بذور الخير في أرض النماء
<a href="mailto:[email protected]">f.albuainain@hotmail.com</a>
البناء أساس التنمية، وهو المدخل الحقيقي لبناء الأمم والحضارات، والانتقال نحو العالمية، من خلاله تبنى العقول قبل المباني الخرسانية، وتصنع الأفكار قبل المجمعات الصناعية، وتغرس بذور النماء قبل المال. النخلة المثمرة تبدأ بنواة فيبارك الله فيها ويحييها فتصبح نخلة باسقة مثمرة تبقى مئات السنين، خير وبركة على من زرعها وعلى الأجيال القادمة.
يوما بعد آخر يبذر الملك عبد الله بن عبد العزيز بذور الخير والنماء في هذه الأرض المباركة، لا يكل ولا يمل من مفاجأة شعبه بالقرارات الملكية التي تعكس مدى تعلقه وحرصه عليهم، فيبادلونه الحب والوفاء. منذ أكثر من شهرين تقريبا وهو يضمد جراح المتضررين من كارثة سوق الأسهم الأخيرة، بقراراته الملكية المتتالية.
قرارات آنية، وأخرى استراتيجية تصب في مصلحة الوطن والمواطنين. قرارات حكيمة كان لها، بعد الله، الفضل في إعادة السوق إلى جادة الصواب، وإعادة البسمة إلى شفاه المواطنين والمواطنات الذين لم ينقطعوا يوما عن الدعاء للملك في ظهر الغيب، نسأل الله القبول والإجابة.
في الأمس القريب كان الشعب على موعد مع مفاجأة إنشاء صندوق استثماري لذوي الدخل المحدود، بحيث تقوم الدولة، رعاها الله، من خلال إدارة استثمارية متخصصة بإدارة استثمارات المواطنين والمواطنات مع تقديمها لضمانات حفظ رأس المال المستثمر. هذا الصندوق الكريم سيخلق قناة استثمارية رائدة لصغار المستثمرين مأمونة المخاطر من حيث المضاربة أو الاسترداد المستقبلي. كما أنه سيكون الخيار المناسب لكل من لا يستطيع إدارة استثماراته بنفسه في أسواق المال. يمكن لهذا الصندوق أن ينمي رغبة التوفير والاستثمار لدى المواطنين، وأن يحد مستقبلا من تسرب أموالهم نحو القنوات الاستثمارية غير الرسمية التي أتلفت الكثير من مدخرات المواطنين.
صندوق الخير والنماء الجديد قصد من خلاله تحسين أوضاع ذوي الدخل المحدودة وإشراكهم في هبات الطفرة الجديدة، وهو ما عبر عنه خادم الحرمين الشريفين حيث قال " أنا اللي هامني الضعفاء"، فالهدف الأسمى من الصندوق هو مساعدة ذوي الدخل المحدود على تحسين أوضاعهم المالية، إضافة إلى ذلك الهدف النبيل فإن الصندوق سيسعى إلى العناية باستثمارات صغار المستثمرين من خلال تنمية مدخراتهم والمحافظة عليها من التلف تحت إشراف مباشر من القيادة الحكيمة. أعتقد أن الصندوق الجديد سيكون الخيار الأمثل للموظفين والموظفات الذين تتعارض أوقات أعمالهم مع أوقات التداولات اليومية، وهو حل جذري لمشكلة التسرب من الوظائف الحكومية، وخيار أمثل لأولئك الذين لا يجيدون فن التداول في سوق الأسهم.
من خلال تصريحاته الكريمة أكد الملك عبد الله أن بعض الماليين يعتقدون أنه من المستحيل ضمان رأسمال المستثمرين في الصندوق الجديد، وأنه يعتقد، متوكلا على الله، بإمكانية ذلك، حين قال: "الماليين يقولون صعب تحفظ فلوس المساهمين وأنا أقول إن شاء الله". نعم بمشيئة الله ستتحقق أمنية الملك لشعبه، وسينعم الصندوق بخيرات كثيرة، فالنية أساس العمل، ومن كانت نيته خالصة لوجه الله هيأ الله له المستحيل، وأنزل عليه البركة وإن قال الماليون باستحالتها والعياذ بالله سيضمن الله مال المستثمرين، بمشيئته وعنايته وبركته، ولن يخيب ظن عبده به وهو القائل في الحديث القدسي "أنا عند حسن ظن عبدي بي".
ومن بذور الخير والنماء التي بذرها الملك عبد الله خلال الأيام الماضية عزمه حفظه الله على بناء "مركز الملك عبد الله المالي" في مدينة الرياض مشكلا النواة الحقيقية للمدينة المالية التي تعكس الصورة الحقيقية للاقتصاد السعودي.
لسنوات طويلة تنازلت فيها المملكة بطيب خاطر عن حقوقها للآخرين، ما جعلها تبتعد كثيرا عن ترسيخ دورها القيادي من خلال مراكز المال والأعمال. معظم المعاملات المالية والعقود التجارية تمر عن طريق المملكة مرور "الترانزيت" الذي تنتهي رحلاته المتواصلة حيث المراكز المالية المجاورة. لم تدخر المملكة جهدا في دعم وبناء المراكز العربية المتخصصة، لكنها لم تسع قط لبناء مراكزها ومقارها الإقليمية من الداخل.
اليوم أصبح الأمر مختلفا مع إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عن إنشاء مركز مالي متطور في مدينة الرياض يضم المؤسسات المالية العاملة في القطاع. سيعيد الملك للرياض، المدينة، مكانتها المالية التي تستحق أسوة بمكانتها السياسية.
أوضح الملك عبد الله بجلاء على أن إنشاء مركز الملك عبد الله المالي يأتي في ظل "استمرار مراجعة هيكل القطاع وأطره التنظيمية من أجل التطوير المستمر المتوافق مع حاجات الاقتصاد المحلي وتعزيزا لقدراته التنافسية إقليميا ودوليا والاستمرار كذلك في تشجيع القطاع الخاص لزيادة إسهامه في التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال تطوير شراكة فاعلة بين القطاعين الحكومي والخاص، واستكمال الأطر التنظيمية والرقابية اللازمة لذلك". أهداف واضحة وقراءة دقيقة للحاجات الآنية والمستقبلية، التنافسية والإنتاجية، فهي تمثل الفكرة الحقيقية التي سيقوم عليها البناء بإذن الله.
إنشاء المركز المالي ضمن معايير عالمية متطورة سيساعد في تجميع المؤسسات المالية في موقع واحد بدلا من التشتت الحالي، وسيكون عامل جذب للاستثمارات المالية الأجنبية اعتمادا على وجود البنية التحتية والبيئة المناسبة للأعمال المالية. إنشاء مقرات هيئة سوق المال، والبورصة السعودية، وربما مؤسسة النقد مستقبلا، سيكون له أكبر الأثر في تعميق قوة المركز وإبراز حضوره على المستويين المحلي والعالمي، وسيكون عامل جذب للبنوك العالمية وشركات الاستثمار المالية التي ستنتقل دون أدنى شك إلى المركز.
قرارات مصيرية جريئة، وخطوات إصلاحية متميزة ستحقق بإذن الله تعالى تطلعات خادم الحرمين الشريفين وأمنيات شعبه، ورغبات القطاع المالي السعودي بشكل عام، كما أنها تؤكد بما لا يدع مجالا للشك على أن الإصلاح الاقتصادي أصبح هدفا لا مناص منه، وأن مصلحة المواطن هي أساس الإصلاح الذي يديره الملك بحكمته ونيته الصادقة، وحبه الجارف لشعبه.
إصلاحات وقرارات يتحملها الملك ويقوم بها نيابة عن الآخرين، فهل يمكن أن يكون ذلك باعثا وملهما لرجال المال والأعمال والمسؤولين على تحمل مسؤولياتهم تجاه الله أولا ثم المليك والوطن؟