تحديات العولمة من الاقتصاد إلى جميع مناحي الحياة!
في كتابه الشهير "صراع الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي" توقع هنتنجتون أن تحل الحضارات محل الأيديولوجيات في تحديد مسار السياسات العالمية عقب انتهاء الحرب الباردة. والآن في هذا الكتاب الجديد يركز هنتنجتون أزمة الهوية في الولايات المتحدة، حيث يستعرض تأثير الحضارات الأخرى وقيمتها في أمريكا.
تتسبب العولمة في تغير هائل يواجه المجتمعات الآن. يحاول الكتاب تقييم التحديات التي تصنعها العولمة والتي تتجاوز مجال الاقتصاد لتشمل جميع مناحي الحياة. تفرض العولمة التقليل من قيمة الحدود بين الدول مما يدفع إلى المزيد من حركات الهجرة في العالم خاصة إلى الدول التي تتبع سياسات أكثر انفتاحا فيما يتعلق بموضوعات الهجرة والجنسية. ينتج عن حركات الهجرة وجود الكثير من الأقليات التي لا تندمج تماما في ثقافة البلد التي هاجروا إليه، وبالتالي تتزايد وطأة التعددية الثقافية.
قام المستعمرون البريطانيون بتأسيس أمريكا، حيث جلبوا معهم ثقافة متميزة تشمل: اللغة الإنجليزية والقيم البروتستانتية والفردية والالتزام الديني واحترام القانون. لاقت هذه الثقافة قبولا من موجات المهاجرين الذين قدموا إلى الولايات المتحدة وتدريجيا تشبعوا بالثقافة الأنجلوبروتستانتية.
يطرح الكتاب مشكلة تآكل الهوية القومية الأمريكية بسبب مشكلات استيعاب الأعداد الكبيرة من المهاجرين القادمين من أمريكا الجنوبية، والتحديات التي تفرضها قضايا مثل: ثنائية اللغة وتعدد الثقافات والتقليل من قيمة المواطنة.
أحدثت كارثة 11 أيلول (سبتمبر) انبعاثا جديدا للوطنية الأمريكية وتجديدا للهوية الأمريكية، إلا أنه هنالك بالفعل علامات على زوال هذه التأثيرات. يناقش الكتاب حاجة الأمريكيين إلى تأكيد القيم الجوهرية التي تكسبهم الهوية الأمريكية.
يهدف الكتاب في النهاية إلى إثبات أن العقيدة الأمريكية، والتي يعرَفها بأنها أيديولوجية متأثرة بالبروتستانتية الموضوعة على النظام البريطاني، هي التي أرادها المؤسسون الأوائل مذهبا لأمريكا ومازالت هي المذهب الأصلح لها.
في هذا الكتاب يتوقع هنتنجتون ظهور حركة للقومية البيضاء، والتي لن تكون مؤيدة لسيادة الجنس الأبيض، إلا أنها ستؤمن بأن اختلاط الأجناس وبالتالي الثقافات يعد بداية الطريق إلى الانحطاط القومي.
كما يحتوي الكتاب على عدد من المغالطات والتناقضات الأخرى، حيث يعتمد الكاتب كثيرا على رؤى ونظريات المؤسسين الأوائل، مؤكدا أن فكرة القومية الأمريكية لم تنشأ إلا بعد انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية.
أكثر فصول الكتاب احتواء على مغالطات هو الفصل الخاص بالمهاجرين من أمريكا اللاتينية. ففيه يتخيل هنتنجتون أنهم سيستولون على بعض الولايات بينما تبقي الولايات الأخرى تحت سيطرة الأنجلو، وهم السكان البيض للولايات المتحدة.
بينما أقوى أجزاء الكتاب هو المقدمة التي يعرض فيها هنتنجتون أساس كتابه، وهو أن فكرة القومية ذات أهمية كبيرة بالرغم من العولمة وما يصاحبها من تبادل التأثيرات الثقافية، إلا أنه لا يزال مهما للشعوب أن تحتفظ بنسيجها الثقافي المميز لها.