ماذا تخسر البلاد بسبب ندرة أو غياب الشركات القيادية

ماذا تخسر البلاد بسبب ندرة أو غياب الشركات القيادية

تقول الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي التي أعدتها وزارة الاقتصاد والتخطيط، إن الاقتصاد السعودي سيكون بحلول عام 2025م متنوعاً ومزدهراً يقوده القطاع الخاص ويوفر فرص عمل مجزية وتعليم hعالي الجودة وعناية صحية فائقة، إضافة إلى المهارات اللازمة لرفاهية جميع المواطنين وحماية القيم الإسلامية وتراث المملكة الثقافي. كلام جميل ورائع ويتسق مع توجهات الدولة في الخصخصة حيث تبنّـت منذ وقت مبكر استراتيجية إتاحة المجال للقطاع الخاص لمزاولة كثيـر مـن المهـام الاقتصادية. مما كان له أكبر الأثر في دعم نشاطاته وتطويره، وتعزيز أهميته في الاقتصاد، وتنمية قدراته، وتحسين كفاءته الاقتصادية بمفهومهـا الواسـع (الاستثماري، والإنتاجي) .
هذا الكلام الجميل في حقيقة الأمر يواجه من قبل أجهزة الدولة نفسها بعوائق تجعل من مسألة قيادة القطاع الخاص للاقتصاد السعودي قضية غاية في الصعوبة ومحفوفة بالأخطار التي قد يدفع ضريبتها المواطن بانخفاض مستوى معيشته نتيجة لتدني مستوى أو ارتفاع تكلفة الخدمات الرئيسية التي يجب أن تقدمها له الدولة، مثل: التعليم والعلاج والإسكان وفرص العمل، فضلا عن الخدمات الثانوية كالترفيه والنقل والاتصالات.
وهذا ما تؤكده الخطة الخمسية الثامنة التي لخصت معوقات الاستثمار في ست مجموعات أساسية هي: معوقات البيئة التشريعية، والبيئة التنافسية، والمعوقات المتعلقة ببدء النشاط وتسييره، ومعوقات الخدمات المالية، والمعوقات المتعلقة بالحوافز، كما تشير دراسات أخرى متعددة إلى أن المشاكل الإجرائية مثل طول الإجراءات والتأخير، ومشاكل الحصول على تمويل من مؤسسات التمويل تتصدر المعوقات التي تواجه القطاع الخاص وتحد من نموه وتطوره، كما تشير إلى معوقات فنية وإدارية مثل نقص العمالة الماهرة، والكفاءة الإدارية، وانخفاض جودة مستلزمات التشغيل، وعدم مواكبة أساليب العمل الحديثة.
وهذا ما يؤكد أن معظم هذه المعوقات بسبب الأجهزة الحكومية بمعنى أن القطاع الخاص رغم حرص الحكومة على تهيئة المناخ والفرص الملائمة لتفعيل وتعظيم دوره التنموي، ورغم التطور الذي حققه حيث تنامت قدراته الذاتية المتمثلة في ارتفاع درجة استقلاله عن التطورات في كلٍّ من القطاع الحكومي والقطاع النفطي، أقول على الرغم من كل ذلك – وكما تشير الخطة الخمسية الثامنة - إلا أنه لا يزال يواجه عدداً من التحديات يتعين عليه التصدي لها خلال السنوات القليلة المقبلة، ومن أبرزها: مواصلة تطوير قدراته التنافسية لمواجهة تحديات العولمة، وزيادة إسهاماته في الإنتاج والاستثمار وتوفير فرص العمل للأعداد المتنامية من القوى العاملة الوطنية الداخلة سوق العمل، وزيادة استثماراته في المشاريع والنشاطات ذات القيمة المضافة العالية في مجالات الخدمات الأساسية (التعليم، العلاج، الإسكان) إضافة للمجالات المتكاملة مع الصناعات الأساسية الوطنية، وخاصة الصناعات التصديرية ذات القدرة التنافسية العالية.
وهذا لا يمكن تحقيقه في ظل ندرة أو غياب الشركات القيادية في جميع القطاعات الاقتصادية في البلاد، نعم لدينا "سابك" كشركة قيادية في قطاع البتروكيماويات، ولكن هي الشركات القيادية في قطاع التعليم، والقطاع الصحي، وقطاع النقل والمواصلات، وقطاع التشييد والبناء، وقطاع الصناعات التقليدية، وقطاع الإسكان، والقطاع الزراعي إلى غير ذلك من القطاعات، أكاد أجزم بأن كل قطاعاتنا الاقتصادية يعاني من ندرة أو انعدام الشركات القيادية.
والشركات القيادية ليست الشركات الكبيرة، بل هي الشركات التي تأخذ على عاتقها قيادة القطاع للمزيد من النمو والتطور والابتكار والإبداع والإنتاج، حيث تعمل على رفع قدراتها وقدرات القطاع التنافسية من خلال البحث والتطوير القائم على الدراسات الحديثة والدقيقة والعلمية، ومعالجة البيئة الاستثمارية التي تنشط بها من خلال التواصل مع جميع الجهات ذات الصلة لتعزيز الإيجابيات ومعالجة السلبيات لاغتنام الفرص وتجنب المخاطر، لتكون شريكا فاعلا وحقيقيا للقطاع العام في التنمية الشاملة والمستدامة التي تصبو الحكومة لتحقيقها.

ولإيضاح ذلك لنتساءل مَن طوّر العالم؟ بالتأكيد الشركات القيادية مثل "جنرال موتر" و"مرسيدس" و"بوينج" و"جنرال إلكتريك" و"سوني" و"هونداي" و"مايكروسوفت" و"دي إتش إل" و"مايوكلينك" و"سابك" وغيرها مما لا يتسع المجال لحصرها، وهذا يعني أن ندرة أو غياب الشركات القيادية الوطنية في أي بلد كارثة كبيرة على هذا البلد على المدى البعيد، إذ ستتسع الفجوة بينه وبين الآخرين الذين استطاعوا تأسيس شركات قيادية في كافة المجالات تستطيع دفعهم للأمام في سباق التقدم المحموم، لذا علينا أن نعمل على إزالة العوائق كافة أمام المستثمر السعودي وندعمه لجميع أشكال الدعم ليتصدى للتحديات التي تواجهه، خاصة أن فرصة دعم القطاع الخاص لازالت متاحة لنا، لكي ننهض بشركات وطنية قيادية في المجالات كافة قبل أن يغفل باب الدعم بسبب قوانين منظمة التجارة العالمية، ونندم حيث لا ينفع الندم، وهذا ما لا أرجوه ولا يرجوه كل سعودي.

باحث ومحلل اقتصادي مالي
<p><a href="mailto:[email protected]">sralfaleh@yahoo.com</a></p>

الأكثر قراءة