ما صباح اليوم نفسه بأكثر من ألف نقطة. برع المحللون في تبرير تراجع السوق بل انهيارها لهذه الدرجة، فاخترعنا "الشماعات" لنعلق عليها أسباب هذا الانهيار. تارة السبب هو "تصحيح طبيعي لأوضاع السوق" وتارة أخرى "إعادة هيكلة تلقائية"، وفي أحيان كثيرة كانت "الشائعات والحالة النفسية". الأسباب "الشماعات" الأخرى عُلِقَت طبعاً على البنوك ومحافظها (خاصة أنها تربح 20 مليار ريال في السنة)، كما نالت شماعة هيئة سوق المال ومؤسسة النقد نصيبها من اللوم. كذلك اتهمنا كبار الهوامير تارة وصغار المضاربين تارة أخرى (لاحظوا التناقض) لنزيف السوق اليومي، كما برزت مصطلحات "عدم الشفافية" و"غياب المصداقية" و"القرارات السلبية" في مقالاتنا وتحليلاتنا اليومية.
آخر "شماعة" عُلِقَت عليها أسباب انهيار أسواق المال هي الملف النووي الإيراني. لقد أصبح هذا الملف اليوم هو المسؤول الأول عن تدهور السوق وتسريح الموظفين وتراجع أرباح الشركات وارتفاع حالات الجلطات الدماغية. يبدو أن مفهومنا لأمن الخليج لم يعد ينطلق من أهمية المحافظة على المصالح المعتبرة وفق الثوابت الأساسية وضمن الإجراءات الوقائية المستدامة، بل يكاد يغيب عن أعيننا أن أمننا الخليجي يتمثل في حقيقة الأمر في القرارات التي تتخذها دول مجلس التعاون من خلال ديمقراطية النظام السياسي بإعطاء المواطن فرصة المشاركة في صُنع القرار، والتماسك الداخلي بالقضاء على الإرهاب، والاستقرار الاجتماعي بتوفير فرص التعليم الحديث وفرص العمل للجميع.
أمننا في الخليج ـ وأريد أن أقولها ثانية ـ يتمثل في مقدرتنا على إتاحة الفرصة للمواطن بالمشاركة الفاعلة في صُنع القرار بحيث نصل إلى حالة الاطمئنان واللا خوف من أي ضغوط خارجية أو تقلبات إقليمية. أمن الخليج لا يتعلق فقط بتوفير القدرات العسكرية لردع الملفات النووية مع أهمية هذا الأمر، ولكن أيضا بتوفير الاستقرار الاجتماعي للمواطن. أعتقد جازماً أن هناك علاقة مباشرة بين أمن المواطن الخليجي وبين تماسك الجبهة الداخلية والقدرة على مقاومة الضغوط والتحديات الخارجية سواء كانت الحروب الإقليمية أو التفوق العسكري الإيراني.
يقترح البعض أن قوة ومتانة أمننا، وبالتالي قوة السوق المالية تتمثل في تغيير نظام الاكتتاب بأن تُفْتَح السوق للجميع ولأكبر عدد ممكن من الشركات، بينما يعتقد آخرون أننا بحاجة لتشكيل لجنة شرعية مختصة تكون مسؤولة عن متابعة أحوال السوق. الكل يتفق أن ما يحدث في السوق اليوم له تأثير سلبي كبير في الأسرة واستقرارها تماماً، كما هو الحال عندما يتعلق الأمر بأمننا الوطني. لا شك أن أسعار أسهم السوق كانت متضخمة أصلا في وقت ما، وأن الارتفاع الحاد قد زاد من معدل تضخم أسعار الشركات بشكل غير معقول، وطبعاً لم يعترض أحد على الصعود الصاروخي في تلك الأيام. كذلك قد تكون التسهيلات التي وفرتها البنوك أيضاً قد ساعدت بشكل أو بآخر على "انتفاخ" السوق مما أتاح المجال لمزيد من المستثمرين الجدد لدخول السوق مسلحين بهذه السيولة الضخمة، فكان أن صام المستثمر المسكين طويلاً ثم فطر على بصلة.
أمننا ليس في اقتصادنا فقط، بل أيضاً في مدارسنا وشركاتنا وبيوتنا ومساجدنا وجامعاتنا. أقول جازماً أيضاً إن أمننا يتعلق ليس فقط بالعوامل الخارجية، بل أيضاً بالتهديد الداخلي مثل الانحراف والتطرف الفكري. في نهاية الأمر، يبدو أن المواطن الخليجي العادي هو من يسدّد فاتورة أمنه إما من خلال فقدان استثماراته في أسواق المال وإما في تحمل أعباء الحروب المتتابعة على المنطقة منذ أكثر من ربع قرن. السوق يا سادة ما زالت تنزف وتحتاج إلى دم من فصيلة غير متوافرة حالياً.

نقطة نظام
تلبية لدعوة كريمة من مطبوعة اليمامة تشرفت بإبداء رأي عن المحاكم التجارية ضمن نخبة من المثقفين والعلماء معظمهم أكثر مني علماً وفقهاً ومعرفة. الشيخ الفاضل إبراهيم الخضيري قال إن القضاء الشرعي يتعامل مع كل القضايا، وإنه قد سبق لنا التعامل مع القضايا التجارية. أقول لأستاذي الكبير الخضيري: مع احترامي وتقديري، إن أنظمتنا القانونية الحالية غير قادرة على التعامل مع القضايا التجارية ولا تمتلك القدرات الفنية أو الخبرات المهنية الكافية للفصل في المنازعات التجارية التقنية، ولعل الوقت قد حان لتأسيس المحاكم المتخصصة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي