دموع الرحمة.. و(كاريزما) المَلِك

<a href="mailto:[email protected]">f.albuainain@hotmail.com</a>

للمُـلك هيبة، وللسلطان رهبة، وللقادة سطوة، وللمؤمنين رحمة لا تغادر قلوبهم مهما بلغوا من قوة وسلطان. الرحمة أساس الملك، وبركة الحاكم، وسبب لالتفاف المسلمين حول قادتهم. قال تعالى، مخاطبا الرسول الأمين، صلى الله عليه وسلم، "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "من لا يرحَم لا يُرحم " فالرحمة صفة من صفات المؤمن، وكذلك الحاكم العادل، من خلالها يسوس شعبه، يرفع الظلم عن المظلومين، ويعفو عن المذنبين، ويتجاوز عن سقطات المسيئين، ويمد يد العون إلى المحتاجين.
رحمة الحاكم شعبه تجعله أكثر التصاقا بهم، ومعرفة بأحوالهم، يفرح لأفراحهم، ويأسى لمصابهم، فتفيض عيناه بدموع الرحمة والحزن، وينطق لسانه بكلمات الحب، فتختلط المشاعر حتى لا يكاد المرء يميز بين الحاكم والمحكوم.
دمعات الملك العفوية التي انسكبت على وجنتيه، كانت دليلا على رحمته وحبه لشعبه، ذلك الحب الأبوي الذي ينتشر أينما حل الملك. لم يتمالك الأب القائد نفسه عندما رأى أطفال شهداء الواجب وهم يتقدمون للسلام عليه، استشعر حالتهم، ووقف في مكانهم، وتذكر عالمهم الذي فقد حنان الأب إلى غير رجعة، فتناثرت دمعات الرحمة من عينيه، وقد شق عليه مصابهم. تذكر أبناءه، شهداء الواجب، جنود الوطن، وحماة الشعب الذين قضوا في العمليات الإرهابية التي ضربت البلاد وروعت الآمنين.
دمعات الملك، وجهت رسائل عفوية للإرهابيين الذين تجردوا من الرحمة، فَسَفكوا الدماء ويتـّموا الأبناء. إنها دمعات القلوب الرقيقة، المحبة للخير، الضعيفة أمام الله، وأمام مشاعر الحب والإنسانية، دموع الرحمة التي قارع بها الملك سيوف الغدر والترويع والدمار. دموع الرحمة التي أعادتنا إلى الوراء حيث العفو الملكي الكريم عن الإرهابيين الذين يسلمون أنفسهم لرجال الأمن، ومغزى ذلك العفو الإنساني الذي اختلط بمشاعر الأبوة الحانية، والرحمة الإسلامية، والخوف على جميع أبناء هذا الوطن. لم يحسن أعداء الأمة الظن في حيثيات صدور قرار العفو الكريم ومعانيه النبيلة، فحاولوا تشويهه وتصويره على غير صورته الحقيقية، إمعانا في ظلم النفس وظلم البشرية، فجاءت دمعات الملك لتؤكد لهم بعد حين المعاني الإنسانية التي لم يحسنوا قراءتها في قرار العفو الكريم.
دمعة الملك كانت بمثابة رسالة حب عفوية تجلت بأحلى صورها في ليلة العهد والوفاء، بعد أن حطمت جميع القيود الرسمية، والترتيبات البروتوكولية، فطغت مشاعر الأبوة الحانية على ترتيبات الحفل الرسمية.
لم يخطئ الشعب حينما أطلق على الملك عبد الله لقب "ملك الإنسانية" فإنسانيته تتجلى بصورها البهية أينما كان، ينثر الحب والود والاحترام. إنسانية الملك، تلغي جميع القيود البروتوكولية، وتحطم كل حواجز الرهبة والخوف التي تحيط عادة بالعظماء، فيحس الآخرون بأبوته الحانية التي تنسيهم هيبة الملك ورهبة السلطان.
في حفل المنطقة الشرقية، استوقفتني تلك الطفلة البريئة وهي تناجي الملك، في وصلتها الإنشادية، فقلت في نفسي ماذا عساها أن تفعل أمام رهبة الملك؟، وما كدت أفرغ من ظنوني حتى تفاجأت بتجاوب الملك العفوي معها، وإشاراته الأبوية الحانية، التي جعلتها أكثر ثقة مما ظننت، فأدت وأبدعت بعد أن أحست بمشاعر الملك الإنسانية تجاهها. أين رهبة السلطان؟ اختفت مع تواضع الملك وإحساسه بالأبوة الحانية، وكذلك شعرت الطفلة، التي تقدمت بكل ثقة للسلام على والدها القائد، فقبلت رأسه إقرارا بأبوته الحانية.
كم تجلت رحمة الملك عبد الله من خلال القرارات، والزيارات، والخطابات المفعمة بالمشاعر والأحاسيس. مرورا بقرارات رفع الأجور، وزيادة مخصصات صناديق الدعم الحكومية، والإشراف المباشر على مكافحة الفقر، ودعم المناطق بمشاريع الخير والنماء المعينة على رفع مستوى المعيشة.
لقد حول زياراته للمناطق إلى زيارات الحب والعطاء، والرحمة والوفاء، بدأها بإصدار عفوه عن سجناء الحق العام والسداد عن المعسرين وتحمل الديات، إنسانيته لم تميز بين السعوديين وغير السعوديين، بل شملت الجميع، تقيدا بالتعاليم الإسلامية السمحة. وأتمها بتوزيع الثروة على المواطنين من خلال مشاريع الخير التي أطلقها في جميع مناطق المملكة.
إنسانية تجلت بكل معاني الحب والوفاء للشعب الذي أوكل الله إليه ولاية أمره، ورحمة امتلأ بها قلبه ففاضت منها عينه وعملت بها يداه الكريمتان.
إنسانية الملك عبد الله هي التي جعلته ملكا للقلوب، قبل أن يكون ملكا على البلاد. إنها الكاريزما الخاصة المليئة بالحب الذي تسيد به القلوب، فأضحت الصفة المميزة لخادم الحرمين الشريفين. كاريزما خاصة تفرض على الآخرين الانجذاب لهذه الشخصية المحببة إلى النفس البشرية. إنها "كاريزما أبو متعب".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي